قرارات وزارة الإعلام هوشة وستزول..!    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تنصح الفتيات وتصرح أثناء إحيائها حفل بالخليج: (أسمعوها مني عرس الحب ما موفق وكضب كضب)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    إصابة مهاجم المريخ أسد والنادي ينتظر النتائج    السفاح حميدتي يدشن رسالة الدكتوراة بمذبحة مسجد الفاشر    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    إبراهيم عثمان يكتب: عن الفراق الحميم أو كيف تخون بتحضر!    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    تعرف على مواعيد مباريات اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    الأهلي مدني يدشن مشواره الافريقي بمواجهة النجم الساحلي    حمّور زيادة يكتب: السودان والجهود الدولية المتكرّرة    إبراهيم شقلاوي يكتب: هندسة التعاون في النيل الشرقي    الأهلي الفريع يكسب خدمات نجم الارسنال    حوار: النائبة العامة السودانية تكشف أسباب المطالبة بإنهاء تفويض بعثة تقصّي الحقائق الدولية    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    «تزوجت شقيقها للحصول على الجنسية»..ترامب يهاجم إلهان عمر ويدعو إلى عزلها    بيان من وزارة الثقافة والإعلام والسياحة حول إيقاف "لينا يعقوب" مديرة مكتب قناتي "العربية" و"الحدث" في السودان    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    بدء حملة إعادة تهيئة قصر الشباب والأطفال بأم درمان    إبراهيم جابر يطمئن على موقف الإمداد الدوائى بالبلاد    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حِميدتى يزُور منطقة "مُذبَد".. من يَحْمِى المدنيِّينَ فى دارفور؟!
نشر في الراكوبة يوم 15 - 10 - 2016

فى بدايةِ الأسبوع الأول من شهرِ اكتوبر 2016م الجارى، زارَ قائد جنجويد "الدعم السريع" محمد حمدان حميدتى منطقة "مُذبَد" فى تُخومِ الصحراء الكبرى من ولايةِ شمال دارفور. وقد حُشِدَ للزيارةِ ليس فقط العسكريين من فصائلِ الحركاتِ المسلّحة التى أدْمَجَت قواتها فى الجيشِ السودانى، بل الإدارة الأهلية لمنطقة مُذبَد الملك/ داؤود سالم تقل، وأعْيَان المنطقة وقيادات المجتمع، ونُوَّاب الدائرة الجغرافية بالبرلمانِ القومى والولائى.
وضمَّ زيارة حميدتى ل مُذبد طلائع الفصائل المسلحة التى إنشقت من حركة تحرير السودان ومن حركة العدل والمساواة وإنضمت إلى حكومة السودان فتمَّ إدمَاجِها فى القوات النظامية السودانية بعد تدريبها وتخريجها ب نِمَر و رُتَب عسكرية فى الوحدات المختلفة من جيش وجهاز أمن وإستخبارات وهكذا. وهذا هو قِمّة ما تنتهى إليه قوات الحركات المسلحة فى خاتمةِ المطاف عندما يوقع قادتها اتفاقيات سلام يدخُلون بموجبِها صُروحِ الحُكمِ والسلطة مع الحكومة، بينما القوات يتِمُّ دمْجُها فى الأجهزةِ العسكرية فيكونوا جزءً منها.
وقوات الدعم السريع تتبع لجهاز الأمن والمخابرات أحد أضلاع القوات المسلحة السودانية المتخصِّصة، منذ قيامِها، فى قتلِ وإبادةِ سُكّان السودان الأصليِّين فى هوامشه لتمكِينِ أهلِ المركز من حَلبِ ضِرع الوطن، والإنفراد بأكلِ خيراته والإنتفاع مُنفردِين بمواردِه. ويستخْدِمُونَ أبناء الهامش أنفسهم فى قمعِ أهلِهم فى الهوامشِ المُختلِفة مُقابِل عَطِيّة مُزيِّن.
