ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية    شاهد بالفيديو.. شاعرة سودانية ترد على فتيات الدعم السريع وتقود "تاتشر" للجيش: (سودانا جاري في الوريد وجيشنا صامد جيش حديد دبل ليهو في يوم العيد قول ليهو نقطة سطر جديد)        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لن يقود السيد الصادق المهدي ثورة الشعب السوداني؟
نشر في الراكوبة يوم 01 - 07 - 2013


"قراءة تاريخية"
كان لزاما على السيد الصادق المتطلع لرئاسة وزراء جمهورية السودان، بعد تخرجه من جامعة أكسفورد العريقة، أن ينتظر حتى مطلع عام 1966 ليبلغ الثلاثين، إذ اشترط دستور السودان المؤقت أن لا يقل عمر رئيس الوزراء عن الثلاثين عاما. و بحلول عام 66 و بعد فوزه في دائرة الجبلين،التي اخليت له خصيصا بعد استقالة نائبها ، بدأ السيد الصادق حياته السياسية بالخلافات مع السيد محمد أحمد محجوب رئيس الوزراء و احد زعماء الحركة الوطنية و حزب الامة المميزين، و ذلك عندما ذهبت مجموعة من أسرة المهدي للمحجوب و ابلغوه رغبة السيد الصادق في تولي رئاسة الوزراء و طلبوا منه الاستقالة لكنه رفض الاستجابة لطلبهم، إلا أن السيد الصادق لم يستسلم لرفض المحجوب فمارس عليه ضغوطا كثيرة أدت الى استقالتة من رئاسة الوزراء و تولي الصادق ذلك المنصب في 26 يوليو 1966،و قد دفع حزب الامة ثمن نجاح الصادق إذ انقسم الحزب و اصبح حزبان، الامة جناح الامام الهادي،و الامة جناح الصادق.
استمر السيد الصادق رئيسا للوزراء لمدة تسعة اشهر الى أن سحبت الجمعية التأسيسية الثقة من حكومته في 18 مايو 1967و مرة اخرى كُلف محمد أحمد محجوب بتشكيل الحكومة الجديدة و التي طلبت من مجلس السيادة حل الجمعية التأسيسية و الدعوة لانتخابات عامه، فوافق المجلس و اجريت الانتخابات في 25468 و كانت نتائجها التي اعلنت في 6568 كالاتي :-
الحزب الاتحادي الديمقراطي 103 مقعدا برلمانيا.
حزب الامة جناح الامام الهادي 30 مقعدا.
حزب الامة جناح الصادق 34 مقعدا.
جبهة الميثاق الاسلامي 3 مقاعد.
حزب سانو الجنوبي 15 مقعدا، جبهة الجنوب 10 مقاعد، الحزب الاشتراكي السوداني مقعدين و فازت احزاب الاقلية ب 6 مقاعد.
و خسر السيد الصادق المهدي مقعده لصالح محمد داؤود الخليفه "جناح الامام "، كما خسر الامين العام للاخوان المسلمين حسن الترابي مقعده لصالح السيد مضوي محمد احمد "الاتحادي الديمقراطي "، و فاز زعيم الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب بدعم من الختمية.
لم تكن نتائج الانتخابات مرضية لبعض القوى الاقليمية، تحت ضوء الظروف العربية السائدة حينها - ظروف النكسة - فكان أن تدخل الملك فيصل،و الذي كان يقود الانظمة العربية المناؤة لعبد الناصر، تدخل في خلاف حزب الامة، فارسل الشيخ الصبان في نوفمبر 68 للسودان للتوفيق بين السيد الصادق و عمه الامام الهادي، وقد نجحت مساعيه فتم الوفاق بين الجناحين المختلفين و صدر بيانا في 12469 أعلن وحدة الجناحين .
سارع عبد الناصر باستباق الاحداث في السودان، لضمان نظام حليف له و ليس للملك فيصل فكان انقلاب 25مايو 1969 هو الرد الحاسم لتدخل السعودية في سياسة السودان الداخلية.
