سفرنا المُشتهى لو أننا نسافر ساعة نشتهي، نحمل حقيبة بها فرشاة أسنان وبطاقة هوية للأقدار وحصن المسلم وبعض المال، نسافر متحررين من كل قيد يكبلنا ، أحزاننا ، مواجع البلد وضحاياه حتى أحلامنا نتركها جانباً نحن النساء حدودنا عادة أضيق وحياءنا سجان وغض الطرف سمة عُرفنا بها منذ القِدم ، صفات تلازمنا ، لكننا في سفرنا ذاك نتحلل من كل شيء ، نوسع الحدود ونطلق العنان للبصر والقدم على أن نُبقي بعض الحياء فينا . نسافر، نقطع الخلاء ببص سفري مفتوح النوافذ ، واسع المقاعد وبلا تلفزيون معلق أو جهاز تسجيل يُشغل الآذان ، نُحادث الغرباء ، نبتسم لهم ، نتبادل معهم الحكايات والقصص ، الأسماء والأسرار، التجارب وأخبار البلدان البعيدة ،نستمع إليهم بود ، نأنس بصحبتهم زمناً وقد نبوح لهم ببعضنا العميقة ، و أمانينا وخيباتنا . نُمتع أعيننا بتلال الرمال الناعمة وسراب المياه الصافية المُتنقل والنوق العالية ذات الكبرياء الواضح والأحجار السوداء المتناثرة على جانبي الطريق وقطيع الأغنام المرهق من طول المسير وأيضا نراقب بانتباه شعائر الغروب وكأننا نراها للمرة الأولى ، للصحراء جلال خاص ومغيب مقدس وأفق سحري ، نحدق بإصرار في الهالة الحمراء المحيطة بالشمس قبل السجود والفراغ العريض وظلال البيوت المتباعدة يا سلام على بص سفري يقطع بنا مسافات ومسافات تتكّشف لنا فيها الأرض بلونها الذهبي ، تغري البصر بها فيتيه ثم أنها من بعد ذلك تآسر اللب علناً ، وقتها لن نحس بالجوع ولن يُقلقنا العطش فالروح مشغولة بالتحليق والتنقل والبصر سارح في البعيد وبالقلب معول ينبش في القديم عابثا بنا ومذكراً بأوقات كنا فيها سعداء برفقة آخرين وقد تطلّ أسرار دفينة برأسها تلك فرصتها فالقلب مفتوح والصحراء حضنها دافيء والصمت وافر والفضاء مغري ونحن لها طائعين ، نسافر في عيون البلد قبل أن يشيخ الجسد والقلب ، لو أننا نسافر بلا تبرير ، فقط أردنا ففعلنا. أميمة عبدالله [email protected]