والجنجويد، هذا الإسم البشِع الذى يمْقَتهُ كل مخلوقات الله، قامَ حزبُ المؤتمر الوطنى الحَاكِم فى حوالى خواتيم سنة 2012م بتسميتِهم "قوات الدعم السريع". وتَمَّ تسليحهم وتدريبهم "بعض الشئ" بغرضِ التحَكُّمِ فيهم وترويضِ طِباعِهم الغلِيظَة مثل كلاب الصيد التى إذا تُركَت هكذا شكّلَت خطرَاً على صاحبِها الصائِد نفسه. وقوات الدعم السريع صاحبة التاريخ اللئِيِّم كآداة للإنتهاكات الفظِيعة لحقوق الإنسان والقانون الدولى الإنسانى التى شكّلت جرائم التطهير والعرقى والإبادة الجماعية وجرائم الحرب فى دارفور التى أوردت قادة النظام الحاكِم المَهالِك و زجَّت بهم فى لوائحِ الإتهام بموجبِ (نظام روما) المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية بلاهاى- هولندا. فأصبحوا يتسلّلُونَ فى أسفارِهم لِوَآذَاً، ويهرُبون من هنا وهناك مُولّيِن الدُبر هرَباً من إرهاصاتِ القبض والإحضار إلى "لآهاى" حيثُ المحكمة الجنائية الدولية.
المحكمة الجنائية الدولية التى أصْدَرَ مُدّعِيها العام السيد/ لويس مورينو أوكامبو عدداً من أوامرِ القبض(التوقيف) ضد قادةِ نظام الخرطوم الوَآلِغِينَ فى دماءِ شعوب السودان حتى أخمْص قدمَيِّهم. فصدَرَ، حتى الآن، أوامر قبض وتوقيف ضد كُلِّ من رأسِ النظام الرئيس/ عمر حسن أحمد البشير، و وزير دفاعه السابق (وآلِى ولاية الخرطوم الحالى) عبد الرحيم محمد حسين، وقبلهم مولانا/ أحمد هارون الذى باشر وأشرف على تنفيذِ عملياتِ الإبادةِ الجماعية والتطهير العِرقى فى إقليمِ دارفور فى أعوامِ الغَلواءِ الأولى (2003-2005م) ضد قبائل بعيِّنها "فور، مساليت، زغاوة"، فتَمَّ مكافأته على ذلكَ عدّة مرّات. فكُلِّفَ نائباً لوآلِىِ ولايةِ جنوب كردفان عندما كان الرفيق/ عبد العزيز آدم الحلو وآلِياً للولاية. ولكِنَّ أحمد هارون (همْبَك) وأصرَّ على تزويرِ الإنتخابات 2010م فتصاعد التوتر بين شريكى اتفاق نيفاشا، الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطنى وبالنتيجة عادَ الإقليم إلى الحربِ مرَّة أخرى فى حوالى يونيو 2011م.
وتمَّ مكافأة أحمد هارون مرَّةً أخرى وآلِياً لولايةِ شمال كردفان "عروس الرمال" وهُناك فجَّرَ المطلوب للعدالة الجنائية الدولية ما بداخله من خيرٍ كامِن!، فإنفجرَ بِناءَاً وتعمِيرَاً فى أروعِ نفيرِ نهضة وعمَار لولايةٍ من ولاياتِ السودان، لا يُضاهِيها إلّا "مارشال" الوآلِى الطاهر أيْلَا بولايةِ البحرِ الأحمر مع الفارق طبعاً لأنَّ أيلا لم تتلطّخ يدَاهُ بدماءِ المدنيين الأبرياء.
وما يُحَيِّرُ فى احمد هارون هو: لماذا كان قاتِلاً بَشِعَاً ودَموِيَّاً فى دارفور؟ وحنيناً طيباً وإنساناً يحِبُّ الخير والنماء فى شمالِ كُردفان؟!.. وأهل دارفور وأهل كردفان من نفسِ "الدُنقُر"! وأحمد هارون لا يحسَبهُ أهل دارفور إلّا إبْنَاً من أصلابِ رجالِهِم وجنِينَاً وُلِدَ من أرحامِ نساءِهم. فلماذا وكيفَ كان شِريِّرَاً كلّ ذلك الشرّ؟! وستَظلُ الحِيرةَ حتّى يَفِكَّ طلاسِمُها (مولانا) أحمد هارون بنفسه.
