مصطفى سيد احمد ....... عبد العزيز العميرى (الحلم المستحيل) بقلم الاستاذ ناجى احمد الصديق المحامى اثيرنا الراحل الديب عبد الهادى الصديق واحد من اللذين خضعت لهم الكلمة فقام بتوظيفها على وجه اكمل تجلى ذلك فى مقاربته النقدية الرائعة فى التوق الفنى بين قصديدة (النام المسحور) للجانى يوسف بشير وباليه (الجمال النائم) لتشاوسوفسكى ، ومن هنا تكونت لدينا قناعة راسخة بان ما جمع بين التجانى يوسف بشير وتشاوسوفسكى على بعد المسافات والاذمان يمكن ان يجمع بين كثيرين غيرهم ، لا سيما ان كان هذا الغير يجمع بينهم الزمان كما يجمع بينهم المكان ... فلماذا – اذن- لا نعقد المقاربة الحاضرة بين الفنان مصطفى سيد احمد والشاعر عبد العزيز العميرى ؟؟ بعد ان فتح علينا المرحوم عبد الهادى الصديق هذا الباب على مصراعيه . لا شك عندى ان شيئا قد جمع بين الفنان مصطفى سيد احمد والشاعر عبد العزيز العميرى ، وان ذلك الشىء لم يكن ليظهر الا بعد درس واستقصاء لانه كان خفيا ، وقابعا فى اكثر الاحيان تحت ركام الايدلوجيا والمطلب العصى لكلا الرجليين وحلمهما معا بحياة اكثر استقرارا على الوطن السودان ، مما شكل لديهما هدفا مشتركا وحلما مستحيلا ظلا يكدحان من اجل تحقيقه حتى زفيرهم الاخير اول ما يستوقفنا ونحن ننظر الى حياة عبد العزيز العميرى ومصطفى سيد احمد هو ذلك التشابه الغريب فى ظروف النشأة والتكوين ، اجتماعيا وفنيا على السواء (ولد مصطفى سيد احمد فى ودسلفاب جنوبالحصاحيصا عام 1953م وتلقى تعليمه الاولى بالقرية ثم كان احرز المرتبة الثانية بالمركز لينتقل للمرحلة الوسطى حيث اصر ان يلتحق بالمدارس الصناعية ... فى عام 1967م عاد من حفل زواج فى احدى القرى المجاورة وهو مشحون بلحن شعبى وكلمات محلية مطلعها ،، السمحة قالو مرحلة ،، .... انتقل الى الحصاحيصا ليعمل معلما ويبدأ فى احتراف الغناء منذ مطلع 1977م ثم ينتقل الى الخرطوم بمعهد تدريب المعلمين حيث نمت موهبته فى الرسم ) جريدة الصحافة 18يناير 2001م (الراحل المقيم عبد العزيز العكميرى ولد بمدينة الابيض عام 1954م وتلقى تعليمه الابتداى والاوسط فيها ومن ثم انتقل الى مدينة امدرمان حيث يعيش اهله فواصل دراسته الثانوية بمركز التدريب المهنى وبعد اكماله التحق بمصنع النسيج الا انه لم يعمل به طويلا لتمرد الفن الذى كان بداخله فاتجه الى مركز شباب امدرمان لمواصلة نشاطه) جريدة الوان 322002م ولد كلا الرجلين ونشءا خارج العاصمة وتشبعا بعبق الريف الطاغى بسهول الجزيرة ونجوع كردفان ، وكلاهما كانا من اواسط الناس وسوادهم الكادح ، وكلاهما قد بدأ التعليم فى قريته ، وكلاهما قد تمرد على الوظيفة والمهنة واتجه الى حيث يسوقه الميل الفطرى القديم . هذه اول خيوط القدر الذى نسجها حول الرجلين ، حيث امتد وشائجها بعد ذلك حتى بلغت مرحلة الاتصال النهائى فى ذلك( الحلم المستحيل) ، وحتى قادهم ذلك الحلم الى رهق ظلت ترزح تحت وطأته العنيفة كل خلايا حسدهما المتعب حضر المرحوم مصطفى سيد احمدالى الخرطوم ممسكا بطبشورة بيد واحلام فنية عريضة باليد الاخرى وما ان وطئت قدماه ارض الخرطوم حتى تفجر فنا من حيث لم يحتسب ، فضجت كل خلاياه تحت وطأة ذلك السيل العارم من الابداع ، وحتى اصبح ذلك الشخص الذى لم يكن يحمل فىذات يوم الا طبشورة وحلم ... اصبح هة نفسه طبشورة لكل متعلم وحلما لكل فنان ... اما الراحل عبد العزيز العميرى فقد اعتلى صهوة الفن الجميل فى غرب السودان ثم احكم لجامها هنا فى امدرمان ولكنه لم يكن يحسب ان عاصمة السودان هى اكثر ضيقا من ان تحتوى ذلك الجموح العارم ، وبمثل ما ضاق السودان كله عن ابداع الراحل عبد العزيز العميرى فقد ضاقت روحه بجسده الفتى ففاضت الى بارئها وهو فى قمة الاخذ والعطاء اذن