وهم الحوار مع الديكتاتورية .. ظلت بعض الأحزاب والجهات - رغم وضوح المشهد - تراهن علي أن الحوار مع نظام الإنقاذ هو طريق الخلاص من الواقع المأزوم الذي نعيشه .. وقدمت هذه الأحزاب وتلك الجهات بموقفها هذا بوعي منها أو بدون وعي خدمة كبيرة ومساعدة مجانية للنظام مكنته إلي حد ما لتسويق بضاعة الحوار لكسب مزيداً من الوقت .. إلا أن ذات النظام قدم لتلك الأحزاب والجهات البراهين والأدلة أنه غير جاد في مسألة الحوار .. وهذا ما قالت به بعض الأحزاب والتنظيمات السياسية التي قرأت المشهد السياسي بموضوعية وبعمق وتوصلت لهذه النتيجة عندما طرح النظام مسألة الحوار قبل عام تقريباً مثل الحزب الشيوعي السوداني والذي كان أكثر الأحزاب طرحا لمسألة مقاطعة الحوار لعدم جدواه ، ما لم تتوافر الأجواء الملائمة للحوار وهي حتي اللحظة لم تتوافر . أقدم النظام علي عدة خطوات اكدت بوضوح إصراره علي المضي قدماً في طريق الشمولية والديكتاتورية ، وأن لا مجال للحوار .. فقد أقدم النظام علي إعتقال الإمام / الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي والأستاذ / إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني لإنتقادهما لقوات الجنجويد .. ثم أقدم النظام علي التهديد بمقاضاة الإمام الصادق المهدي حال حضوره للسودان وذلك علي خلفية توقيعه لوثيقة مع الجبهة الثورية .. ثم أقدم ذات النظام علي إعتقال الأستاذ / فاروق أبو عيسي رئيس هيئة تحالف قوي الإجماع الوطني والأستاذ / أمين مكي مدني رئيس مبادرة منظمات المجتمع المدني وآخرين علي خلفية توقيع وثيقة ( نداء السودان ) .. وظل النظام يتحدث عن قيام الإنتخابات في مواعيدها وأن الحوار لا يوقف الإنتخابات ولا يلغي نتيجتها !!! وأقدم ذات النظام علي مصادرة صحيفة الميدان صبيحة ذكري إستقلال السودان ومع مطلع العام الجديد وتكررت المصادرة في ذات الإسبوع .. أليست كل هذه الخطوات تؤكد عدم جدية النظام في أي حوار .. رأي النظام أن كل ذلك لا يكفي فأقدم علي أخطر الخطوات وأكثرها بعداً عن الحوار ، وقدم أكثر الأدلة التي تؤكد إصراره علي السير في ذات الطريق التي سلكها منذ إنقلابه علي الديمقراطية في 1989/6/30م حيث أقدم النظام علي تعديل الدستور مركزاً السلطة في يد الرئيس الواحد الفرد ومحصناً لقرارات هذا الرئيس ضد الطعن فيها أمام المحاكم ، فقد منح الرئيس حق تعيين وعزل ولاة الولايات بمفرده ليصادر بذلك حق كل مواطني السودان في ( إنتخاب ) الولاة وبهذا أفرغوا مسألة الحكم الإتحادي من محتواه .. ومنح الرئيس حق التصرف في الأراضي دون معقب عليه ودون الطعن في قراراته في هذا الشأن أمام القضاء .. وقد نصت التعديلات أيضاً علي تحويل جهاز الأمن لقوة نظامية تتبع مباشرة لرئيس الجمهورية ومنحت هذه القوي سلطة تنفيذية بالمخالفة للنص السابق في دستور 2005م الإنتقالي ، حيث منحت قوات الأمن سلطة ( إتخاذ الإجراءات ) اللازمة ومنحت كذلك حق إنشاء المحاكم وتحديد سلطاتها وإختصاصاتها .. لنسمع في القريب العاجل بمحاكم أمن الدولة .. الآن أصبح المشهد _ الواضح - أكثراً وضوحاً .. نظام يحاول السيطرة علي مفاصل الدولة والحكومة أكثر فأكثر .. ويستن من القوانين ما يسعفه .. وينشئ من الأليات ما يعينه علي السيطرة علي الأوضاع وممارسة القمع وقتما أراد .. وفي الجانب الآخر الشعب بكافة أحزابه وإتحاداته وقطاعاته وفئاته وشبابه .. الشعب خبر هذا النظام جيداً وتأكد عدم جديته في الحوار .. والشعب مصمم علي التغيير ووضع حد لهذا النظام ... ونحن علي قناعة - لا تتزحزح - بأن الشعب أقوي من كل الديكتاتوريات وأنه أقوي من كل الشموليات والشعب لا تخيفه القوانين القمعية ولا الأجهزة الأمنية .. وعندما يقرر الشعب فانه قادر علي تحقيق آماله وتطلعاته وأقامة البديل الذي يحترمه ويحترم سيادة البلد وحكم القانون والمساواة والعدالة .. الحوار مع هذا النظام مجرد وهم ليس إلا . [email protected]