وكذلك كان أحمد هارون شِرِّيراً وقاسياً مع أهلِه فى إقليمِ جبالِ النوبة وقد فضحَهُ (الفيديو) الشهير: (أمْسَحَ، أكسَح، قُشّو، ما تجيبو حىِّ.. ما عايزين عِبءِ إدارى!). فى تحريض وأمر مباشر لتنفيذِ الإبادة والإهلاكِ الشامل للبشر هناك. (هى السيدة فاتو بنسودة دى راحت فى نومة ولا أيّه؟).
لكن "الكوز" بطبعهِ مخلُوق هُلَامِى، مُعقّد النفسية والتركيب والمزاج، حاقِد وخيالى ينسب سوْءَهُ للدين، يكذِب ويقتُل ويسرِق ويزنى ويفسد وهو يهلِّل ويكبِّر!، ولا يستطيعُ بشراً سَوِيَّا أنْ يتنبأ بكوَآمِن نفسِه!.
ومن ضمنِ الهاربين من العدالة الدولية فى لاهاى المدعو "على كوشيب" الذى ما فَتِأ يقتل المدنيين وينَكِّل بهم فى إقليمِ دارفور خاصَّة الجُزء الجنوبى منه. وقد نُشرَ له "فيديو" هذه الأيام تزامُناً من كارثة إستخدام حكومة الخرطوم للسلاح الكيماوى فى إهلاكِ وإبادةِ المدنيين فى "جبلِ مَرَّة" هذا الصيف 2016م. والصور الصادِمة لضحايا السلاح الكيماوى المنشورة فى المواقع الإسفيرية تقشَعِّرُ لها الأبدَان. أعترَفَ "كوشيب" فى فيديو منشور بأنَّ حكومة السودان ظلّت تستخدمُ السلاح الكيماوى فى حربِها ضد أهلِ دارفور، حركات مسلحة ومدنيين، منذ وقَتٍ بعيد!. ورُبَّمَا منذ بداية الحرب هناك. وفى الفيديو يقولُ على كوشيب بصوتٍ وآضِح: (عندنا سلاح هسع دا كم ضربناه فى السوق دا، والله جِدَادة ما تمرُق منو!).. وكان صادقاً جدّاً وهو يخاطب الذين أمامه وكانوا يهلِّلون الله أكبر! فرحاً بإستخدم السلاح الكيماوى ضد خلق الله فى إقليم دارفور.
ولا يعرفُ الناسُ سبباً يدفع هذا الشرير للقيام بما يقوم به، والشيب الذى غطَّى كلّ جسدهُ وقد بلغ من الكِبرِ عِتيَّاً، كلُّ ذلك لم يردَعهُ ويعيده إلى رُشدِهِ، ويكبَحهُ من السيرِ قُدمَاً فى طريقِ القتل والإبادة بإستخدام السلاح الكيماوى الفتّاك!. تحتاج البشرية إلى إستنطاقِ على كوشيب وأحمد هارون وامثالهم عن دوافِعِهم التى تدفعهم للسير فى هذا الطريق البائس المُهلِك ؟.
