:: مصر من الدول العربية التي رفعت سن التقاعد عن الوظائف العامة إلى (65 عاماً)..ولكن السلطات هناك لم تقرر هذا الرفع بين (ليلة وضحاها)، بل سبقت قرارها بإجراء إحصائيات دقيقة ودراسات عميقة عبر مراكزها العلمية.. ثم لم يكن القرار بزيادة خمس سنوات إلى سن التقاعد السابق ( 60 عاماً)، بل قرروا بأن يتم الرفع ( تدريجياً).. وبزيادة عام بعد كل ثلاث سنوات، إعتباراً من العام الفائت، بحيث يكتمل الربط في العام (2026) ..!! :: ولكن هنا، بلا أية دراسات أو إحصائيات، وبلا تدرج يتكي على تغييرات إقتصادية و إجتماعية وغيرها، رفعت الحكومة سن المعاش إلى (65 عاماً).. و لم يكن القرار إلا إستجابة لمناشدات قيادة اتحاد عمال السودان ..وكانت المناشدات (مزعجة)، وتتزامن مع مواسم الإنتخابات.. والحكومة التي أصدرت هذا القرار المفاجئ تعلم بأن سن المعاش - 60 عاماً كان أو 65 عاماً- لا يقرره اتحاد العمال ولا العامل (حسب هواه).. وأن مثل هذا الأمر لا يقرره أي جهاز، تنفيذياً كان أو تشريعياً أو نقابياً، بلا دراسات علمية.. !! :: واليوم أيضاً، قرار آخر، مفاجئ أيضاً، برفع سن التقاعد للنظاميين إلى ( 65 عاماً).. أيها الناس، هناك معايير علمية ومتفق عليها عالمياً لتحديد سن التقاعد عن الخدمة العامة، مدنية كانت أو نظامية..وبهذه المعايير - التي تتكئ على قواعد علمية واقتصادية- تحدد كل دولة سن التقاعد عن الخدمة العامة.. فالكثافة السكانية للدولة ونسبة الشباب فيها (معيار أول).. ومعدل النمو الاقتصادي وفرص التوظيف في مؤسسات الدولة (معيار ثانث)..والثقافة الغذائية وتأثيراتها الصحية على الفرد (معيار ثالث ).. وهكذا..!! :: أي هناك معايير، وليس محض قرار فحواه ( يلا نرفع)، إستجابة لنداء نقابة أو قيادة ..وعلى سبيل أحد المعايير، فالتعداد السكاني الأخير أشار إلى أن السودان (دولة شابة)، أي نسبة الشباب هي الأعلى، أكثر من (40%)..وهذه الطاقات الشبابية من الكنوز المفقودة في الدول ذات معدلات النمو السكاني الضعيف، والتي تعاني من ضعف نسبة الشباب في كثافتها السكانية، كبعض دول الغرب التي تعالج هذه الأزمة بهجرات شباب العالم الثالث ثم رفع (سن المعاش).. !! :: ولكن في بلادنا، موطن الأمزجة الخاصة والأهواء الذاتية، ورغم أنف النمو الواضح لنسبة الشباب في التعداد السكاني الأخير، مارست قيادة اتحاد العمال ضغطاً رهيباً على الحكومة لرفع سن المعاش إلى (65 سنة)..وللأسف، كما يحدث حالياً، بلا علم مراكز الدراسات وبلا شورى علماء الإقتصاد والصحة وغيرهم من ذوي الشأن وأصحاب القرار، نجحت قيادة اتحاد العُمال في مسعاها ومارست ضغوطها ورفعت سن المعاش ..!! :: وعلى سبيل معيار آخر من المعايير العلمية (المغضوب عليها في بلادنا)، تعرض اقتصاد البلد - ولا يزال- إلى آثار انفصال الجنوب وخروج النفط من المعادلة الاقتصادية.. وترتب على هذا ارتفاع نسبتي التضخم والعطالة، وتقزم نسبتي النمو الاقتصادي وحجم القطاع الخاص، وتراكم الديون ..وهذا الوضع الاقتصادي يعني تقزم مساحة توظيف آلاف الشباب الذين يتخرجون سنوياً في الجامعات والمعاهد..ومع ذلك،أي ضارباً هذا المعيار الاقتصادي بعرض الحائط، تم رفع سن المعاش..!! :: ودائماً ما يكون التبرير لرفع سن المعاش هو الإستفادة من (الخبرات).. ما هو تعريف الخبير؟، وكم نسبة الخبراء في مؤسسات الدولة؟، وهل كل فيالق الخدمة العامة (خبراء).؟.. وعليه، نفهم أن يتم إستثناء بعض الأطباء وأساتذة الجامعات وفئات أخرى بقوانين ولوائح تستبقيهم بعد سن التقاعد حسب حاجة الناس والبلاد إلى خبراتهم، ولكن كيف يستوعب العقل ترفيع كل الخدمة العامة - وما فيها من ترهل - إلى ( درجة خبير)، بمثل هذا القرار الهادم لآمال الشباب والهاضم لحقوقهم..؟؟ [email protected]