في حادثة تعد الأغرب من نوعها في تاريخ السودان والطلاب السودانيين منذ بواكير ميلاد التعليم في السودان،ونجد ان الدهشة قد إجتاحت مخيلة الكثيرين عندما ضربت الأوساط الإعلامية نواقيسها في الاسبوع المنصرم معلنة عبور أحد عشر طالبا سودانيا للحدود التركية متجهين لسوريا بغرض مبايعة أبوبكر البغدادي الذي يمثل الأب الروحي لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)وذُكر سلفا أن الطلاب المذكورين يدرسون بكلية العلوم الطبية المعروفة بمسماها الأخر كلية مامون حميدة وهذا الكائن يتربع حاليا كوزير للصحة بولاية الخرطوم،مع العلم بأن الطالبات والطلاب جلهم في المستوي الخامس والسادس في كليات الطب المختلفة. لحين كتابة هذه السطور مازلتُ أشعر بالغثيان والغيظ ونسبة عالية من الإستفزاز علي الذي جري!وأتساءل مرارا وتكرار عن كيفية الحادثة ،تداعياتها،دوافعها،ملفاتها السرية،منعطفاتها الايدولوجية،مكامنها العقائدية،محتوياتها السياسية وخلفياتها البرامجية!لا شك إن هذه الأسئلة ما زالت تدور في عقول الملايين من البشر خصوصا أسر الطلاب المكلومين والموجوعين لحد يفوق التصور،مع علمي بان هنالك ملايين القلوب تنبض بذات الوجع من قريبٍ وبعيد. وعندما نغوص في مقاربة تحليلية عميقه عن الغرض الأساسي إزاء موسم الهجرة المستمرة لداعش خصوصا من قبل الأطباء والطبيبات ،وإنني لا أشك أبدا في هويتهم الإنسانية من حيث المبدأ العملي والمهني في خدمة المواطنيين أينما ما كانوا،عدا المناطق المشبوهه التي تهضم فيها حقوق الإنسان عنوةً وعن قصد من قبل الجبابرة الضلله مصاصي الدماء أعداء الإنسان والإنسانية. فإن كان مقصد أؤلئك الطلاب معالجة المرضي ومساعدة الجرحي فالعقل والمنطق يقولان أن أولوية القوافل الطبية يجب أن تُسير للقري والمناطق النائية في هوامش السودان المختلفة،فهنالك كم هائل من المرضي يحتاجون للمساعدات الطبية بشكل عاجل ومعروف أن عدد مقدر من المدن والقري لاتوجد فيها مستشفيات مكتملة وبعضها معدمه تماما من أي شكل من أشكال الوحدات الطبية المصغرة،إذن طالما هنالك طلبة في السودان يدرسون في كليات الطب في ظل الواقع الصحي المزري في البلاد فإن الواجب الوطني يُملي عليهم تكريس جهودهم الثرة وكافة إمكانياتهم العلمية في خدمة إنسان السودان في المقام الأول ثم الأخرين،والمثل يقول (الزاد كان ما كفي ناس البيت يُحرم علي الجيران)ومن هذا المنطلق لايجوز بتاتا تسير قافله طبية لسوريا والعراق أو حتي فلسطين طالما لم يزل إنسان السودان يموت بأتفه الأمراض نتيجة لقلة المناعة وغياب أدني المقومات الطبية. في تقديري أن المبررات الإنسانية لطلاب العلوم الطبية فيما يخص تجاوز مهنتهم للحدود القطرية في هذا الظرف تحديدا ليست منطقية،كما أن مبدأ مساعدة المجاهدين أينما وجدوا لأنهم يرفعون رايات الإسلام عالية خفاقة أيضا عارية من الصحة،بالإضافة الي مبدأ ممارسة الخدعة بقافلة طبية لتركيا ومن ثم إدراجهم عنوةً في تنظيم داعش يُعد أمرا مستبعدا من حيث المنطق إذا صدقت أسر الطلاب مثل تلك المبررات الجوفاء!وبما أن الحقيقة مره والجهر به آمر أكثر ولكن لابد منها ،لأن عملية غسيل الأدمغة التي جرت للطلاب لم تأتي من فراغ!وكذلك وضعية سفرهم المقنن التي تمت بكل سهولة فيما يخص إجراءتهم السفرية ودخولهم في مطارات أجنبية والخروج منها بسلامه كاملة ليست قانونا جديدا للإختطاف!إذن كل المؤشرات تؤكد تأكيدا لا ضبابة فيه بأن هنالك خلايا تنظيمية داعشية تمارس عملها نهار جهارا في الأوساط الطلابية بعلم السلطات،بالإضافة الي إرتفاع نسبة نشاطها في الجامعات والكليات الخاصة التي تنعدم فيها المناشط الطلابية والمنابر السياسية التي تبث الوعي في عقول الطلاب،وتفكك طلاسمهم الأيدولوجية الموروثه من الأنظمه الإستبدادية وجماعات الهوس الديني المتشددة الرعناء،فطالما فُقدت البيئات التوعوية أو غُيبت عن قصد في ظل وجود منهج تعليمي مشوه مصبوغ بالأيدولوجيات التي تسعي لإغلاق العقل وتعتيمه بدل تنويره وتخصيبه بالمفاهيم العلمية الحقيقية التي تقود الفرد لفضاءات فكرية مليئة بالشساعة المعرفية التي تُفجر الإبتكارات والإبداعات في كافة دروب العلم،إلا ان العكس هو الصحيح دائما في السودان في كافة مناحي الحياة حيث لايعقل في هذا العصر الحديث المزدهر بالتكنولوجيا ونظم المعلومات المنتشرة بصورة لا محدودة في أي زمان ومكان،أن تأتي قلة من مهاويس الأديان لدور العلم وسفوحها ويجدون فرصةً لبث سمومهم في الطلاب،والأدهي والآمر هو إنجراف بعض الطلاب ناحية هذه التيارات الضلالية وهذا الموضوع لايحتمل السُكات أكثر من هذا،ولتعلموا أيها الأباء والأمهات الكريمات إن مضي المسار علي هذا النحو دون حسم الآمر سوف تسمعون غدٍ أو بعد غدٍ عن رحلات جهادية لطلاب المدارس الثانوية لسوريا والعراق واليمن وغيرها،وعلي هذا النهج سوف تستمر الجماعات الحكومية في عربدتها بفلذات الأكباد دون أدني ريبة لذا لابد من فعلٍ يوازي المرحلة ويعيد للأيام دورتها تجاه الشمس وتحيي أرض السودان البتول،وهذا الفعل هو ثورةٌ شعبية كبري تقتلع النظام الفاسد من جذورة وحينها فقط سوف ينعم الجميع بوطن حدادي مدادي يسع الجميع ،ورسالتي الأخيرة لاولياء الأمور هي الجفلن خلهن وأقرعوا الواقفات. بقلم/صالح مهاجر خلف الستار [email protected]