يظل الحوار هو الأمل المرتجي لإخراج البلاد من أزماتها المتلاحقة فقد بلغ السيل الزبي!! ولم يبقي خيار سوي الحوار والحوار الجاد ، فكل أهل هذه البلاد من أحزابها ومجتمعها المدني وحركاتها المسلحة ومواطنيها قد أدركوا أن لا خيار سوي الخيار السلمي فمنذ بروز فجر الحوار والذي أطلقه رئيس البلاد منذ ما يزيد علي عامين تعلق الجميع بهذا الأمل ... ولكن بطبيعة الحال فإن تقاطعات السياسة وتضارب المصالح حالت دون أن يسير الحوار سيراً سريعاً ...مع أن مشاكل البلاد لا تحتمل التأخير فأي تأخير يكون خصماً علي حلحلة المشاكل والتي بعضها آخذ برقاب بعض ... وإن كان الجميع يتحمل قدراً من المسئولية في هذا التأخير إلا أن العبء الأكبر يتحمله الحزب الحاكم ... ظل هذا الحزب ومنذ انطلاق الحوار يقدم رجلاً ويؤخر أخري ويناور ويماطل لكسب الوقت والغريب في الأمر أن هذا التأخير لم يقابله تحسن في أوضاع البلاد في كل النواحي بل تفاقمت المشاكل بصورة تكاد تؤدي بإنهيار البلاد ولكن قادة المؤتمر الوطني يرون ما لا نراه نحن غالب السودان .... رغم هذا التأخر المقصود ظل المتحاورون يصبرون ويحاولون إزاحة العراقيل عن طريق الحوار و أخيرا توج هذا الصبر بالمؤتمر الجامع للحوار وعملت اللجان بجد وإجتهاد خلال ثلاثة أشهر وأخرجت توصيات في مجملها مجمع عليها !! وكان المأمول أن تعرض تلك التوصيات للجمعية العمومية لإجادتها ومن ثم الشروع في أنفاذ التوصيات عبر هياكل الحكم الذي يتفق عليها ولأسباب غير معلومة ولمبررات واهية ظلت التوصيات ترقد في أضابير الأمين العام المنوط به حفظها لحين تسليمها للمؤتمر العام ... هذه التوصيات لم تسلم من تدخلات الأيادي المعروفة التي تدير الأمور في البلاد من وراء الكواليس ... هذه الأيادي عبثت بتوصيات لجنة الحريات فأعملت فيها مبضعها البائس قطعاً وإزالة مما إضطر عدد من أعضاء لجنة الحريات إلي تسريب أخبار تزوير توصيات هذه اللجنة فتلجلج القوم واختلط الحابل بالنابل وجرت محاولات بعضها ثنائية للملمة هذه الفضيحة وإزالة ما علقت بالتوصيات من عبث ... وبعد مرور ثلاثة أشهر وأكثر لم تصل الأطراف إلي أي معالجة لهذه المشكلة ... وقد تطاول أمد الجمعية العمومية فبدأ الياس يتسرب الي قلوب الجماهير بأن الحوار قد إنتهي لا سيما بعد وفاة الشيخ حسن الترابي وقد إكتشف الناس أن وجوده كان هو الدافع الأقوي لإستمرار الحوار وبوفاته نعي الكثيرون الحوار .... الحزب الحاكم سكت وصمت ولم يحرك ساكنا يحسب أنه المستفيد الأول من أي تأخير فقد أدمن هؤلاء المماطلة والتسويف فتطبعوا عليها وبضغوط من قوي سياسية حريصة علي الحوار ومدركة لمآلات الأمور في حالة فشل الحوار أقدم الحزب الحاكم مرغماً علي تحديد اليوم السادس من أغسطس موعداً للجمعية العمومية حيث تعرض التوصيات لإجازتها بصورتها النهائية , وحتى بعد تحديد موعد الإجتماع ظل المتحاورون يتبادلون الجدال في حقيقة هذا الإجتماع والأجندة التي يتناولها الإجتماع جدال لا طائل فيه سوي إضاعة وقت البلاد ، والإجتماع ينعقد وما زال هنالك قضايا عالقة لم تحسم بعد وهي ليست قضايا ثانوية بل أساسية لإرساء نظام جديد يستوعب الجميع تحت برنامج سياسي وإقتصادي وإجتماعي وأجب التنقيذ خلال الفترة الإنتقالية وفي خطوة تراجعية تلقي بظلال من الشك تحول الاجتماع إلي كرنفال خطابي لا معني له مع تأجيل إجتماع الجمعية العمومية إلي اكتوبر القادم والسؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع المتحاورون تجاوز الخلافات التي حالت دون تقديم التوصيات لهذا الإجتماع ؟! فخلال الفترة السابقة ومنذ إنتهاء اللجان من أعمالها لم يصل الفرقاء إلي تسوية ملف الحريات، هذا الملف ربما يتسبب في أفشال الحوار نفسه وفي ذلك خسارة للجميع ولكن أول الخاسرين وأكبرهم هو الرئيس علي المستوي الشخصي بإعتبار أن الرئيس اكتسب إحترام وتقدير المجتمع الإقليمي الدولى بعد طرحه للحوار الوطني وساعده ذلك في مواجهة المحكمة الجنائية الدولية والحصار الظالم عليه شخصياً وما تكريمه من المجتمع المدني الأفريقي أخيراً إلا إنعكاس لإحترام القادة الأفارقة لشخصه ومجهوده في حلحلة مشاكل البلاد ومشاكل بعض دول الجوار فبفشل الحوار سوف يتراجع هذا التقدير والإحترام حتماً ، أما علي مستوي نظامه فإن الكيد العالمي سوف يزداد ويتفاقم الحصار ويقل المؤيدين للنظام خارجياً والنتيجة الحتمية أن يواجه الرئيس التغيير علي طريقة بعض دول الجوار ليبيا ومصر أواليمن ولا أحسب أن الرئيس يميل إلي تلك الخيارات والأفضل له شخصياً وللبلاد أن يكون التغيير سلسلا وعبره شخصيا حتى يكون قائداً يذكره التاريخ والناس بخير الأمر بيد الرئيس شخصياً فلينظر أين مقعده من التاريخ والعاقل من إتعظ بغيره . بارود صندل رجب المحامي [email protected]