هذا، وقد أحْرَجَت زيارة حميدتى لمنطقة مُذبَد السيد/ مناوى وشِيعته حَرجَاً بالِغاً لأنَّ الزيارة رسالة من حكومةِ المؤتمر الوطنى ل مِنّاوى أنّ حميدتى يزور ليس مسقط رأسك ومناطق سيطرة حركتك السابقة، ومعاقلِك الحصِينة Strong Hold فحسب، بل أنّ حميدتى أتى إلى المنطقة بما لم يأتِ به الأوائل، ولا حتَّى مناوى نفسه عندما كان فى القصر الرئاسى كبيراً لمساعدى رئيس الجمهورية بموجب اتفاق أبوجا 2006م. ذلك أنّ حميتِّى خلال زيارته مُذبَد قد أغدقَ على أهلها بمشروعات تنمية لم يأت بها أحدٌ من قبله، فقد "تبرَّعَ" حميدتى ل مُذبَد بمدرستينِ وآبار لمياه الشُرب ومركز صحى فى حدود مبلغ (مِليارى جنيه سودانى). وأمعاناً فى الجدِّية كان يحملُ معه المبلغَ عَدَّاً نقداً، بيان بالعمل و(الكاش بقلِّل النِقَاش). وليس وُعُوداً جوفاء، و"سندات بنكِية مكشوفة".
وزيارة حميدتى ل مُذبَد لم تعجبْ مناوى و"المَلأ"، فالزيارة فِعلاً مُحْرِجة للغايةِ وتكشِفُ عورَتِهم. لأنّ الحركات المسلحة إستمرأت الإستثمارِ فى دماءِ وأعراضِ المدنيِّين، والسيناريو هو أنْ يعتدِىَ الجيش والجنجويد على الأهالى الفاقدين للحماية Vulnerable، فتدبِّجِ الحركات البيانات العصْمَاء فى الإدانةِ والتنديِدِ بالعُدوانِ، وتُذيِّل بياناتها بكشوفاتٍ بأسماءِ القتلى والجرحى والنساء المُغتَصبَات وكشفاً آخر بإسماء الجُنَاةِ المُحتملين، وذلك بغرضِ تحريض المجتمع الدولى والمحكمة الجنائية الدولية على الجُنَاةِ ليس إلّا. تلك كانت وتظلّ تِجارة الحركات المسلحة فى حربِ دارفور.
لكِنَّ هذه المرَّة إختلف الأمر، وتبدّلَ منهجُ العدو، ولمْ تسلمْ جَرّة الحركات المسلحة، لأنَّ الجنجويد وَرَاءهم مؤسسة المركز ودولة "الجَلَّابة" والحكومة بكامل عدّتِها، تفكِّر وتخطط لهم فينفِّذون، خلافاً لقادةِ الحركات المسلحة الذين تقطّعت بهم السُبُل وصارُوا لا يلوُونَ على شىء. ثُمَّ، وهُمْ فى غيبوبةِ حِيرَتِهم تلك تبِعُوا الإمام ليهْدِيَهُم سُبلَ الرَشاد لكنَّهم ضلُّوا أكثر و"البِبَارِى الإمام بودِّيهو الجامِع".
ولو كان هناك ذرَّة إحترام وإكرام ل مِنَّاوِى من قِبَلِ حكومة السودان لكان بالإمكانِ إنتظارهِ قليلاً رَيثما يُوقّع على ما لم يوقِّع عليه بعدُ فى أديس أبابا، ثم يحضر إلى الخرطوم برفقةِ وضمانِ "الإمام"، ثٌمَّ يُرافِق حميدتى إلى مُذبد حيث مسقط رأسه والأهل والعشيرة والمعقَلِ المَنِيع. ولكنَّ حكومة المؤتمر الوطنى المُسمَّى"الإنقاذ" لها قواعد لعِب عجيِّبة لا يعملُ بها إلَّا إثنين: هِىَ وإبلِيس.
هذهِ الزيارة مُحرِجة ل مِنَّاوِى وشِيعته، لأنَّها كانت إلى منطقته وقرْيته، والرسالة وآضِحة للجميع أنَّ حركته قد ذَوَت ولم يبقْ منها على وجْهِ الأرضِ شيئاً. وفى ردّةِ الفعل، قرأ الناسُ بيانات ومقالات فطِيرة، مُضْطَرِبة ومَهزُوزة من جماعةِ مِنَّاوِى، طفِقُوا فيها "يبَرْطِمُونَ" بما لا يُفهَم منه شيئ.