فلكلا الرجلين استعدادا فطريا اصيلا اتعاطى الابداع .... بل كأن دواخلمهما معا قد اعدت منذ الاذل لاستقبال معينات ذلك الابداع .... فجاءا الى الدنيا بجسدين مختلفين ولكن بروح فنى واحد ... روح فنى متأهب للتلقى .. و متأهب ايضا للعطاء المتواصل بلا حدود هذا مس خفيف لحياة كلا الفنانيين فى بدايتها الاولى ، ولكن ما لنا لا نتعمق اكثر لنرى ماذا يجمع بين الرجليين غير تلك البداية... جاء فى جريدة الصحافة على لسان الاستاذ محمد طه القدال ما يلى (اول ما رأيته من بعيد وما كنت قد تعرفت عليه وما كنت رأيت مصطفى سيد احمد قبلها ولا تعرفت عليه ايضا ولكنى سمعت صوته وحتى لا ادرى لماذا كنت اظن ان ذلك الشاب ذا الشعر الاجعد الجميل دؤوب الحركة هو مصطفى سيد احمد) هكذا تحدث الاستاذ محمد طه القدال عن الفنان عبد العزيز العميرى ولعلنا نصاب بالدهشة ونحن نقرأ هذه الكلمات فى سياق بحثنا عما يجمع بين مصطفى سيد احمد وعبد العزيز العميرى ولعل تلك الدهشة ستنتهى بنا فى التفكير فى قوى ما وراء الطبيعة لان التفسير المنطقى سيقف عاجزا امام هذا الكم الكبير من المفرادات التى جمعت – دونما تدبير من احد – بين شخصين لا تربط بينهما الا علائق الانتماء لقبيلة الفن ، واذا كان الاستاذ محمد طه القدال لا يدرى لماذا كان يظن ان عبد العزيز العميرى هو مصطفى سيد احمد ، فنحن ايضا لا ندرىكيف اتفقت كل تلك المفردات فى الجمع بين مصطفى سيد احمد وعب العزيز العميرى ولا ندرى ايضا ان كان هنالك ثمة اشياء اخرى لم تقع تحت ايدينا جمعت بين الرجليين غير تلك التى ذكرناها وتلك التى يأتى الحديث عنها الآن يا بنت يا نيل ... العاشقك عاشق كل الفيك غنايك فى كل ظروفك فى الفرح البيكتب وعد وفال والحزن الودر ضى شوفك فى عيون القهرك فى خوفك .... فى النبض الطالع فى البركان الكان بيدندن فى جوفك يا بنت يا نيل ... تلك هى القضية التىآمن بها مصطفى سيد احمد وقام من اجلها يصرخ فى كل الوجود ويجوب كل الامكنة ويهدهد كل الاسماع ليصل الى حلم مستحيل كان يبزل لتحقيقه كل خلية من خلايا جسده العليل . يا بنت يا نيل .... هى الرمزية التى ابتدعها الراحل مصطفى سيد احمد ليعبر بها عن اشواقه الخبيئة نحو وطن جريح ومأزوم ، وحمل بتلك الرمزية احلام الملايين من بنى انسانيته (وغنى للحرية ولهموم الناس بتدافق دم عبد الرحيم مطرا) الصحافة 1812000م هذه هى العصارة الفنية لرحلة الفنان مصطفى سيد احمد وهذا هو المشروع الكبير الذى ظل يحلم به الى ان غيبه الموت .... فأين – يا ترى – التقى الراحل مصطفى سيد احمد بالفنان عبد العزيز العميرى ليضخ فى شرايينه ذلك المشروع الكبير ويبث بين جوانحه تلك اللهفة الى حلم مستحيل ظل الرجلان يكدحان من اجل تحقيقه حتى الموت لو اكون ذول ليه قيمة اسعد الناس بوجودى ذى نضارة غصن طيب ...كل يوم يخضر عودى لو اعيش كل عمرى بسمة ... او مع الايام سحابة اهطل ادى الدنيا نسمة ...اسقى وادى واروى غابة لو اعلم طفل واعد لسة ما عرف الكتابة ابقى شجرة ظليلة وارفة ... حولى ناس راقدين تعابة هكذا صدح الراحل عبد العزيز العميرى شعرا ثم غناءا ... كانت الفكرة لديه واضحة ... يتمظهر من خلالها معنى وجوده فى هذه الدنيا ومعنى تعاطيه للابداع ومعنى انسانيته التىحباه الله بها واى قيمة للانسان ان هو لم يعلم معنى وجوده ... واى معنى للحياة ان هو لم يعلم مدى قيمته .... عبد العزيز العميرى شعاع الضوء الشفيف وحزمة الحياة المائجة ظل يكدح فى صبر جسور طيلة حياته القصيرة تلك من اجل زمن افضل ... فقد كان يراهن على الزمن الآتى لانه كان يؤمن بجدلية الحياة التى لا تعرف التوقف اذن فان الراحل عبد العزيز العميرى قد انحاز منذ وقت مبكر الى جماهير الغلابة والكادحين وهو فى هذا يلتقى مع