ترامب هو الأقرب لمقعد الرئاسة، ليس لأن هيلاري كيلينتون مريضة وسيئة الحظ فقط، لكن لأننا نحن لا نحب ترامب ولا يعجبنا خطابه العنصري، وبالمقابل فإن هذا الخطاب يعجب أهل الشأن.. الناخب الأمريكي نفسه ويستطيع ترامب بهذا الخطاب أن يستثمر في عصبية الأمريكيين وانتمائهم لوطنهم وقلقهم من فقدانهم ذلك التميز وتلك العظمة التي ظلوا يشعرون بها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية . التعصب إذن هو الكرت الرابح، أما مثاليات أوباما وإهماله للهجرة غير الشرعية وللمهاجرين الذين يزاحمون الأمريكان وينتهكون حقوقهم في الأمن والاستقرار فكانت سياسات ومناهج نظرية لا تنافس الرغبات الحقيقية في طبيعة البشر ورغبتهم في التمتع بخصوصية العيش في وطنهم وتلك العواطف الأخرى وعصبية الانتماء والعنصر التي لا ينكرها أحد حتى ولو كانت تلك العصبية في مجتمع متقدم حضارياً هي مخفية ومطلية بماء الرقي والحداثة لكنها تظل هي الرابح الأكبر في تحقيق الارتياح للمواطن الأمريكي. نتوقع فوز ترامب لأنه لا يحبنا.. وهذه حقيقة.. لكننا وبعد فوز ترامب سنسعى له وسيتقرب منه الساسة الحاكمون والمعارضون في شرقنا العربي لأنهم ببساطة أقل اعتزازاً حقيقياً بأنفسهم وبهويتهم الوطنية منه هو. نحتاج لو نتعلم من هذا الدرس المؤلم الذي سيلقننا له الأمريكيون بتقديم ترامب نتعلم شيئا واحدا فقط هو كيف نتعصب ليس لانتماءاتنا الصغيرة بل لانتمائنا الوطني الكبير لقوميتنا لهويتنا العربية أو الأفريقية الإسلامية والتي هي العتبة الأولى الصحيحة في طريق تحقيق التميز والنصر.. نتعلم منهم أن لا نعادي أوطاننا ولا نحتقر أنفسنا ولا نتحول إلى أدوات لتحطيم أنفسنا أو نتوهم العثور على هوية بديلة لهويتنا وتحطيم أوطاننا نفسياً ومعنوياً فنبدو لهم بكل هذا القدر من الهوان.. يا ليتنا تعلمنا هذه الخبرة من حكاية ترامب مع الأمريكيين طالما أننا عجزنا عن تعلمها من تجربة مثل تجربة الصين، التي منحت نفسها الدرجة التي ترضيها من الاعتزاز والسمو بنفسها وتقييم نفسها بنفسها ولم تنتظر ذلك التقييم يأتيها من أوروبا ومن أمريكا فأصبحت نداً قوياً لهم.. أوباما حين اضطر للخروج بباب صغير من طائرته في اجتماع قمة العشرين بعد أن حرمته الصين من البساط الأحمر.. هاجت إحدى المسؤولات الأمريكيات المرافقات للرئيس الأمريكي في وجه مسؤول صيني وقالت: (هل نسيتم أن هذا هو الرئيس الأمريكي) فكان رد المسؤول الصيني عليها بكل برود بأن هذه هي بلدنا وهذا هو مطارنا نحن وليس أحد المطارات الأمريكية..! نحن العرب نحفظ ونردد دائماً من رائعة المتنبيء بيتاً واحداً: من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام وهي فكرة تحثنا على رفض الإذلال وعدم الرضى بالظلم لكن في بقية الأبيات المهملة في تلك القصيدة الرائعة وصفات للوقاية من مواقف الإذلال نفسها وروشتات تشرح كيف ومتى نكون قادرين على تحقيق أنفسنا ونكون في موقف القادر على عدم السماح بإذلاله: لَيسَ عَزماً ما مَرَّضَ المَرءُ فيهِ لَيسَ هَمّاً ما عاقَ عَنهُ الظَلامُ ضاقَ ذَرعاً بِأَن أَضيقَ بِهِ ذَرعاً زَماني وَاِستَكرَمَتني الكِرامُ لَو حَمى سَيِّداً مِنَ المَوتِ حامٍ لَحَماكَ الإِجلالُ وَالإِعظامُ شوكة كرامة لا تنازل عن حلايب وشلاتين اليوم التالي