الأحزاب الحقيقية لا تموت برحيل زيد إن كان مؤسسها أو عبيد إن هو ترأسها ..لآنها لا تقوم على الأشخاص وإنما تستند في بقائها على المبادي .. والأسس التنظيمية التي تجعل منها مؤسسات إعتبارية فوق الأفراد وتتقوى بقواعدها الجماهيرية المتجددة كمياه النهر الجارية الأمواج وليست المتحجرة على الولاء البعيد عن الفهم السياسي أو غير المسلح بالفهم الصحيح للديمقراطية ايماناً وممارسة والذي لم تحصنه الوطنية التي تجعل الفرد يقدم العام على الخاص .. ويبذل الواجبات قبل أن يطالب بالحقوق ! طبعا لا أحد يمكن أن يبلغ الكمال في عالم السياسة حزباً كان أو زعيماً ..فهي فن الممكن الذي لا يصنع المستحيل.. لكن التوافق على الحد الأقصى في العمل السياسي المبنى على تداول السلطة بشفافية وتجرد و بما لا يقدح في بقاء بعض الأحزاب قوياً لقرون كما في بريطانيا و فرنسا و أمريكا التي يتبادل فيها أحزاب بعينها الوثوب بارادة الجماهير الى سدة الحكم مع تبدل الزعامات و تجدد البرامج التي تواكب الظروف الزمانية والمكانية ! وبالتاكيد هنالك عامل المال الذي هو عصب تقوية تلك الأجسام الحزبية العريقة ولكن مع ضمان معرفة مصادره الشرعية والمنصوص عليها في دستور البلاد ولوائح تنظيم الأحزاب الحقيقية التي لا تحابي كبيرا على حساب صغير ولا غني ظلماً لفقير ولا وزيراً تجاوزاً لخفير ! كثير من المنظرين ماتوا ولكن نظرياتهم بقيت تعمل من بعدهم لصالح الإنسانيةعلى مختلف مستويات العلوم والفلسفات ..وحتى الأفكار السياسية التي ارتبطت بالإقتصاد و شكل تكوين الدولة بقيت مثلاً من بعد ماركس وأنجلز ولينين .. لكن أفشلها من جاءوا بعدهم بابتعادهم عنها كاسلوب حياة بوليتاري و ركونهم الى طريقة العيش في الضفة الآخرى البرجوازية ..فانهارت امبراطوريتهم التي كانت تنازع أمريكا على تسيد العالم لأنهم بنوا دولة كبيرة محاطة بالسلك الشائك و أخفقوا في بناء أمةٍ متجانسة .. فذهب كل دم يبحث عن مجراه في العرق الأصل بعد أن تفكك الإتحاد السوفيتي ! مات الإتحاد الإشتراكي مع جمال عبد الناصر وبقيت الناصرية من بعده لافتة قديمة مطموسة المعالم على جدار الذكرى بعد أن دلق عليها السادات محلول الحزبية المقيدة .. مثلما قبر إتحاد نميري الإشتراكي معه رغم تغيير مسماه ! وانفض سامر الحزب الوطني خارج أسواره التي حرقتها الثورة و دخل حسني مبارك الى قفص الإتهام ! الآن يمكن للرئيس عمر البشير أن ينهي وجود المؤتمر الوطني بجرة قلم منه إن هو أراد لانه قائم على شخصه وليس على مبدأ خاص يضمن استمراريته من بعده .. وإن استظل بجدار الحركة الإسلامية المشقق والتي تحطمت قيمها العقائدية و أهدافها السياسية على صخرة المصالح الدنيوية الذاتية ! فلا غرو أن يذهب الشعبي مشيعاً خلف الشيخ الترابي .. وقد كان هو الحزب .. وما الحزب إلا هو .. الذي بُني على شخصيته .. لذا فهو قد قام على باطل حياة الفرد ولن يصبح حقاً من بعده .. وتلك هي النتيجة الحتمية لمثل هذا الكيان الذي سيشهد مقبل الأيام ضمناً تفكك مفاصله تباعاً وإن نفى أهله تلك النيةأو ركنوا الى تغيير جلده الخارجي .. ! فكل سيارة تفقد ماكينتها لن تسير إلا جراً الى مقبرة الخردة ولو تبدل لون جسمها ورقم هيكلها و كتب عليه إسم أفخر المصانع ! [email protected]