اعتقل الانقلابيون بعض سياسيي العهد الديمقراطي، و كان في مقدمتهم الزعيم الشهيد اسماعيل الازهري رئيس مجلس السيادة بينما استطاع الشريف حسين الهندي، وزير المالية و قطب الحزب الاتحادي الديمقراطي، الافلات من الاعتقال فغادر العاصمة الى ودمدني بعد ان تأكد له سيطرة الجيش على السلطة فجر يوم الانقلاب و منها غادر للجزيرة أبا ليلتحق بالامام الهادي.
في الجزيرة ابا و جد الشريف ان السيد الصادق قد و صل اليها في يوم الثلاثاء 275،كما وجد كلا من السادة، عثمان جاد الله ،محمد عثمان صالح، الشيخ محمد الكاروري، محمد صالح عمر، مهدي ابراهيم،قطبي المهدي، عزالدين الشيخ، عبد الله ممد احمد و آخرين. لم يمكث السيد الصادق طويلا فعاد الى الخرطوم، للتفاوض مع النظام، بينما طلب البقية من الشريف حسين،بعد تكوينه للجبهة الوطنية في يونيو 69،محاولة الوصول لاثيوبيا و امدادهم بالاسلحة و ذلك لخصوصية العلاقة التي كانت تربطه بالامبراطور هيلاسيلاسي و قد استطاع الشريف الوصول الي الكرمك السودانية و عبر منها الحدود لأصوصه الاثيوبية و منها لاديس أبابا،و منذ ذلك الحين اصبح الشريف متنقلا بين أديس و الجزيرة أبا إلى أن اقتحمها نظام مايو بمساعدة الطيران المصري في 2921970. و قد حدثني الشريف إنه كان وقتها على الحدود الاثيوبية السودانية في انتظار الامام الهادي و الذي اغتيل على بعد عدة كيلومترات منه قرب الحدود.
استطاع الشريف تجميع الانصار بمساعدة السيد ولي الدين الامام الهادي و المهندس احمد عبدالله صهر الامام في معسكرات للتدريب على الحدود الاثيوبية السودانية و كان اشهرها معسكر شهيدِ البحر.
هذا، وبعد أن صارت الجبهة الوطنية تضم كلا من الحزب الإتحادى الديمقراطى و حزب الأمة بجناحيه و الإسلاميين و بعض المستقلين، ذكر الشريف حسين فى مقابلة صحفية أجراها معه الأستاذ يوسف شويرى فى 20 مارس 1978 و نشرت فى مجلة الدستور، "أنه جاء في عام 1975 بالسيد الصادق المهدى رئيساً للجبهة إكراما للإمام الهادى و لجماهير الأنصار ". و أصبح هو نائبا له وبعض من ضمهم مكتبها السياسى السادة أحمد زين العابدين عمر من الإتحاديين، عمر نور الدائم من الأنصار جناح السيد الصادق، عثمان خالد مضوى من الإخوان، أحمد عبد لله من الأنصار جناح الإمام و محمود صالح كعضو مستقل. كما انها اي الجبهة استمالت اليها القومين العرب فاستطاع الاستاذ بابكر كرار، و الاستاذ عبد الله زكريا،و الدكتور ناصر السيد، اقناع السلطات الليبية بضرورة استضافة الجبهة في الاراضي الليبية.
