مواصلة لما عرضنا سابقا من كتاب جين شارب ( من الدكتاتورية الى الديمقراطية ) نعرض فيما يلي جوانب أخرى ذات أهمية كبيرة علها ترشدنا في سعينا نحو الحرية .. تبدو النظم الشمولية ذات منعة وسطوة لا تباريها شعوبها المسحوقة - بفقرها وعجزها – ولكن ورغم تمترس الدكتاتور في قلعته محصناً بكل عناصر القوة السياسية التي ذكرناها سابقاً ، إلا أنها تحفل بنقاط ضعف عديدة إذا ما استهدفتها المعارضة فلن يقو النظام على الصمود طويلا وسينهار بنيان حكمه ، رغم منعته الظاهرية وطغيانه الزائف .. هنا نورد في إيجاز اسطورة ( كعب آخيل ) الرمزية .. فعندما كان آخيل طفلاً غمسته أمه في مياه نهر ( استايكس ) المقدسة ، فكسب حماية من وقع السيوف والرماح والأسهم .. وحينما كبر أصبح الفارس الذي لا يُجارى محققاً النصر لقومه في كل المعارك .. ولكن في معركتهم ضد ( طروادة ) فطن أحد جنود ( طروادة ) الى نقطة ضعف في جسم آخيل ، فعندما غمسته أمه في المياه كانت تمسك بكعبه حتى لا يجرفه تيار النهر فلم يصلها الماء المقدس .. صوب الجندي سهمه نحو الكعب فأصابه إصابة قاتلة فخر ميتاً ... العبرة هنا أن التصويب نحو مواطن ضعف الخصم أجدى من استنزاف القوى في مناطق عسيرة الاختراق .. وفي هذا السياق نعرض بعض ما ذكره ( شارب ) من نقاط ضعف النظام الشمولي : خلال سنوات القهر والظلم يتراجع رصيد النظام من الأفراد والمجموعات التي كانت في السابق تلبي نداءه وتطيع ، وتشكل مع الوقت رصيداً للمعارضة وقوةً هائلة إن أحسنت مخاطبتها وقدمت لها ما تستطيع فعله .. يقل مع الزمن هامش المناورات التي يستخدمها النظام لتجاوز أزماته وينفذ رصيده من الحيل لخداع الناس أو لكسب الأعوان وضمان الطاعة ، وقد يلجأ أحياناً للتكرار ولكن تراكم الخبرات لدى الناس يفسدها .. تناقص الموارد البشرية لديه وصعوبة كسب انصار جدد ، بل تساقط بعض كوادره .. العوامل غير المرئية ( دوافع نفسية وعقائدية ) قد لا تعمل لصالحه ، وحتى الرمزية التي كان يدّعيها النظام – تمثيل الاسلام مثلاً – لا تعود مقنعة للعامة بل حتى لأعوانه .. المركزية القابضة – وهي من سمات النظام الشمولي – قد تعيق حرية حركته في التعامل بسرعة وفاعلية في مواجهة معارضة تستخدم عشرات الاساليب ، وتستهدف عناصر قوته السياسية في عشرات المواقع .. التنافس الشخصي والصراعات داخل منظوماته قد تعرقل جهدها في دعم الدكتاتور وتنتقص من قدراتها .. هناك دائما مجموعات وفئات داخل المجتمع دائمة التململ لدوافع مختلفة – قد لا تكون سياسية – كالطلاب والمهنيين والمثقفين ، وأخرى مناطقية تمور بمطالبها وظُلاماتها .. ذلك في مجموعه يخصم من قدرة النظام على الاستقرار والسيطرة .. القوة العقابية ، وهي من عناصر القوة السياسية التي يستعملها النظام لاخضاع العامة ، ولكن وبمرور الوقت وباستمرار ( المقاومة بغير عنف ) سيفتر حماسهم لتنفيذ عنف النظام المفرط وتهتز طاعتهم المطلقة في التعامل بغير رحمة ، بحكم أن افراد تلك القوات هم في مجموعهم من عامة الشعب ويميل بعضهم بوجدانهم لأهلهم ( إخوانهم وأبنائهم وبناتهم ) .. وهذا ما يفسر استعانة الانقاذ مؤخراً بقوات مستجلبة من مناطق بعيدة قد لا تربطها علاقات وثيقة بأهل المدن ..! كيف يمكن للمقاومة أن تستهدف نقاط الضعف لدى الدكتاتور فتهز أركان نظامه وصولاً الى لحظة استسلامه ، هنا يقول شارب : يجب أن تتميز ( المقاومة بغير عنف ) بالآتي : أن تظل - وبرغم ما قد يصيبها من عنف - مقاومة بغير عنف ، وأن تعمل على عزل أي مجموعة – مدسوسة أو ميّالة للعنف - عن صفوفها ، رغم لجؤ النظام للعنف أحياناً مما يخصم من رصيده ويضيف الى خصومه .. أن تؤمن المعارضة بحتمية النصر رغم صعوبة المعركة ، مع القناعة التامة بجدوى عشرات المعارك الصغيرة المتفرقة وقدرتها في إضعاف الدكتاتور وشل قدرته على الرد، عكس ما يعتقد البعض بافتعال معركة واحدة حاسمة لإسقاط النظام دون صناعة حركة مجتمعية تمور تحت إقدام الدكتاتور انتظاراً للحظة الحسم ، التي قد تأتي بأي مناسبة ، أو بحدث صغير قد لا يسترعي الانتباه ..! أن تؤمن المعارضة بأنها وبعملها متعدد الوجوه وما تبتعثه في الناس من مشاركة مهما صغُر حجمها - كلٌ بما يستطيع – تصنع نواة مجتمع ديمقراطي له دور في معركة نيل حريته ومهيأ للمشاركة بمحض ارادته في مجتمع ديمقراطي حر مقبل ، ولا يعود جالساً على جدار وطنه متفرجا ..!! سنعرض لاحقا رؤية شارب في كيفية صياغة استراتيجية المقاومة وتكتيكاتها ووسائلها التي تعد بالمئات ، عارضا قوة المعارضة الهائلة – الكامنة بلا توظيف ..! مصطفى محمد علي [email protected]