لعبة الشطرنج السياسي في السودان تزداد حرارةً هذه الأيام.. الحكومة لوَّحت لحزب الأمة القومي ب (الكارت الأحمر).. وبدأت إجراءات تهدد وجود الحزب القانوني.. لكن المفاجأة أن حزب الأمة اختار مبدأ (بيدي.. لا بيد عمرو)، وأعلن أمس الأول حل أجهزة الحزب.. والعمل (السري) تحت الأرض. عملياً، الخطوة ليس لها مدلول؛ لأن حزب الأمة أصلاً بلا نشاط ظاهر على سطح الأرض إلا النذر الشحيح.. فهو في حالة بيات شتوي طويل.. ولكن السؤال الأهم هو.. ما معنى (العمل السري)؟. في تقديري أن كل الأحزاب السودانية (سرية)!!، بما فيها حزب المؤتمر الوطني الحاكم المتحكم نفسه.. هل يعرف أحدكم كيف يمول المؤتمر الوطني نشاطه؟، هل يعرف حتى أرفع قيادات الوطني نفسه، من أين يكسب الحزب ماله وكيف ينفقه؟، هل شركات الحزب مسجلة باسم الحزب أم بأسماء وهمية؟، بل حتى الأصول.. السيارات، وغيرها.. هل هي باسم الحزب، أم بأسماء حركية؟.. بكل تأكيد حزب المؤتمر الوطني- نفسه- حزب سري يعمل (تحت الأرض).. وعليه فليس في خطوة حزب الأمة أي جديد.. إلا من زاوية واحدة مهمة للغاية..!- زاوية (رقعة الشطرنج)، فالنقلة التي أقدم عليها حزب الأمة تربك كثيراً حسابات حزب المؤتمر الوطني وفي توقيت حرج للغاية.. التوقيت هو موسم الانتخابات الذي يواجه أصلاً تحدياً مريراً بسبب مقاطعة غالبية الأحزاب، وتدني المنافسة إلى مستوى أضعف من أن يعطي العملية الانتخابية شرعيتها الشعبية. حزب الأمة– بقراره هذا- دلق على برودة الانتخابات أطناناً من الثلوج القطبية.. وضخ في الوجدان الجماهيري مزيداً من الإحساس بخيبة الأمل، والرجاء في أي إصلاح، أو حتى انفراج سياسي.. وهنا مصدر الخطورة!، فالإحباط يولِّد اليأس.. واليأس يفجِّر الغبن.. علاوة على ذلك.. إن كان السيد الصادق المهدي وصف عملية (الحوار الوطني) بأنها شُيِّعت إلى مقابر أحمد شرفي.. فإن قرار حزب الأمة بالعمل السري نبش جثة (الحوار الوطني)- على قول شاعرنا التجاني يوسف بشير: قالوا احرقُوه بل اصلبوه بل انسفوا للريح ناجس عظمه وإهابه نقلة حزب الأمة القومي على رقعة الشطرنج تبث الإيحاء لبقية الأحزاب أن الانسحاب الطوعي من الحياة السياسية.. والعمل السري تحت الأرض، هو- في حد ذاته- سلاح ممعن في العلنية فوق الأرض.. ويحقق أهدافاً كثيرة يصعب الوصول إليها عبر الحياة السياسية العادية.. عمل أشبه ب (العصيان المدني) .. فهو (عصيان سياسي). والذي يثير الدهشة، أن النقلة جاءت في وقت يباشر فيه السيد عبد الرحمن الصادق المهدي مبادرة لاسترجاع والده من المهجر السياسي الطوعي، وإعادة المياه إلى مجاريها مع الحكومة.. فكأنما حزب الأمة يكسر زجاجة الزيت، ويدخل مرحلة ال (لا) عودة.. ويقترب أكثر من الجبهة الثورية، في تكرار لتجربة التحالف الديموقراطي المعارض المقيم في أريتريا، خلال فترة التسعينيات. التيار