و إذ كانت علاقة الجبهة بالليبيين تشهد تطوراً مطردا، فإنه على صعيد آخر كانت قد بدأت تفقد الدعم الإثيوبى لها، عندما أطاح الإشتراكى منجستو بالإمبراطور هيلاسلاسى، و هكذا لم يكن من مناص أن ينتقل النشاط العسكرى إلى ليبيا قأقيمت بها المعسكرات التى قدر لها أن تكون المنصة التى انطلقت منها حركة يوليو 1976 والتى قال عنها الشريف حسين بأنها " كانت عروس العمليات،كانت مجهزة تجهيزاً لا يمكن أن تجهز له العروس ليلة الزفاف سلاحاً و تدريباً و رجالاً و خطة و نفوذاً إلى الصحراء، و كل شئ، و لم تكن لها أن تفشل إطلاقاً، نحن نؤمن بالقضاء و القدر إذا أراد الله إفشالها فالله قادر على ذلك، لكن السيد الصادق ليس منا و لم يكن بيننا و لم يزرنا و لم ير الرجال............... "
و أياً يكن المصير الذى انتهت إليه حركة يوليو فقد إنطوت عليها رسائل أنبأت عن مدى الجرأة التى يمكن أن تذهب إليها المعارضة، و إن كانت بنية النظام رغم لبوس البأس الذى كان يتزيى به تقوم على الهشاشة، ثم أن هذه العملية جاءت تتويجاً لسلسلة من الضربات الموجعة التى تلقاها خصوصاً على الصعيد السياسى. بيد أن حركة يوليو كانت كفيلة بأن تبث فيه الرعب و تزلزل أعصابه كما هو قمين بنظام يعتاش من الخوف ويبثه بذات القدر الذى يستشعره. وليس ثمة شك فى أنها كانت الباعث الذى حمل نميرى أن يوقع مع السادات إتفاقية للدفاع المشترك فى 15 يوليو 1976، و قد كانت الزيارة التى قام بها السادات و نميرى فى اليوم التالى لتوقيع الاتفاقية، أي في 16 يوليو 76 إلى الملك خالد عاهل المملكة العربية السعودية تشف عن بواعثها الحقيقية حيث كانا يخشيان أن ترتاب المملكة فى مقاصد الاتفاقية الذى بدأ فى الظاهر موحياً بأكثر مما تحتمل حقيقته المجردة وهى حماية نظام نميرى، و بالطبع أنبأ العاهل السعودى بأهداف الإتفاق الفعلية ولم يكن صعباً إقناعه بنيتهما الفعلية فكل الحيثيات تعزز صدق نواياهم.
وقد وجد العاهل السعودى الذى بقى لأعوام قريباً من المعارضة السودانية فى إقتراح المصالحة الوطنية مخرجاً يحفظ ماء وجوه الجميع، و ما إجتماع نميرى و السيد الصادق المهدى في 67 77 ببورتسودان و إعلانهما لمصالحتهما 18777 إلا ثمرة لتلك الوساطة السعودية. و الجدير بالذكر أن الجبهة الوطنية إشترطت خمسة عشر بندا للمصالحة صاغتها قانونيا لجنة مكونة من السادة أحمد زين العابدين، فاروق البرير، شريف التهامى، عثمان خالد و أحمد عبدالله إلا أن السيد الصادق لم يأبه لتلك الشروط و صالح النميرى منفردا. و قد علق الشريف على ذلك بقوله " لم يتم فى بورتسودان أى نقاش سياسى. و النميرى أعلن أنه سيطلق سراح المعتقلين السياسيين و يصدر قانون عفو عام غير مشروط، سواء تمت المصالحة أم لم تتم. و ثبت لدينا أن الصادق لم يتحدث عن الشؤون السياسية و مطالب الجبهة، و كان زعم قبل سفره أن النميرى وافق على سبعة شروط هى :
1. إلغاء الإتحاد الإشتراكى.
2. تعديل الدستور، و خاصة لجهة صلاحيات رئيس الجمهورية.
3. إطلاق الحريات العامة بأكملها، بما فيها حرية النشر و الكلام و التنظيم.
4. تغيير السياسة الخارجية و تبنى سياسة غير منحازة للغرب، و غير منحازة فى القرن الإفريقى، و غير مستسلمة فى نطاق القضية العربية.
5. تغيير السياسة الداخلية بإلغاء قوانين الأمن و تعديلها.
6. الإقلاع عن القوانين الاستثنائية.
7. تثبيت إستقلال القضاء.
