ليست شوفينية أو تعالي على الآخرين، نحن مثلنا مثل كل شعوب الأرض بنا حسنات وفينا عيوب، ولكن لتجاربنا طعم آخر، فعلى أرضنا لم يهنأ معتدٍ أو غاصب أوغاشم، قتل إسماعيل باشا الذي إجتاح البلاد بالمدفع والبندقية، فقد كان جيشه متفوق على المقاتل السوداني من حيث العتاد الحربي، فهو مدجج بالأسلحة النارية ونحن لا نملك سوى السلاح الأبيض، ولكن مع ذلك ذاق مرارة غضبة هذا الشعب، ومات أشنع ميتة، حُرِقَ حياً وجنوده، ولو كنا في نفس مستوى تسليحه لم إضطررنا لذلك. طاش صواب الدفتردار فلم يرحم طفلاً أو طفلة، شيوخاً ويُفع، كانت البنادق تصوب لهامات العُزّل وكان الموت عشوائياً ورخيص، حتى يرهب الشعب ويسكته إلى الأبد، ولكن لم يمض وقت طويل حتى نظم الناس أنفسهم وهبوا من جديد فإنتصرنا على جيوش غردون وقتلناه، وإسترد السودان حريته وسيادة شعبه على أرضه. وهذا لم يحدث في دولة أخرى أي أن يقتل فيها إثنان من قادة القوات الغازية في فترة إستعمارية واحدة وينتقم الشعب لنفسه وحرية بلده ويطرد المحتل من أرضه، وتلك كانت نماذج نضالية مشرفة. وعندما أبتلينا بالحكومات الدكتاتورية الشمولية الباطشة، لم نستسلم أو نستكين أو نرضخ ونزعن في خوف وهوان، بل شرعنا في مقاومتها إلى أن أسقطنا الأولى ثمّ ألحقناها بالثانية وهذا لم يحدث في دولة أخرى، وكانت أيضاً نماذج نضالية مشرفة. أما أعظم تجربة قدمناها وإن كانت تبدو للبعض سلبية، إلّا أنها كانت ضرورية وهي أننا سمحنا للدولة الدينية أن تتسلط علينا لمدة سبعة وعشرين سنة، فيها الكثير من المظالم والويلات، ولكن من خلالها قدمنا للبشرية جمعاء وللعالم الإسلامي بشكل خاص، تجربة حكم كاملة لمنظومة تيار الإسلام السياسي، حتى نكشف للجميع زيف الدعاوي السياسية التي تتستر وتتدثر بثياب الدين، لقد أُخليّ لهم الميدان تماماً على مدى ما يقارب الثلاثة عقود، صبرنا عليهم وتحملناهم، ظلت كامل السلطة والسيطرة في أيديهم لا ينازعهم فيها أحد، في بلدٍ معافى، واسع الثروات والموارد، يمتلك الآراضي الصالحة للزراعة التي يتمناها ويتطلع إليها في حسرة غيرنا من شعوب الأرض، إضافةً لمصادر المياه المتدفقة، والمراعي المفتوحة، والتنوع البيئي والثقافي، مع نشاطات إقتصادية واعدة في المشاريع الزراعية العامة والخاصة، ترفدها ثروة حيوانية واسعة ومتنوعة، داجنة وبرية. كل هذا مع توفر وسائل النقل من سكك حديدية ونقل نهري وبحري وجوي مع نظام خدمة مدني متماسك وإنسان مؤهل ومسلح بالوعي والخبرة، ليتهم حافظوا ما وجدوه عند ذاك المستوى، ولكن بكل أسف طاحوا فيه ودمروه بطيش ورعونة ولامبالاة، ونحن ننظر بصبر وعلى مضض، ننتظر أن تكتمل دورة فشلهم وتخبطهم، فتصبح الصورة كاملة وأكثر وضوحاً وجلاء أمام كل من يريد أن يرى أدعياء الطهر الزائف الذين ينفذون من فجاج العواطف الدينية إلى مراكز السلطة والسياسة، وما أن يصلوا إليها حتى يركلوا الدين بأقدامهم، ويدوسون على كل المقدسات، ولا يصبح هناك همٌ سوى إكتناز المال والأرتماء في أحضان الملذات والرفاه، حتى وإن مات الشعب إملاقاً ومسغبة. تحملنا كل ذلك وصبرنا عليهم حتى يصلوا إلى آخر ما لديهم، ثمّ نقدمهم للناس سيرةً وصورة لا تحتاج إلى شرح، ونموذجاً لما يمكن أن تصبح عليه حال الشعوب والدول إن هي دعمت أو ناصرت أو مكنت هذا النوع من تجار الدين من تقلد مناصب الحكم. لقد دفعنا ثمناً غالياً ولكنا صبرنا وتحملنا لنقدم هذا النموذج الحي للدولة الدينية، وما يمكن أن تؤول إليه حال الشعوب والدول مهما كانت قدراتها، خاصة إذا لم تكن تمتلك مصادر وموارد تضاهي ما تزخر به أرض السودان، فإذا تمكن منها هذا النوع من تيارات الإسلام السياسي فلابد أن يوردها موارد التهلكة. فعلى الآخرين أن يتعظوا بما عانينا وأن يتحسبوا لحجم الدمار والخراب الذى يمكن أن يحل بأرضهم إن هم سمحوا لمثل هؤلاء بتسنم السلطة في بلدانهم. لقد صبرنا على ما قاموا به من دمار إقتصادي، وقهر سياسي، وتمزق إجتماعي، وتحملناه حتى إكتملت جميع فصوله، ووضعناه أمام العالم كتاب مفتوح لكل من يرى ويسمع ويعي، لأن غيرنا لم يعايش تجربة حكم كاملة للإسلام السياسي، فهناك الكثيرين الذين لم يصبروا عليهم مثلما صبرنا، لذلك ليس لديهم نموذج حي ومكتمل لنوعية تسلطهم وبطشهم وظلمهم، فالجزائر مثلاً لم تفسح أمامهم المجال، وتونس قلمت أظافرهم قبل أن يتمكنوا، ومصر لم تصبر عليهم سوى عام واحد. أما نحن فقد سمحنا للتجربة أن تصل أقصى مراحل نضجها لنرى ماذا هم فاعلون وما هي النتائج، واضعين بين أيديهم كل الموارد والإمكانات، وهي موارد وإمكانات دولة ثرية بما فوق أرضها وما تحتها، فأهدروه وبددوه وسرقوه، هذا هو نموذج حكم الإسلام السياسي، فهل هناك من يرغب لشعبه مثل هذه المآلات. عليكم أن تشكروا الشعب السوداني الذي تحمل عنكم كامل التكلفة، وقدم لكم تجربة فريدة على حساب طعام وعلاج وتعليم أبنائه، لكي تكون ماثلة أمامكم، تصفعون بها كل من يحاول أن يتسلل للسلطة من أزقة الدين. والآن نقدم لكم نموذج جديد في نضالنا من أجل الإطاحة بهم فإنتظرونا يوم 19 ديسمبر 2016 الذي سيكون بدايةً للتويج كفاحنا الذي بدأ منذ أن حلوا بنا. [email protected]