عندما يبدأ رجل وامرأة في التخطيط جديا للزواج، تكون الدنيا ملك يديهما فيبدآن بتطويع المحال وتذليل الصعاب فتطاوعهما الأقدار وتدعمهما الظروف فتهون القواسي ويتيسر الحال. ويظلان يعملان مثل أفراد مملكة لعبة الشطرنج الكل يحمي الكل حفاظا على الملك أو قل حفاظا على الحب. وما يكتمل ذلك الزواج أو لا يكتمل حتى يبدأ ذات الرجل وذات المرأة اللذان كانا يذوبان ولَهَاً في بعضيهما حتى يبدآ في نكش عيوب بعضيهما وتعرية الآخر وكشف المختبئ من عوراته . ويجتهد الرجل في الإشارة إلى أنها التي كانت تلاحقه وتطارده وأنه غُرر به ووقع في فخها ويتمادى بالقول إنها بتاعة (شيوخ وفقرا) أما المرأة فتنقض لكرامتها أيضا وترسل ما مفاده أنه أصلا ما مصدق أنها وافقت على الارتباط به وأن عدد الذين تقدموا لخطبتها قبله يحجبون ضوء الشمس. وهكذا تستمر لعبة الشطرنج بتساقط الجنود واحدا تلو الآخر دون أن يحميهم (رخ ) أو (حصان) حتى يصل الأمر إلى (كش ملك) . وبالنظر إلى الأسباب التي يسوقها الزوجان لتبرير فشل زواجهما نجد أن الاثنين لا يتورعان عن نسب أي سلوك شائن ومقزز وغير أخلاقي إلى بعضيهما ولا يكترث أحدهما إلى أي مدى يمكن أن تصل سهام النقد والتجريح والتجريم تلك. ما يهم فقط أن يبدو هو أو هي على صواب وتستعر حرب التصريحات التي تذبح على أضرحتها كل قرابين الخيانة وتصل إلى مرحلة من الممكن أن يشكك هو في سلوكها وأن تشكك هي في رجولته . ولا يهم على الإطلاق شكل مآلات الأمور، إنما المهم هو أن يحافظ أحدهم على مظهره العام مهما كان خادعا. وفي الغالب الأعم مثل هذه النوعية من الأشخاص يظلون صريعي أهوائهم وتضخيم الأنا فلا يلبث الرجل أن يدخل تجربة أخرى تنتهي بالفشل قبل أن تكتمل فصولها ولا تلبث المرأة أن تتخبط في الاختيارات وآخر الأمر (تصوم وتفطر على بصلة) حيث يكون الخيار الأخير أسوأ من الأول. إن الزوجين اللذين يدمنان حرب التصريحات، يظلان دوما في حالة بحث عن التقدير الذاتي وفقدان التوازن وبقدر ما تتساقط أسهم غريمهم في بورصات المجتمع بقدر ما تسلبهم ضبابية الرؤية فرصة النظر بوضوح. فتظل الأقاويل وأحاديث المدينة وهمهمات لصوص الجدران هي ما تقتات منه الشائعة وتكبر وتضخم الفجوة. إن فشل أي زواج لا يعني بالضرورة أن هناك مجرما هو أحد الطرفين كما لا يعني أن تقام أيضا مؤتمرات صحفية لنشر الغسيل وتعرية الآخر. إن الذي يغادر حياتنا ينبغي أن نحييه على المغادرة فلا داعي لاستمرار مسرح العرائس في ظل تآكل خيوط اللعبة. وما أجمل وأروع ما كتبت الجزائرية مستغانمي حينما قالت : ما من قصة حب إلا وتبدأ بحركة موسيقية, قائد الأوركسترا فيها ليس قلبك, إنما القدر الذي يخفي عصاه... وحاذر أن تغادر حلبة الرقص كي لا تغادرك الحياة ولا تكترث للنغمات التي تتساقط من (صولفيج) حياتك فما هي إلا نوتات.... *نقلا عن السوداني