دولة جنوب السودان البائسة الحال والمآل ..هي بالضبط كالملود ناقص النمو الذي أودع حضانة الخُدّج بعد أن خرج بعملية قيصرية من رحم أم مريضة هي الآخرى ترقد في غرفة الإنعاش الطويل وفي صدرها بقايا من حليبٍ فاسد لا يصلح لتغذية ذلك الجنين إذا ما أعيد الى صدرها ..ما لم تتعافى من علتها التي كانت سبباً في خروج ذلك الجنين بتلك الطريقة المأساوية ! فاتفاقية نيفاشا التي أعطت الجنوبيين حق تقرير المصير هي دون شك صفقة مشبوهة رعاها من صور لأهل الجنوب بأن المن والسلوى سيهطلان من سماء الإستفتاء التي تلبدت فيها سحب الأحلام الصيفية .. مثلما تراقصت سرابات الوهم في طريق الإنقاذ الشائك بأن الخلاص من مقطورة الجنوب هو ما سيخفف على ماكينة النظام المسخنة بقلة الزيت جر بقية السودان رغم ضعف الإطارات وطيش القيادة واشتعال بعض أجزاء الشاحنة ! ذهب جون قرنق و دُفنت معه رؤاه في تشكيل سودان جديد لوحت له أياد الخمسة ملايين التي خرجت لإستقباله في ذات الساحة الخضراء ولطالما استعرضت فيها جحافل مجاهدي الهوس الإنقاذي الذين ذهبوا في مرحلة ما لإحضار رأسه في مخلاية المشروع الذي ارتجف من ذلك المشهد المهول الذي تحول فيه الرجل من متمرد مطلوب الى رمز غير مرغوب لدى النظام المتأسلم .. فدبرت مكيدة الخلاص منه في الليل الماطر بدموع الفجيعة .! وجلس شريكه الثعلب الماكر على تلة أسرار بقية البنود التي بخل بها على جنرال النظام وشيخه إذ لم يكن يثق في أي منهما وهو ما أكدته ملامح بقية أيامه التي يقضيها شامتاً وساخرا ًمن الجميع وهو يجلس القرفصاء في مزرعته الطرفية ! الآن الكل يحرث في بحر الفوضى التي تحكم الجنوب وتغرق أطراف مركب دولته المتأكلة وقد فقدت القائد صاحب الكاريزما التي أرعبت الغريب والقريب معاً ..والصورة مهما تجلى من يحاول مقاربتها من الأصل لن تصبح أصلا البتة ! لا سلفا سيكون جون قرنق ولا مشار سيصبح باقان .. ولن يفيد دخول تعبان في هذه المرحلة ... لان الكل .. ( تعبان ساكت ) وأكثر التعبانين هو شعب الجنوب المغلوب .. الذي كما يقول المثل قد هرب من رمضاء كيزان الشمال الألداء ليجد في أول خطوات الهروب نيران أخوان الجنوب الأعداء تنتظره وهو حافي القدمين .. ! فاصبح محاصراً في غابات الندم والجوع والخوف وغير قادر في ذات الوقت على الرجوع الى محطات الألم القديم إلا لاجئاً متعباً يستجدي الإحسان بعد أن كان نازحاً في سالف الزمان.. ! كان الله في عونه وعون أخيه في الشمال الذي لايختلف عنه لا في مساحة الجرح الغائر ولا غياب الطبيب المداوي لمرضه المتجدد هو الآخر ! [email protected]