عاشت بلدة نيالا أياما عصيبة في الثلث الأخير من عام 1921م. و إذا بحثت عما حدث فلن تجد إلا القليل الذي ورد في تقارير السلطة الإستعمارية التي وصلت تلك البلاد قبل خمسة سنوات بعد مقتل السلطان علي دينار. خلاصة رواية السلطة الإستعمارية عبارة عن وصف لما حدث في صبيحة يوم 26 سبتمبر1921م و جهود الحكومة في الأيام اللاحقة. في أوائل سبتمبر من ذلك العام أفادت التقارير الإستخباراتية أن هنالك مجموعة من الثوار ذوي التوجهات المهدوية قد تهاجم مدينة نيالا. طلب مفتش نيالا السيد ماكنيل الدعم من مدينة الفاشر. قاد الدعم سياسيا الطبيب البيطري الدكتور شون و أوكلت القيادة العسكرية إلى النقيب السوداني حسن بلال رزق. وصلت قود الدعم فجر يوم 26 سبتمبر 1921م. و بعد لحظات هوجمت المدينة أكثر من خمسة آلاف فرد مسلحين بالأسلحة البيضاء موزعة تحت تسعة رايات. كان باديا أن المهاجمين يستهدفون أماكن معينة: قيادة المنطقة و مخازن الأسلحة. قضى الهجوم السريع للثوار على القيادة فقتل السيد ماكنيل و الدكتور شون كما تمكن الثوار من الحصول على أكثر من 40 بندقية و عدة صناديق من الذخيرة. انسحب الثوار سريعا إلى غابة جوغانة زرقا. أسفر رد القوات الحكومية بقيادة النقيب حسن رزق عن مقتل عدد كبير من المهاجمين واستعادت سيطرة القوات الحكومية على المدينة. و تعزز موقف القوات الحكومية بوصول الأميرلاي هدلستون الذي فرض حظرا للتجول و إستعراضا للقوة و تمشيط القرى التي دعمت الثوار. كما خصصت الإدارة البريطانية جوائز مالية ضخمة لمن يقبض على قائد الثوار الفكي عبد الله السحيني أو أي من مساعديه. تم القبض على السحيني بعد حوالي شهر من الحادثة بواسطة أعوان ملك المساليت في قريضة حيث تم إعدامه في سوق نيالا. عين الثوار خليفة للسحيني و لكن بعد أقل من ستة أشهر تم القضاء على الحركة تماما و ذلك بالقبض على جل قادتها و إعدامهم بل تم حرق جثث بعض المقتولين منهم أمام الجماهير. و ممن أعدموا ضو البيت الصافي, محمد كرتال, ياسن بخيت و غيرهم. زعيم هذه الحركة هو الفكي عبد الله محمد إدريس القمراوي المولود في قرية حجر بيضة شمال شرق الجنينة. و هو سليل أسرة من حفظة القرآن. إنضم الفكي عبد الله إلى الخليفة عبد الله في أواخر عهد المهدية و كان يعرف بعبد الله الصغير. بعد موقعة أم دبيكرات رجع إلى دار فور و أسس خلوة في قرية تسمى الغراء بضواحي نيالا. سكان دار فور بوجه عام لهم رفض قوي للحاكم غير المسلم. كانت الضرائب على المواشي و الزروع عالية مما خلق بيئة ناقمة على الحكم البريطاني حديث العهد. و لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كانت في تصرف الحاكم السيد ماكنيل . يقال أن السيد ماكنيل كان متعجرفا جدا. و في إحدى جولاته عام 1919م أحس أن حيران خلوة الفكي عبد الله لم يوقروه بما يستحق فركل كومة من ألواح القرآن في الخلوة. كانت هذه هي الإشارة التي أشعلت الغضب وسط الحيران و حولتهم إلى ثوار. تقوى الفكي عبد الله بحيرانه من مختلف القبائل و بدأ في العمل على طرد المستعمر. و استعمل ما لديه من خبرات فخاطب زعماء القبائل الرئيسية كالرزيقات, المساليت, الهبانية و الفلاتة. و قسم أنصاره إلى عدة فرق كل فرقة تحت راية معينة بلغت تسع رايات. كما استدعى الفكي عبد الله نسبه الذي يعود إلى أحد أمراء القمر و يسمى حسين فأصبح يسمي نفسه عبد الله الحسيني. و استعمل قدراته كحافظ و مدرس للقرآن لسنوات طويلة. و في عمليات مضادة قالت السلطات إنه ليس حسيني بل سحيني :إستهزاء. و لتنفير الناس منه روجت السلطات أن المدعو عبد الله السحيني يدعي أنه النبي عيسى. كان الهدف من مهاجمة نيالا الحصول على السلاح الناري و هو ما نجحت فيه العملية أما الإخفاق الكبير فكان في إدارة معركة فيها هذا العدد الكبير من الثوار الذي قدر بين 5 إلى 6 ىلاف. فكانت عمليات النهب التي طالت المتاجر و البيوت. و هذا أفقد الثوار تعاطف سكان البلدة. و أدى إلى الخسائر الفادحة في الأرواح التي تجاوزت الخمسمائة قتيل. تعد هذه الإنتفاضة واحدة من أقسى العمليات التي واجهت المستعمر حيث خسر 41 قتيلا منهم كبار القادة مما شكل صدمة كبيرة للرأي العام البريطاني. كما أن العمل التحريضي للثوار و الذي إستمر لعدة سنوات يبين القدرات التي يجب الإنتباه إليها في هذه المناطق النائية. و أظهرت هذه العملية إختلاف منهج العمل المهدوي في ظل القيادة الجديدة المتمثلة في الشاب عبد الحمن المهدي الذي نفى أي صلة له بهذه الحركة. [email protected]