٭ أحياناً – نعالج بعض القضايا الدولية والعالمية وفق منظور محلي، أو وفق معطيات راسخة وثوابت كلية، وننسى أن العالم لم يعد يتعامل بمنطق الثابت والمعقول، بل – في أحيان كثيرة – ان عالم اللامعقول أكثر رجاحة وأوفر حظاً وأقرب للتحقق.. ٭ جاء جورج واشنطن من الأقاصي ليصبح رئيساً للولايات المتحدة ويخوض الحرب ويضع أشهر مادة في دستور البلاد غير قابلة للالغاء أوالتعديل أو الحذف.. ٭ من بين كل الترجيحات، كان جورج بوش الابن، الأقل حظاً والأكثر جهلاً وتعصباً، ولكنه أصبح رئيساً للولايات المتحدة.. ٭ وبينما كان الخبراء أمس الأول يتحدثون عن وضعية بيل كلينتون في البيت الأبيض ويرسمون المسميات لسيد (البيت الأبيض الأول)، كانت الولاياتالامريكية تتساقط بين يدي دونالد ترامب، وتنتقل ميلانو من عارضة أزياء باذخة إلى (سيدة البيت الأبيض)، وتعجز هيلاري عن مخاطبة جمهورها.. لقد فاز الأقل حظوة.. (2) ٭ لقد كان العقل الباطني في العالم العربي والاسلامي يرفض دونالد ترامب، لتصريحاته الحادة وطريقته المستفزة في التعبير، وساير في ذلك وسائل إعلام غربية وعربية معادية لترامب، وسوقت مراكز الاستطلاع إلى تقدم هيلاري كلينتون في خطابها، بينما دونالد كان يخاطب مشاعر كامنة في الذاكرة الأمريكية، ويستغل مخاوف وهواجس الأمريكيين من الهجرة والاستلاب الثقافي والوضع الاقتصادي، ويستقطب شرائح جديدة، دفعت بنسبة التصويت إلى مستوى أعلى، لقد تبين ان الشعب الامريكي سئم العبارات الجامدة والمصطلحات الجاهزة والدبلوماسية الناعمة، واستدار إلى مساحة اللعب المكشوف على جسد الخصم المتوهم، ولم يعد يرغب في الوجوه المكررة.. ٭ لقد أشار بعض الخبراء إلى ان التصويت في هذه الانتخابات يعبر عن (المزاج العكسي)، أي التصويت لهيلاري كراهة في دونالد ترامب، والتصويت لدونالد ترامب كراهة في هيلاري، ولكن يبدو أن التصويت هذه المرة جاء كراهة في كل المنظومة الامريكية الحاكمة وآلياتها الإعلامية وأجهزتها وحتى اللوبيات.. إنه بعض من مسرح أمريكا اللامعقول.. (3) ٭ ولم يأت هذا الفهم من فراغ وإنما عبر دراسة واستقراء، للمزاج العام للشعب الامريكي وتطلعاته وأكثر العناصر تأثيراً فيه، وهو المغامرة لشيء جديد وتجربة جديدة، وجنون من نوع خاص، اسمه دونالد ترامب! ٭ ومع أن دونالد بدأ في خطابه الأول بعد الانتخاب أكثر توازناً وأكثر حنكة وأقرب إلى الالتزام بالبروتوكول ومقتضيات المرحلة القادمة.. ٭ ومما لا شك فيه، ان ترامب يمثل مرحلة جديدة وانتقالا في علاقات الولاياتالمتحدة الخارجية وأسس تعاملها بمفهوم (تجاري) خالٍ من الدبلوماسية والحسابات المعقدة، وأكثر انشغالاً بالهم الداخلي، والتعقيدات المحلية.. ومع أن السودان تضرر كثيراً من الإدارات الديمقراطية، إلا ان أمريكا مسرح لا تحكمه حسابات المنطق وجدليات الحيثيات والوقائع.. وعلينا أن نتعامل معه وفق ذلك. الصحافة