لكن هذه المسائل لم تناقش مع النميرى، و كان السيد الصادق وافق عليها كتابة للوسيط فتح الرحمن البشير، و اطلع عليها ستة أعضاء من المكتب السياسى فى إجتماع ضم الدكتور عبد الحميد صالح الرجل الثانى فى حزب الأمة، و عثمان خالد سكرتير الجبهة، والرجل الثانى فى تنظيم الإخوان المسلمين و صالح عثمان صالح،"و الشريف حسين بوصفه نائبا لرئيس الجبهة" و بحضور شخصين من كبار جماعة الإخوان هما الأستاذ أحمد إبراهيم الترابى و الأستاذ ربيع حسن أحمد. و أعلن فتح الرحمن البشير- الوسيط بين النظام المايوي و الجبهة الوطنية - فى هذا الإجتماع أن المفاوضات لم تبدأ إلا بعد توقيع الصادق على مستندات تؤكد موافقته على الدستور و الجمهورية الرئاسية وولاية النميرى الثانية و إبقاء الإتحاد الإشتراكى و إتفاقية الجنوب التى وقعت فى أديس أبابا، و إشتراك الجيش فى السياسة. و كل ما طرحه الصادق هو تعديل الدستور لكى يصبح أكثر اسلامية، و تعديل دستور الإتحاد الإشتراكى ليكون أكثر ديمقراطية. و سخرت أنا من هذا الكلام، إذ كيف يمكن أن يكون الدستور أكثر إسلامية أو أكثر ديمقراطية، فهو إما إسلامى و ديمقراطى وإما لا، و عندما عاد الصادق من اجتماعه بالنميرى قال إنه لم يتم إى حديث سياسى، و إكتفى بكيل المديح لشخصية النميرى. وكان هذا الأخير على وشك تنفيذ العفو العام دون المصالحة، و أنا أريد أن أعلن أن إطلاق سراح المعتقلين هو حق لنا، و الاعتقال باطل و نحن لسنا مجرمين بل مناضلون شرفاء ".
المهم فى هذا الأمر أن هذا التحول السياسى ذو الدلالة الكبيرة تمخضت عنه نتائج عصفت بإحدى تحالفات الشريف الرئسية، و الشاهد أن السيد الصادق المهدى توجه إلى طرابلس قبل يوم واحد من عودته مصالحاً إلى الخرطوم، أى فى 26سبتمبر1977، حيث إجتمع بالعقيد معمر القذافى و أفرز إجتماعهما جملة من القرارات كان أهمها :-
1. حجب الدعم السياسى و اللوجستى عن الشريف.
2. وقف الحرب الإعلامية بين السودان و ليبيا.
3. عودة العلاقات بين النظامين الليبى و السودانى.
و بوضع تلك القرارات موضع التنفيذ جمد نشاط مكتب الجبهة الوطنية الذى كان يسيطر عليه الحزب الإتحادى الديمقراطى و أستعيض عنها بما سمى بالجبهة الشعبية ( حركة اللجان الثورية السودانية) والتى على رأسها الأستاذ عبدالله زكريا.ووقفت فور انتهاء الاجتماع المهاترات الاعلامية في الاذاعتين الليبية و السودانية،كما اجتمع وزيرا خارجية البلدين في 14111977 في تونس و عادت العلاقة الدبلوماسية في 821987 و نتيجة لذلك أصبحت الجبهة الوطنية و زعيمها الشريف حسين الهندي فى موقف لا يحسد عليه، ففى الوقت الذى كان يتعين عليه أن يعيد رسم تحالفاته مع النسيج المكون للسياسة السودانية الداخلية كانت تحالفاته الخارجية هى الأخرى موضع تحول و استقطاب، و من نافل القول أن مصالحة السيد الصادق و نميرى غير أنها شكلت خصماً على رصيد المعارضة،لا سيما و إنها نهضت على أساس تكتيكى واهن، فقد شكلت دافعاً لتحالفات الشريف الجديدة كاشفة فى الوقت عينه عن براغماتيته السياسية الفريدة.
بيد أن الشريف، و هو يمهد للإنتقال من موقف لآخر، يبث فيك الشعور بأنه يصل بين المواقف عوضاً أن يقاطعها أو يتخذ من بعضها موقفاً حاداً توطئة للإنتقال إلى نقيضها، فمناوراته الكبيرة كأنها الفواصل القصيرة التى تلتقط فى أثنائها الأنفاس ريثما تستأنف ذات المسيرة لكنك و أنت على مقربة يفوتك رصد المسافة الكبيرة التى قطعت و إن كان المكان غير المكان و الحال غير الحال.
