أجد تشابهاً كبيراً بين ما صدر عن لجنة علماء السلطان من تصريحات (مخزية) طالبوا فيها الشعب بأن يتوب ويكف عن المعاصي لكي تنصلح أحواله الاقتصادية، وبين ما سطره يراع الكاتبة داليا الياس قبل أيام حول وقوع ( الكثيرات) من بنات جنسها السودانيات في بحور الرذيلة حسبما أوردت. والرابط هو أن كليهما، علماء السلطان وداليا الياس غضوا الطرف عن جوهر الموضوع وطفقوا يحدثون الناس بطريقة ( المسطحين) وأسلوب ( الخائفين). ولو كانوا ( علماء السلطان) وداليا يملكون الشجاعة الكافية لمناقشة ما أرادوا تناوله بعمق ووضوح لحدثونا عن الأسباب الحقيقية وراء التدهور الاقتصادي الذي عانته البلاد مؤخراً وعن ما دفع ( بعض) بناتنا للوقوع كضحايا في براثن الرذيلة ولأشاروا لمن هيأ لهن ولغيرهن أسباب ذلك. لكن آثر علماء السلطان الهروب من أصل المشكلة وسببها الرئيس ولم يجدوا ( شماعة) يعقلون عليها الأخطاء الفادحة سوى هذا الشعب المسكين الذي تكاثرت عليه السهام من كل صوب حتى لم تبق في جسده موقعاً بلا جرح غائر. وأما داليا الياس فقد حاولت أن ( تتحرفن) وتجد لها شماعة أكثر تحديداً بدلاً من فضاء الشعب الواسع، فلم تجد سوى الطبقات الثرية وبعض أبناء المغتربين. وغض النظر عن التعميم أو التحديد فإن التناول العميق لمشكلة الفساد الأخلاقي الذي لا ننكر وجوده كان يتطلب من الكاتبة مواجهة من تسببوا في ذلك بشكل مباشر. كان على داليا أن تتساءل: لماذا تغيرت أحوالنا كثيراً خلال العشرين سنة الأخيرة! وأين كنا قبل ذلك! ولماذا تزايدت الأبواق بهذا الشكل الكثيف في الصحف حتى أوشك عدد من يسبحون بحمد السلطة مهما فعلت أن يضاهي عدد القراء! ومن هم أبناء الطبقة الثرية الذين ترى أنهم ساهموا في فساد البنات الأخلاقي! هل يوجد أثرياء في سودان اليوم غير أهل السلطة وأولادهم وبعض ( النفعيين)! فلماذا تحاولين الاختباء وراء ستار أشبه بالغربال أثناء سعيك للظهور بمظهر الكاتبة المصادمة وفي ذات الوقت تترهبين المواجهة! هل هي دواعي أكل العيش! إن كان الوضع كذلك فليس هناك بين قرائك من يجبرك على تناول مثل هذه المواضيع الساخنة، ويكفي أن تكتبي عن الطرب أو حتى ( الكورة) على أن تعمدي إلى تسخين العمود بمهاترة مشجعي أحد الفريقين الكبيرين والتظاهر بحماية مكتسبات الآخر وستجدين التجاوب من ( البعض) ليستمر ( الرزق) من أي صحيفة تعملين بها. الأثرياء الذين ساهموا بقدر كبير في افساد حياة أهل السودان هم أبناء النافذين. ولعلك تابعتِ مثل غيرك أخبار التدخل المخجل لوزيرة الدولة بوزارة العدل في عمل الأجهزة المنوط بها فرض النظام وتحقيق العدالة وتخليصها لفلذة كبدها من شرطة بحري بعد القبض عليه بتهمة حيازة المخدرات. هذه واحدة من حالات فساد وغطرسة أبناء النافذين التي لا تكفيها مساحة مقال واحد. ولا شك أنك اطلعتِ على توجه وزير العدل بذات نفسه إلى أحد أقسام الشرطة بغرض اطلاق سراح