وهذا يوصِلُنِى إلى نقطةٍ مُهمَّة كتبتُ هذه المادة للتركيز عليها وتثبيتها وإنزالها فى قالِبها السليم وهى: وآجِب حماية المدنيين فى دارفور Responsibility to Protect وأقول الآتى:
1. الذى يهمُّ الناس، هو أنْ يكونَ المدنيِّون فى دارفور وكُلِّ مناطق النزاع فى هوامشِ السودان محْمِيِّين من العدوانِ والإنتهاكات والتخويفِ والتضييق على معاشِهم. فالحرب الدائرة هناك أطرافها الحكومة والحركات المسلحة، وليس المدنِيِّوُنَ فى حربٍ أو خصومة مع أحد، لا مع الحكومة ولا مع الحركات المسلحة.
فيجب أن لا يعتدىَ على المدنيين أحد. كما يجب أن تلتزمَ جميع أطراف النزاع المسلح بحمايةِ المدنيين، والإبتعاد التام عن المَّس بهم بسُوء. وحماية المدنيين وآجبٌ على الجميع وهو لا يسقطُ أبداً، لكنّه ينتقِل من طرفٍ إلى آخر حسب سيطرة أطراف النزاع أو قربِهم من مناطقِ توآجُدِ تجمُّعاتِ المدنيين. ويُحظرُ بتاتاً إتخاذ المدنيينَ أهدافاً عسكرية، أو تعرِيِضِهم لأىِّ مخاطر تَمَسَّهُم أو تحدِّق بهم.
والأصلُ أنْ تأتِ الحمايةَ من الدولة وأجهزتها، بمن فيهم حميدتى وقوات دعمه السريع. أو من فصائلِ الحركات المسلحة التى دخلت فى "سلامٍ" مع حكومة السودان. ودرَّبت قواتها فى مؤسساتِ الدولة وخرّجَتهم، وينتّشِرونَ الآن فى دارفور وبقية أرجاءِ السودان. لو كان الأمر كذلك فهو دليل خير طالما أنّ أرواحَ وأعراض وممتلكات المدنيين وأرآضِيهم فى أماكنِ النزاع المُسلّح فى أمان.
ومن جهةٍ أخرى لا يمكن الركون إلى مذهبِ مناوى وجماعتهِ، وإلقاءِهم اللوم على الإدارة الأهلية لمنطقة مُذْبَد لإستقبالِها قائد الجنجويد حميدتى بإعتبار ماضيه الحالِك فى إرتكابِ الإنتهاكات القاتلة. فالإدارة الأهلية ليست جِهة سياسية، ولا قانونية مثل مَحْكَمة الجنايات الدولية فى لاهاى- هولندا. الإدارة الأهلية هَمُّها الأوّل أن يكونَ الأهالى فى أمان، ولهم ما يأكُلون ويشرَبُون، ومدارس لتعليمِ أطفالهم، ومراكز صحية لعلاجِهم. الإدارة الأهلية تهتَمُّ بإحالةِ مجتمعٍ المنطقة من أهلى إلى مجتمع مدنِى يتمتّعُ فيه الفردُ والجماعة بالأمنِ والإستقرار والخدمات، كهدف من أهدافِ الألفِيِّة.
ولومُ الحركة مردودٌ عليها، بأنَّه يجب الفصل التام بين سلامة المجتمع الأهلى والمدنى وعدمِ الزجّ بهم فى أتُونِ الصِراعاتِ السياسية، وخاصَّةً المُسلّحة منها.. والحركات المُسلَّحة مجْبُولة على إستخدامِ المدنيين دُروعَاَ سياسية فى الحربِ، وهذا يُشكِّلُ جريمة أخلاق وجريمة حرب بلا منازع. ولا بُدَّ من التفريقِ بين المجتمع الأهلى الذى يعيشُ فى مُذبَد و"فوراوية" أو أيَّة منطقة نزاع مسلح فى السودان، وبين الحركات المسلحة التى خرج قادَتُها من تلكِ المناطق.