عاد السيد الصادق الى الخرطوم في 27977، بعد ان اوحى له نميري بتعينه في منصب رئاسة الوزراء باقالته في 10977 السيد الرشيد الطاهر و لم يعين بدلا عنه، و تمهيدا كي يعين في منصب رئاسة الوزراء دخل الصادق اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي في 9378 و دخل المكتب السياسي في 3878 إلا أن الواقعة قد و قعت على السيد الصادق وذلك عندما أيد نميري اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها السادات مع العدو الصهيوني في 17978 و التي رفضتها معظم الدول العربية و في مقدمتها العراق و ليبيا حليفة السيد الصادق، فلم يكن أمامه الا الاستقالة من منصبيه و اصبح في موقف لا يحسد عليه فهو مصالح غير مشارك للنظام المايوي كما انه اصبح غير مقبول و غير موثوق به من قبل المعارضة.
كان الشريف حسين، فى تلك الفترة، يناور لئلا يدع مجالاً للفراغ السياسى فبعث الأستاذ أحمد زين العابدين إلى الخرطوم و بعث بعده الأستاذ حسين عثمان منصور و التقى قبلها بأبى القاسم هاشم عضو مجلس قيادة إنقلاب مايو في ابريل 1978 وبدأ يتحدث عن المصالحة مع نظام مايو و يلعب بالورقة السعودية فطالب بإلغاء إتفاقية الدفاع المشترك ثم عاد و إشترط تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية وكان قد اجتمع فى السعودية و برعاية عاهلها مع النميرى و أضاف إلى شروط مصالحته إلغاء التأميمات و تعويض المتضررين وكان فى الوقت نفسه يعكف على لقاء البعثيين و يعبد الطريق بينه و بينهم، و يوطد صلاته مع اليسار السودانى كما كان يتخذ من رحابة الأطر الاجتماعية السودانية أحياناً سبيلاً إلى تعزيز علاقاته السياسية.
صفوة القول أن الشريف كان فى حاجة ملحة إلى حليف يملأ الفراغ الذى نشأ عن فض تحالفه مع ليبيا و قد كان البعثيون على موعد قريب معه، ذلك أن كل العوامل كانت تتراصف لتجعل ذلك أمراً ممكن الحدوث فى أى وقت، لكن أيضاُ علينا ألا نغفل الدور الكبير الذى لعبه موقف الشريف الرافض بقوة لإ تفاقية كامب ديفيد و كما اسلفت كان نميرى قد أيدها فى الوقت الذى قاطعتها فيه معظم الحكومات العربية و قد إتسم الموقف العراقى بالذات بقوة الرفض و كان رائداً فى خلق جبهة الصمود و التصدى المعارضة لهذه الإتفاقية وقد تطابق موقف الشريف مع ذلك و ساعد كثيراً فى التقريب بينه و بين البعثيين.
استشهد الشريف حسين في التاسع من يناير 1981 فاصبح السيد الصادق امل الشعب، فالترابي مشارك في النظام و كذلك الميرغني لكن السيد الصادق،الرجل الذي لا يختلف اثنان في مقدرته الفكرية، رأى ان تطلعات الشعب في الديمقراطية و التعددية الحزبية لا تتطابق مع رؤيته في الحكم، وقد اتضح أنه يرى ان نظام الحزب الواحد هو الذي يصلح لنا و ليس نظام التعدد الحزبي.ففي 3091981 حاضر في معهد الدراسات الافريقية في السويد فتحدث عن السلطة السياسية في الدول النامية ووضع شروطا خمسة لتلك الدول لتتجاوز ازماتها و مشاكلها و شروطه هي :-
1. أن يقوم تنظيم سياسي تتوفر فيه هذه الصفات :-
أ‌- تكون القيادة شعبية.
ب‌- أن تقوم علاقة تنظيمية فعالة بين القاعدة و القيادة.
ت‌- أن تكفل المشاركة في المسيرة السياسية لقاعدة شعبية عريضة و أن تخضع القيادة لدرجة فعالة من المحاسبة و المساءلة.
