سنظل نحلم بيوم تخرج فيه تظاهرة سلمية يمارس فيها المحتجون أو المتظاهرون حقهم في طرح مطالبهم المحددة بشكل حضاري منضبط وتلتزم فيه قوات الشرطة بعدم استخدام العنف لتفرقة المتظاهرين. مظاهرة سودانية تنتهي بسلام.. هل هذا مستحيل..؟ وأين ستكون المشكلة ومن الذي سيبدأ باستخدام العنف، الشرطة أم المتظاهرون والمحتجون؟ وفي ظل وجود ظروف ومشاكل مستمرة وأزمات متفاقمة في خدمات المياه والكهرباء والمواصلات وغيرها من الأسباب التي تدفع المواطنين للتعبير عن احتجاجهم وغضبهم فإن المطلوب هو توفر درجة عالية من الوعي والحكمة عند الحكومة والسلطات النظامية التي يجب أن تتمتع بروح وقدرة على استيعاب وتقدير موقف هؤلاء المحتجين ودواعي احتجاجهم، لتتعامل مع تلك الاحتجاجات بأسلوب حضاري يعكس إحساس وإقرار الحكومة بتقصيرها في تقديم هذه الخدمات ويعكس تحملها لمسؤوليتها بشكل جاد. لماذا بعد كل تظاهرة احتجاجية مطلبية في السودان تحدثنا الأخبار عن سقوط مصابين وجرحى وربما موت بعض المحتجين أو المارة أو رجال الشرطة.. حين تخرج تظاهرة تحتج بها مجموعة من المواطنين على غياب خدمات محددة - انقطاع مياه - كهرباء أو غيرها من الأسباب الاحتجاجية المطلبية غير السياسية، فإن هذا الأمر يجب أن يكون متوقعاً ومفهوماً بالنسبة للحكومة التي عليها التعامل مع هذا السلوك في حدوده ومستواه بتقدير لأسباب خروج هؤلاء وتجمعهم وتظاهرهم.. لأن التعامل غير الحكيم لا يدفع المواطن المتضرر وحده ثمنه بل تدفع الحكومة ثمنه سياسياً وحقوقياً وقد يتسبب تصرف فردي أو اجتهاد من شخص أو أشخاص في مواقع مسؤولية يتسبب في تنشيط وتبرير أجندات تضر بالبلاد وبالحكومة التي تتحمل مسؤوليتها مضطرة وتتبنى مثل هذا السلوك دون توفر قناعة كافية به وبأنه كان هو الخيار الوحيد أمام صاحب هذا السلوك.. وبالمقابل ابتدار المتظاهرين للفوضى والعنف وتجاوز سياق السلمية ومحاولة توظيف القضية المطلبية لخدمة أجندة سياسية يعني إضرارا كاملا بسمعة التظاهرة وتصنيفها مع تضييع فوري لقضيتهم الأساسية حين تتحول تلك التظاهرة السلمية المطلبية المحددة إلى تجمع تخريبي وفوضوي يقطع الطريق ويحرق ويعتدي على ممتلكات الغير. تظاهروا بسلمية كي تصادروا مبررات العنف الرسمي في مواجهة تظاهراتكم المسببة والمحددة والعادلة المطالب. نقول هذا مع تمنياتنا بعاجل الشفاء للمصابات في تجمع نسائي بسبب انقطاع امدادات المياه في منطقة الفتيحاب أثناء فض الشرطة لاحتجاجاتهن بعد أن قطعن طريق المواصلات. شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين. اليوم التالي