بسم الله الرحمن الرحيم علي بعد أمتار من تقاطع شارع القصر مع معمل إستاك وبجانب رصيف كلية الطب جامعة الخرطوم تقبع سيدة مجنونة تحت سور الجامعة ، جنون المرأة ليس فيه نوع من الغرابة لأن الظروف الاقتصادية السيئة والوضع السياسي الراهن والابتلاءات والمحن جعلت احتمالات الجنون أقرب من سواها لدي المواطنين . ولكن الغريب في الأمر ، هو أن هذه المرأة تقوم بتقييد (اثنين) من أطفالها بقيود حديدية تضعها علي قدميهما النحيلتين ، ومابين ربطهما علي السور الخارجي أو إحدي الأشجار أو ربطهما مع بعض يظل الطفلان طيلة النهار رهيني محبسهما . الطفلان يتراوح عمراهما بين الخامسة والسادسة ، ويظلان يلهوان بمقتنياتهما الثمينة من الحجارة وأكياس النايلون الفارغة ، يفترشان ورق كرتون عريض هو بمثابة (الأسرة) (بتشديد السين)لهما ينامان عليه ، ويقفزان من فوقه بجانبهما خرقة قديمة لايظهر من معالمها شئ ولكن من حجمها يتضح أنها ملاءة قديمة ، واضح أنها لم تغسل منذ ثلاث سنوات علي الأقل ، وبجانب كل هذا قوارير بلاستيك فارغة قذف بها بعض مستخدمي الطريق في العاصمة الحضارية علي الرصيف ،فاستمتع بها الطفلان وهما ينفخان فيها ليسمعا رجع الصدي، وقد يكون الصراخ داخل القوارير هو لعبتهما المفضلة فهما لايعرفان تلفازا" ولامدينة ملاه ولا ألعاب إلكترونية أو حتي ألعاب بلاستيك. الأسبوع الماضي كنت أمر بالمنطقة وكانت أمهما بعيده عنهما نوعا ما وكان الطفلان منهمكين في غسل إناء صدئ قديم به مابه من الثقوب ، واضح أنه غنيمة من مكب النفايات ، وكانا يغسلانه احتفاء" بأكل جاءت تحمله لهما أمهما المجنونة، وما إن وقع نظرها علي وأنا بقربهما حتي جن جنونها وأسرعت نحوي وكادت تفتك بي . أمهما لا تسمح بالاقتراب منهما ويظلان حبيسي قيودهما طيلة النهار ، سألت بعض مرتادي ذلك المكان ففهمت منهم أنها تخشي عليهما من الطريق وتخاف أن تدهسهما سيارة مسرعة أو يضيعا منها في صخب المدينة، وهي ورغم جنونها إلا أنها تحرص علي إطعامهما وربما تعود بأكل من أحد جرادل القمامة في الكافتريات أو صدقات المارة أو بقايا ساندوتشات الطلاب والمرضي الذين تعج بهم تلك المنطقة. إن هذه السيدة تجلس في شارع القصر علي بعد كيلو مترات قليلة من القصر الجمهوري القديم والقصر الجديد ، وايضا علي بعد كيلو مترات من المجلس القومي لرعاية الطفولة ومن وزارة الرعاية الاجتماعية ، فحتي متي يظل المسؤولون في سباتهم العميق ؟ وحتي متي يستيقظون وقد لبثوا في نومتهم سنين عددا ؟ . حتي متي تنعم وزيرة الرعاية الاجتماعية بهواء الإسبلت المنعش في مكتبها الوثير وتترك هؤلاء الاطفال وغيرهم الكثير يتوسدون أوجاعهم ويستظلون بورق الكرتون لتغطية عورة المجتمع. وحتي متي تعبر جموع الوزراء علي شارع القصر تسبقها السارينات دون ان يرمش لهم طرف أو تحين منهم التفاتة إلي تحت (الشجرة) ؟. حتي متي تعول أم مجنونة أطفالها وتكون أكثر حرصا" علي سلامتهم رغم عقلها الغائب ، في حين أن الحكومة الواعية تظل رهينة سياسات (معتوهة) وقرارات (مخبولة ) وورش عمل أكثر (جنونا)؟ . السيدة وزيرة الرعاية الاجتماعية ، رجاء" تكرمي بزيارة هذين الطفلين وتذكري قول الله تعالي في محكم تنزيله ( وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) صدق الله العظيم الآية (10) سورة المنافقون. *نقلا عن السوداني