مدير الهيئة القومية للتلفزيون الذي قُبض عليه بتهمة فساد. الأمثلة تطول لهذا سأكتفي بما أوردته عاليه. أما أولاد المغتربين المُفترى عليهم دوماً فإن أتى ( بعضهم) بسلوكيات غير مقبولة فهم ضحايا أيضاً لأنظمة مستبدة شردت عائلاتهم وفرضت عليهم العيش في المنافي، ولو أنني أرى أن أبناء المغتربين أكثر براءة من أن يفسدوا حياة وأخلاق بنات السودان. عموماً ما كنت أتوقع أن تتلاقى أفكار كاتبة صحفية عرفها الناس مع أفكار بعض علماء السلطان الذين خيبوا ظن الشعب فيهم للمرة المليون. فأهم أسباب تردينا الاقتصادي هي السياسات المُدمرة التي انتهجتها الحكومة على مدى أكثر من عقدين، علاوة على قضايا الفساد التي خبرها القاصي والداني، إلا هؤلاء المتزلفين المنافقين. فالتوبة يفترض أن تُطلب من القائمين على أمر البلد، لا من أفراد الشعب العاديين. ولم نسمع طوال حياتنا بتدهور اقتصادي يكون المسئول عنه البسطاء من أبناء الشعب. فحتى إن سلمنا بأن الشعب (كافر) و(كسول) فلابد أن هناك جهة تدفعه لذلك. فمن تكون هذه الجهة غير الحكومات بالله عليكم! ودونكم يا علماء الإفك والضلال حادثة السرقة التي تعرض لها محافظ بنك السودان السابق. لقد سُرقت من منزل صابر آلاف الدولارات واليوروهات. ولو كنتم علماء بحق لطرحتم على أنفسكم عدداً من الأسئلة. أول هذه الأسئلة: من أين أتى المحافظ السابق للبنك المركزي بكل هذه الأموال؟! وكيف يحتفظ رجل يفترض أنه أحد رموز وخبراء الاقتصاد في البلد بعملات صعبة بهذا الحجم في منزله؟! أليس طبيعياً أن تتردى أحوالنا طالما أن القائمين على أمر الاقتصاد في البلد يحملون مثل هذه العقلية. حتى إن كسب المحافظ السابق للبنك المركزي تلك الأموال بعرق جبينه ( وهو أمر مستبعد تماماً) فمجرد احتفاظه بها في بيته أكبر دليل على أن ولاة الأمر هم المتسبب الأول في كل الكوارث التي تعيشها البلد، وأنتم ما زلتم تتحدثون عن توبة الشعب ورجوعه للمولى عز وجل مع أن شعبنا عرف طريق الخالق علا شأنه قبل أن يطوف بخياله أنه سوف يأتي يوم تصبحون فيه أنتم علمائه. أين أنتم من كل قضايا الفساد! أين أنتم من اعترافات أهل السلطة على أنفسهم بين الفينة والأخرى. بالأمس القريب شن رئيس البرلمان البروف ( المتعلم) ابراهيم أحمد عمر هجوماً على النظام التعليمي في البلاد رغم أنه أحد أهم قادة ثورة التعليم ( المفترضة). ونذكركم أيضاً بأنه باتت هناك شرطة لتأمين الجامعات تبدأ صلاحياتها ب ( النهرة) وتنتهي ب ( الطلقة)! السلطة تدمر التعليم والصحة وهما من أهم أعمدة تطور الشعوب وأنتم تلقون باللوم على الضحية! اتقوا الله وتذكروا ذلك اليوم المشهود الذي لن تجدوا فيه ظلاً تستظلون به إلا ظله. يومها لن ينفعكم لا رئيس ولا وزير ولا خفير. وسيكون عذابكم أشد وأقسى لأنكم تجارتم بالدين وقسوتم على أبناء شعبكم من أجل حفنة أموال لا تغني ولا تسمن من جوع. [email protected]