صدرت رواية الملك الجديدة عن دار أوراق وتم طرحها في معرض الخرطوم للكتاب هذا الاسبوع. الرواية امتداد لمسيرة طويلة من الابداع القصصي والروائي المتميز، بلغت حتى الان خمس روايات منشورة والعشرات من القصص القصيرة. أحمد الملك من رواد الواقعية السحرية - او الشعرية في نفس الوقت - في السودان. يستند على قصص من واقع الحياة في البلاد وتارخها المعاصر ثم يضفي عليها من خياله الجامح الكثير من العبث والسخرية والتهكم اللاذع، بحيث تستحيل الاساطير الى وقائع تمشي بيننا بينما يتم تحويل الواقع الى اساطير تبدو وكأنها من صنع خيال الكاتب. لأحمد الملك ثيمة ثابتة في كتاباته هي السخرية من الاشخاص الذين يملئون مكانا أكبر من قدراتهم، ويتجلى هذا أكثر ما يتجلى طبعا في الدكتاتور السابق أو أي شخص من شخصيات المجتمع يتلبس بلبوس أكبر من حجمه الحقيقي. ولأحمد وشائج وثيقة بمدرسة ماركيز ليس فقط من حيث الواقعية السحرية بل أيضا هذه الثيمة التي أبدع فيها ماركيز سواء في خريف البطريرك أو مائة عام من العزلة او ليس لدى الكولونيل من يراسله، وأسهب فيها أحمد في الخريف يأتي مع صفاء وفي بيت في جوبا ثم الان في سبعة غرباء في المدينة. الرواية تعج كالعادة بالمتمردين والحكام السابقين (المخلوعين) الذين يجترون أوهامهم وأحزانهم في فترة ما بعد فقدان المنصب حين يعود الواحد منهم شبحاً لا قيمة له ولا حياة له الا حياة الاوهام المستمرة والتحلل البطئ بعد انفضاض الناس والسلطة والمال والاضواء عنه.. كما تعج كالعادة بالمهرجين وصانعات الخمور البلدية والغانيات ومواسم الحصاد ورائحة الموت العبثي والموت الطفبوعي (اعدام بالصدفة!). ولكن المميز أن أحمد صب سوط سخريته الفاضح على الجميع هذه المرة، الحكام والمعارضين بل والشعب أيضا. وربما نتيجة للتقدم في العمر والحكمة والخبرات الحياتية، أدرك أحمد أن الكارثة ليست فقط في شخص واحد دكتاتور، نقضي عليه في ثورة عابرة ثم تعم السعادة ويزول كل الشقاء. أدرك أحمد في ذاته المبدعة وليس في عقله فقط، أن مصيبتنا بجلاجل كما يقولون، اذا انتفضنا وانفض سامر النظام فان المعارضة ليست بأحسن حالا وهي التي تقتات أبدا من مائدة الأجنبي وتمتثل لأمره وأمر مصلحتها قبل أمر الشعب والوطن الذي لا يرد في اجندتهم أصلا الا للمتاجرة، ثم أنه عرج على الشعب نفسه، (الشعب المتعجل الذي يريد خبزا لحظة اندلاع الثورة، يريد دواء حتى قبل أن يجلس قائد الثورة في كرسيه الوثير في القصر الجمهوري). بل أنه ساوى تماما بين المتمرد والعسكري الذي يحاربه، فهذا متمرد علني وهذا (وكيل العريف بشريط واحد الذي تسميه الرواية رقيبا وتسميه صاحبة الانداية جنرالا) مشروع متمرد يقدم رجلا ويؤخر اخرى، ولا يحارب قناعة وإنما لأن هذا هو ما وجد نفسه فيه، وهو يحسب حساباته يوميا ليرى إن كان التمرد خير له في معاشه! أحمد الملك يطور أدواته كل مرة، وتزداد كتابته نضجا وسبكا، حتى أنه رغم الاسترسال المشهور عنه، لأنه يتغنى باللغة والكلام من باب المتعة والتكثيف وليس لكي يسرد الحدوتة، ورغم أنه قد دس داخلها قصة او رواية أخرى عن آدم ومعسكرات النازحين في دارفور، فان رواية سبعة غرباء رواية قصيرة (152 صفحة) مقارنة برواياته السابقة، وهي استمرار لمسيرة مبدعة لفتت أنظار الكثيرين منذ بداياته الباكرة حين قدم له بشرى الفاضل، وانطلقت في رحاب العالمية حين ترجمت الكثير من قصصه وبعض رواياته الى الهولندية والفرنسية. هذا تقديم سريع لهذه الرواية الهامة التي أرجو أن تجد حظها من الاهتمام من النقاد ودارسي ومحبي الأدب والرواية، وسأعود لها لاحقا بإذن الله للمزيد من الاضاءات والقراءة المتأنية. الصاوي يوسف [email protected]