2. أن يربط القيادة و القاعدة انتماء فكري واضح، ففي البلاد الاسلامية العربية مثلا يقوم انتماء في القيادة و القاعدة للصحوة الاسلامية و البعث العربي..
3. أن ينجز نظام الحكم تنمية اقتصادية تحقق الكفاية و أن يوزع العائد الاقتصادي توزيعا عادلا.
4. أن يحال دون اضطراب العلاقة بين المدنيين و العسكريين عن طريق معادلة موزونة تضمن للسلطة الشعبية شرعيتها و هيمنتها و تكفل للعسكريين بالتالي أن يشاركوا في المسيرة السياسية للبلاد.
5. أن يحافظ النظام المنشود على السيادة الوطنية، فلا تخضع البلاد لتفتيت داخلي و لا لسيطرة أجنبية.
و اضاف " لكي تتحقق الشروط الخمسة في السودان ينبغي استحداث تغيير اساسي و جذري يكفل مؤسسات و سياسات و ممارسات جديدة تخرج به من الازمات التي يعاني منها السودان و أهله "
إذن فالسيد الصادق لا يتفق مع الشعب السوداني في الكيفية التي يريد ان يُحكم بها، إنما يبشر بفكره و قناعاته الخاصة التي تتمثل في التنظيم الواحد، ولعل ذلك ما دفعه لمصالحة النميري منفردا،إلا أن صقور الاتحاد الاشتراكي لم تفسح له المجال و هو الان يعيد الكرة مع نظام الانقاذ، فبعد اشتراكه في مؤتمر اسمرا في يونيو1995 الذي قرر اسقاط نظام الانقاذ،التقى في مايو 1999 في جنيف بالترابي الذي كان يمثل النظام. والتقى في جيبوتي في نوفمبر1999 بالرئيس عمر البشير و اثر ذلك اللقاء عاد السيد الصادق إلى السودان في مطلع عام 2000. و في سبتمبر2009 شارك في مؤتمر جوبا و الذي اتفق المؤتمرون فيه على عدم المشاركة في الانتخابات التي اجريت في ابريل 2010 لكن السيد الصادق لم يلتزم بقرارات المؤتمر و أعلن مشاركته في الانتخابات و استلم من النظام مبلغا من المال، افادت مصادر من حزب الامة بانه 2.5 مليار جنيه سوداني بينما ذكرت مصادر النظام بان المبلغ هو 4 مليارات و اتفق المصدران انه كان نقدا، و بعد ان استلم المبلغ المذكور اعلن انسحابه من الانتخابات فقال السيد علي كرتي وزير الخارجية واصفا له و السيد محمد عثمان الميرغني و الذي يقال انه استلم بدوره 7.5 مليارا بأنهما "سجمانين ".
هذا، فعندما شعر السيد الصادق بانه لا يملك ما يقدمه للشعب السوداني بخصوص مسألة الجنوب أ، لفت الانظار الى مسألة أخرى فصرح بأن يوم 261 2011 سيكون يوما حاسما فاما أن يعتزل العمل السياسي أو يعلن معارضته للنظام وتهيأ الشعب ليوم الحسم و استعدوا لمنازلة النظام إلا أنه فاجأ الشعب و على وجه الخصوص جماهير الانصار الوطنية بمفاوضة النظام قبل اليوم الذي حدده و لم يتحدث باسمه و لا باسم حزبه فقط إنما تحدث باسم قوى التجمع الوطني و في ليلة 261، ليلة سقوط الخرطوم، خطب في جمهور لا يتعدى الالفين تجمعوا في ميدان الخليفة و صرح بأن النظام وعده بأن ينظر في مذكرته التي رفعها لرئيس الجمهورية.
لفد خذل السيد الصادق الشعب السوداني و امتص غضبه و عطل ثورته و مد عمر نظام الانقاذ، كما فعل ذلك مع النظام المايوي، و لا استبعد مطلقا أن يصبح جزءا من النظام إذا ما عرضت عليه رئاسة الوزراء فهو يسعى لتحقيق اجندته الخاصة فقط.
الامين جميل
الحزب الاتحادي الديمقراطي/ الجبهة الثورية
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.