وفى هذا السياق يجدُر بالذِكرِ، والأخذِ فى الإعتبار ما فعلته الحركات المسلحة فى منطِقةِ "شرق جبل مرّة" وريفى محلية طويلة "كولقى، قلّاب، تارنى، تَابِت.. إلخ" عندما دخلت حركة تحرير السودان هذه المنطقة دون إذنٍ من اهلِها، وعاشوا فيها سنينَ، ثم خرجوا منها كما دخلوها، ثُمَّ جاءَت حكومة السودان بجنجويدِها آلة الموت والدمار، فأحرقوا القرى فبراير 2015م وطرَدُوا سُكّانها إلى معسكراتِ النازِحين"زمْزمْ" وأتلفُوا المزارع ونهبوا الموآشى.. ثمَّ أخيراً قررت الحكومة منح الجنجويد تلك الأرض فدشّنُوا فيها "نظارَة العرب الشطِيَّة" بمنطقةِ "كُوْلقِى" بتأريخِ الفاتح من أكتوبر 2016م. وكل ذلك البلاء والعناء وقعَ بسببِ دخول الحركات المسلحة فى مناطق المدنيِّين العُزل ثُمَّ خروجها منها تاركةً المدنيين عُرضَةً لإنتقامِ الحكومة ومليشياتها المسعُورَة الجنجويد، يحرقون القرى ويهَجِّرُونَ سُكّانِها ويتلِفونَ المزَارِع وينهبون الموآشى، ثُمّ يحتلُّونَ الأرض ويقيمون "نظَارَاتِهم" عليها!.
كُلَّ هذه البَلآيا سببُها ضعفُ القيادة فى الحركاتِ المسلحة وإنعدامِ المنْهَج فى تحركاتهم، إنهم يدخلون مناطق آهِلة بالمدنيين غصْبَاً عن الأهالى، ثم يخرجون منها دون إخطارٍ أو حماية أو تحوّط. وبذلك يعَرِّضُونَ المدنيين العزّل لحملاتٍ انتقامية قاسية ومُدمِّرة من الحكومة عبر مليشياتها الجنجويد، فيحِيلُونَ نهار الأهالى المساكِين إلى ليل، فيضطرُّون إلى النزوحِ إلى معسكرات الذلِّ والهوان، ينتظِرُون مصيرٍ بائس.
وأستطيعُ القولَ بثِقَةٍ تامّة: أنَّ الإخلال بوآجب حمايةِ المدنيين فى إقليم دارفور وتعريضِهم لحملات انتقامية من قوات الحكومة السودانية ومليشيات الجنجويد والدعم السريع وإضطرارهم إلى النُزوحَ واللجُوء سببُها الحركات المسلحة لإتّبَاعِها أنماطِ سلوك خاطئة بدخولِها إلى مناطقِ آهِلة بالمدنيين، ثُمَّ خروجِها منها تاركةً المدنيين عُرضَةً Vulnerable لهُجومِ قوات الحكومة ومليشياتها، تجُوسُ خلال القرى الآمنة تفتِكُ بالمدنيين الأبرياء العُزّل مُخلِّفةً القتل والدمار والنهب والإغتصاب.
ثُمَّ يعقُبُ ذلك تشريد من بقِى منهم على قيدِ الحياة نزُوحاً ولجُوء، ثم يحتلَّ الجنجويد الأرضَ.
ونموذج منطقة "كُولقِى" وعموم ريفى محلية طويلة حيثُ إنقلب حياة سكّان أكثر من سِتِّين قرية رأسَاً على عَقِب، وفى ذلك عِظةٌ وعِبرة لمن يعتبِر بالضرر الذى سبَّبتهُ الحركات المسلحة بتحرُّكاتِها الضَارَّة بالأهالِى المدنيِّين العُزّل، الآمِنين.
