أول مشكلة في استعصاء حل شح المياه بالخرطوم هو العقلية السائدة في إدارة الأزمة التي لا تعترف بوجود أزمة مياه. كثيراً ما يخرج مسؤولو هيئة المياه عبر أجهزة الإعلام وينفون أزمة مياه في الأحياء برغم أنك ترى بأم عينك خروج مواطنين في مظاهرات احتجاجية وتشاهد أيضاً عربات الكارو محملة ببراميل المياه؛ تجوب الشوارع إن لم تكن أنت نفسك ضمن المجموعة المحتجة أو المشترية من الكارو. عدد من أحياء ولاية الخرطوم بدأت أول يوم في رمضان تبحث عن المياه بسبب الانقطاع التام أو الجزئي عن منازلهم وهي مشكلة استعصى حلها برغم تغيير المدراء العامين للهيئة أكثر من مرة خلال الفترة الماضية.. مما يعني أن المشكلة ليست إدارة فحسب وإنما إنتاج المياه نفسه وزيادة الاستهلاك لولاية الخرطوم التي تستقبل المهاجرين من الولايات الأخرى بشكل منتظم وهي أيضاً مشكلة خطوط عفا عليها الزمن ولم تتمكن الحكومة من تجديدها. برغم معاناة الناس الحكومة ترفض الاعتراف بالمشاكل ولا تتعامل بمصداقية وتوضح الأسباب الحقيقية بغض النظر عن أنها مقنعة أم لا لأن الشفافية تسهل أي حلول للأزمة بمنتهى الهدوء.. هيئة مياه ولاية الخرطوم تبدأ دفاعاتها بتصويب السهام نحو نبات الدمس المسكين الذي أصبح شماعة لتعليق إخفاقات مياه الشرب في ولاية الخرطوم. عندما استفحلت الشكوى من شح المياه وما نتلقاه من شكاوى المواطنين في معظم الأحياء؛ ظللنا في صحيفة "التغيير" نرصد هذه المشاكل وننشرها يومياً على صفحتي "هموم الناس" كنوع من التبليغ بالمشكلة.. حضر الينا مسؤول الإعلام بالهيئة معاتباً كأننا نقصد أن نبرز المشاكل وأبلغنا رغبة المدير لمقابلة مندوب الصحيفة.. ولأن المشكلة أصبحت كبيرة جداً ذهبت مع المحررة مزدلفة وأدرنا حواراً مع المدير العام.. خرجنا منه ونحن على قناعة بوجود شح في المياه يقدر بنسبة 30% مقابل الاستهلاك وهي نسبة كبيرة ويمكن أن تحدث أزمة مياه وأيضاً توجد صيانات تعطل الضخ وعدد من الأسباب نشرناها الأسابيع الماضية. لكن رغم ذلك فإن المدير يصر بعدم وجود مشكلة في المياه وأن كل الأحياء تتمتع بضخ وانسياب دون انقطاع.. لكنه شن هجوماً على نبات الدمس وأعلن الحرب عليه كون أنه يدخل المواسير الرئيسية ويعطل ضخ المياه في معظم حالات انقطاع المياه. من متابعاتي لبعض الأحياء التي تعاني مشكلة فإن عدداً من مسؤولي المياه بالمحليات يرفعون تقارير غير صحيحة لرئاسة الهيئة وهم يؤكدون أن الأمور تمام، لكنهم في الواقع لا يرفعون سماعة هاتف البلاغات بل يتجاهلون حتى البلاغات التي تصلهم في مكاتبهم. نصيحة لمدير هيئة مياه ولاية الخرطوم.. اخرج من مكتبك واذهب في جولات ميدانية مفاجئة إلى الأحياء وإلى محطات المياه دون أن تبلغ المحليات أو موظفيك خصوصاً مكتب الإعلام، فإنك سترى الحقيقة بلا رتوش. التغيير