مصطفى سيد احمد فى حبهما الغريب للوطن ، ولا فرق –فيما نرى – بين لاقاءهما الحسى هنا بهمهما المشترك هذا ، ولقاءهما المعنوى هنالك فى مخيلة الاستاذ محمد طه القدال ... فقد تمالئت عليهم الاقدار منذ وقت طويل لتجعل منهما نهرين يلتقيان فى المنبع والمصب رغم التوازى الذى يسيران فيه شىء آخر ظلت مفرداته تتلاقى برغم شذوذ الفكرة وغرابتها حتى تكون خيطا او ما يشبه الخيط ربط كل من الراحلين حول تلك الفكرة الغريبة كتب الاستاذ عفيف اسماعيل بالصحافة ماذكره الراحل مصطفى سيد احمد عن (النهايات التى هى بدايات اخرى عن النشوذ والانبعاث وديمومة الكائن والاستمرارية .. عن الميثولوجيا الاغريقية وعن طائر الفينيق الذى يتوالد كمن الرماد كلما احترق ) الصحافة 2772000م . كان الاستاذ مصطفى سيد احمد يتحدث عن نفسه وعن خلوده فى قلوب معجبيه تمتاما كطائر الفينيق لا يعرف الموت المطلق ، ولعله يتفق فى هذا الحديث مع الاستاذ نجيب نور الدين حينما كتب عن الفنان عبد العزيز العميرى (وفراقه الابدى فى 1471989م وما ذالت الدهشة عالقة فى الدواخل والافئدة التى عرفتك وحبتك وكأنى بالجميع فى انتظار ظهورك فجأة وانت تعبث بأصابعك على شعرك وتملأ الامكنة ذاتها بحيويتك العارمة المحببة... وانه احساس يسيطر على الذين اقتربوا منك فى يوم من الايام بأنك ما ذلت هنا ... صوتك كان مشحونا بالحيوية والطفولة والشجن ) الصحافة 1672000 . فكيف اتفق – اذن - الراحل مصطفى سيد احمد وهو يعبر عن نفسه ، والاستاذ نجيب نور الدين وهو يتحدث عن العميرى حول تلك الفكرة الغريبة ... فكرة الخلود المستمر فى هذا الكون هذا –اذن- ميدان فسيح يحتاج الى ادوات اكثر مما امتلك ، ولكن مما لا شك فيه ان قواسما مشتركة قد جمعت بين الرجليين من حيث لم يحتسب احد . وبمثل ما كانت تلك الحلقات تتداخل مع بعضها منذ النشأة الاولى ، كانت الاقدار ترسم فى عالم الغيب آخر ما يجمعهم بعد تلك الحياة الحافلة ، فمات كلاهما فى اوج تألقه الفنى ، وانطفأ ذلك البريق الوهاج وتوقف ذلك الحلم الكبير فات اللكان بيدينا احساس بالالفة وكان راوينا فات الباكى جرحنا وناسى جروحو ولافى ورانا مدينة مدينة فات الصاحى ونحن نغط فى النومة السابعة طالق حسو ولا حسينا حتحت فينا غناه الطاعم وفات قنعان من خيرا فينا هكذا ودع الشاعر اذهرى محمد على الراحل مصطكفى سيد احمد .. وهكذا جمع عصارة الرحيق لعمر فنى مديد تشبع فيه مصطفى سيد احمد بحب الخير والحق والجمال منذ ان كان يافعا يغنى فى اذقة ود سلفاب الى ان ودع الحياة بالدوحة وهو منكفىء على جرحه الاليم كلامك ديمة كان اخضر توزع فيه ذى سكر ومنشورات وسط بسمات كما النسمات تحرض شفع الحلة ضد الكاب والكشات تناول داك حبة شوق يهدى ويروق ويسخر من زمن ممحوق ويمسح من جبينه الذل يخت ايديه فوق الكل ويعمل لى امل اخضر من غير عبد العزيز العميرى من يرثيه ابراهيم موسى احمدبهذا الشعر من غيره يعيش حياته كلها للناس ... يعطيهم الامل ويدفع عنهم الاذى ويجمل لهم الحياة ...من غير العميرى من يجعل الامل دائم الخضرة برغم الاذمات والكواراث وفساد الدهر ؟؟ ومن غير مصطفى سيد احمد وعبد العزيز العميرى من تتفق فيهم المراثى بعد ان جمعهم القدر فى حلم تقطعت دونه الانفاس ....اذنفهذا هو مصطفى سيد احمد ... ملىء بحب الوطن ... ملىء بحب الخير ... ملىء بحب الحياة الحرة الكريمة ، وذلك هو عبد العزيز العميرى بكل جموحه الوثاب وحيويته الدافقة يغنى للامل والمستقبل ويعيش عمره كله من اجل الناس ... فأى حلم مستحيل ظل الرجلان يعملان على تحقيقه حتى الرمق الاخير ...؟؟ واى روح فنى نبيل تغلغل فى اعماقهما معا منذ النشأة الاولى وحتى ودعا الحياة وهما فى ذرروة النضوج وقمة الابداع . [email protected]