ولا يُعقل أبداً أن يرْهنَ المواطِنون حياتهم ومعاشهم لإرادةِ ومزاجِ حركة مسلحة أو حزب سياسى أو غيره. والسياسة يجب أن تكْدَحَ لحمايةِ المجتمع وتسْهَرَ فى خدمتِه وجلبِ الخير له. وليس التورُّط فى تدميرِه ونَسفِ إستقرارِه وتعذيبِه بجَلبِ المَفاسِد.
و دَرْءُ المفاسِد مُقدّمٌ على جَلبِ المنافع. لذلك يجب الإشادة بحِكمةِ وعبقرية الإدارة الأهلية لمنطقةِ مُذبَد والقيادة الرشِيدة للملك/ داؤد سالم تقَل، لتجاوُبِهِ مع زيارةِ حميدتى للمنطقة، فقد كان ضربَةَ لآذِب. وحسن إستقبال الزائر فيه حِكمة بالِغة، و وَعِى بالتحول الذى طرأ على موقفِه، من قاتلٍ فتَّاك وآلِغ فى دماءِ الأبرياء إلى شخصٍ مسؤول يُحدِّثُ الناسَ باللِسانِ.
والملوك العُقلَاء دوماً يُنَجُّونَ شُعوبهم من المَهالِك، ونظلُّ نضربُ المثل بملكةِ سَبَأ الحكيمة التى نجَّت قومها من بطشِ الملك سليمان ولم تركُن لمشْورَة "الملأ" من قومِها الذين يمثِّلهم فى هذه الحالة مِنَّاوِى ومَلَأهِ. ونُبارك للملك داؤود سالم تقل هذه الحِكمة التى ورَثَها عن أبِيه الذى أشتُهِرَ بحُسنِ الإدارةِ وسِعةِ الصَدرِ والأفُق. ووَرِثَ سُليمان دَاؤود.
وما كان لأهلِ مُذْبَد وما جاورَها من بلادِ الله أن يرهنُوا حاضِرَ ومستقبل الناس هناك لمزاجِ حركةٍ مُسلَّحة تتناقَصُ وتضمَحِلُّ وتتآكل كُلَّ يوم. حركةٌ ليس من أولوياتِها حماية المدنيِّين الذين تدّعِى تمثيلهم وتبْعِيَّتهِم لها، والنِّضالِ لأجلِهِم. وزعيم الحركة صارَ مشغولاً بإعدادِ نفسه وتدريبِها ليل نهار، بالقولِ والفِعل، لدخولِ أندية المركز. وليس من إهتماماته العودةَ إلى "مُذْبْد" و"فورَاويَّة". الزعيم يزمعُ دخول أندية المركز السياسية، مع حزب الأمة القومى والوطنى والشعبى والإتحادى ونداء السودان، ويُحلِّقُ بخيالهِ بعيداً جدَّاً عن مضاربِهِ التى سلّطَتْ عليه الأضواء ووَضَعتهُ، يومها، فى مقدمةِ الأجنّدةِ السياسية المحلية والإقليمية والدولية. وهذا الإنحراف يُماثِلُ خروج جُرْمٌ سماوى من مدَارهِ والإنحراف بعيداً فى الفراغِ، فسُرعانَ ما يهَوِى مُحتَرِقاً مُخلِّفاً رَماده فى أىِّ مُحيطٍ مُتجَمِّد، أو على قِمَّةِ مُرتفعٍ شاهِق، لأنَّ اللهُ تعالى يأبَى أنْ تسقُطَ بقَاياهُ فى عُمرانٍ لأنَّها ضَارَّة بِصحَّةِ الإنسانِ والنباتِ والحيوان. أقصُدُ حُطام الجُرمِ السماوىُّ الآفِل بالطبعِ.
نواصلُ فى مقالٍ آخر قريب وذى صِلة، طَعْنُنَا فى حوارِ إذاعة عافية دارفور مع مِنَّاوِى بمناسبة مرور (15) عام على قيامِ حركة/ جيش تحرير السودان، فترَقّبُوا.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.