عند تصاعد وتيرة التوتر. والإحساس باقتراب الانفجار. يلتفت الناس يمنة ويسرة يبحثون عن العقلاء.. يشهد السودان منذ فترة ليست بالقصيرة ما يجعل الناس يجدون في البحث عن العقل. فقد بلغ الغضب بالناقمين على أداء الحكومة درجة ما قبل الطوفان، بدا ذلك واضحاً في الاحتجاجات الأخيرة على ارتفاع أسعار الدواء. فجاءت الاحتجاجات تراكماً أخيراً فوق تراكمات. فقد تصاعد الغضب على نظام بدعة التحلل. الذي لا يلاحق المتلاعبين بالعملة الحرة المخصصة للدواء. ويضيق على صبية الدرداقات وستات الشاي؛ ويلاحق شباب شارع الحوادث. ويعتقل الصادق المهدي المستجيب للحوار. استعراضا لقوة النظام في موضع يستدعي الحكمة- خدمة لحوار دعا له النظام؛ ويفصل غازي صلاح الدين من الحزب لمجرد رأي بأن الرئيس لا يجوز له الترشح لدورة جديدة.. هذه أمثلة تجسد درجة من الاستبداد التي تجعل النظام لا يرى بأسا في كل سياساته ويضيق بكل نقد ولا يستمع لأي نصيحة. حالة تصاحب عادة أي نظام عندما (يتخن) جلده. فيضعف إحساسه بالآخر. وتتصاعد حالة الرفض عند الآخر حتى يستحيل غضباً عارماً لا يعرف التعقل؛ لذا لا يستغرب في هذه الحالة أن يغيب صوت العقل عند من فقد وظيفته وعند الذي تلاحقه المحلية في درداقته وعند الصحافي الذي يحجب عموده وعند السياسي الذي يرى كل شأن الوطن في دائرة ضيقة محتكرة.. حالة لا ينتظر معها التعقل. فيفجر (الممكونون) مشاعرهم غير آبهين بمآلات تفجير مكنوناتهم الغاضبة ولسان حالهم يقول (البلد إن شاء الله تحرق)؛ إذ لم يبق لهم فيها ما يأسفون عليه. واستغل أهل الحكم جزئية الغضب الحارق ليظهروا في صورة الحريص على الوطن وحمايته من الوقوع في أيدي من أسموهم شذاذ الآفاق ولسان حال أهل الحكم، بل ولسان مقالهم يقول (الوطن بخير ما دامت آلاف السيارات تجري على شوارعه المسفلتة). الوطن ليس بخير. لكن الغضب وحده لا ينجيه. ولا يمكن أن تكون جماعات مسلحة لا تملك غير التحريض وريثاً للنظام القائم.. قطعاً. في النظام عقلاء. وفي المعارضة عقلاء؛ عليهم جميعاً وقف انحدار الوطن إلى الهاوية بسبب غياب التعقل، لكن لا بد من التأكيد أن مسؤولية عقلاء الحكم أكبر. ففي يدهم السلطة؛ وعليه فهم يتحملون كل المسؤولية عن أخطاء الحكم. وشركاء في مسؤولية إخراج الوطن من النفق المظلم.; العرب