ونحن في الطريق الى المنزل ومدينةالخرطوم بحري تهتف باسمنا وتحيينا من اعماق قلبها-وقد تعودت على قضاء اليوم الاول بالوطن في حضن الاسرة الكبيرة الدافئ-ورحاب والدتي الحبيبة-ومحنة الاخوات الماجدات الحرائر -وحلاوة الاحفاد وروعة التذكار . وعندما نتحدث عن الوالدات والمُرضعات من رحلنّ عن هذه الدنيا الفانية رحمهنّ الله ومن لايزلنّ على قيد الحياة امد الله في اعمارهنّ في اعمال الخير والصلاح فينبغي أن تصمت كل الاشياء وتستيقظ جميع المشاعر والاحاسيس وتنتبه كل العواطف الجياشة وعلى كل مفردات الحياة ومعطياتها ان تتوقف وتنصت فقط . ففي اعماق هذه الانسانة الرائعة مايجعلك تحلق في سماوات غريبة بالفعل عن دنيا البشر- وكيف لايكون كذلك (والجنة تحت اقدامهنّ وقال ثم من ؛قال امك ؛ وكررها صلى الله عليه وسلم ثلاثا (سيد الخلق واشرف المرسلين) الذي قال فيه الله سبحانه تعالى( وانك لعلى خلق عظيم ) ثم قال ثم من ؛ قال ابوك- (والام مدرسة اذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق)وامي في نظري هي الجوهرة والكنز الذي حبانا الله به في هذه الدنيا بعد رحيل والدي رحمه الله -وفي حضرة جلالها وسموها المهيب يطيب الجلوس -يسميها شقيقي دكتور جمال بالمدير العام لأنها مدير بالفعل بحسن قيادتها وتوجيهها-ويطلق عليها اخي عاطف تاتشر المرأة الحديدية التي قادت بريطانيا في اوج قوتها-ويطلق عليها اخي عادل أم الرجال-واسميها انا سيدة نساء العالم-ويسميها الفقراء والايتام بام الفقراء وكل هذه المسميات تتوارى خجلا وتتواضع بالفعل في حضرة حنانها المهيب ودفئها العميق وانسانيتها العالية وعاطفتها المتقدة وعقلها الهادر وطموحها الكبير وفي هذا السياق التحية والمجد والخلود لكل الامهات على امتداد وطننا العامر بالجمال والمحبة والتقدير الاحياء منهنّ والاموات والتحية موصولة وممتدة لكل الامهات على امتداد بقاع الارض. الحياة والوطن برمته لاطعم ولانكهة له في غياب الوالدة وفراق الوالدة تحديدا من اقسى الاشياء وأمرها ووجعها على القلب وهذه حقيقة لايدرك كنهها ولايعرف معناها الا من اكتوى بنار فراق الام لذا اوصيكم بالامهات خيرا وأكرر أوصيكم بالامهات خيرا. عناق حار وطويل وسلام وتحايا نابعة من القلب للقلب مباشرة وتقبيل رأس الوالدة والجلوس في حضرتها واروع لحظات الحياة بلا منازع هي هذه اللحظة-وهي لحظة تنسيك الناس ودنيا الناس والمهجر وسخفه وبؤسه-ومايدور حولك -تذهب الاحزان وتنطفئ الجراح وتتجه بكل كيانك وجوارحك للاستمتاع بهذه اللحظات النادرة -ليس هناك في الدنيا منظر جميل يضاهي ان تكتحل عيناك وتستمع بشموخ الام وعظمتها وهيبتها وجلالها المهيب - بكل جمالها وروعتها وصدقها ووفائها ومحنتها وتقديرها ورجاحة عقلها وصواب فكرها ونظرتها الثاقبة للامور -حكمتها وهدوئها واتزانها العميق -حنانها الدافق ودفئها الساحر -وللقهوة في مجلس امي وكافة الامهات طقوس ونكهة محببة لاتخطئها عين فاحصة وتعجز اقزام الالفاظ عن وصفها -وللسكينة والرحمة والمودة التي تتنزل علينا وقتها شأن آخر لاقبل لي بوصفه لذا اوصيكم للمرة الثانية والالف بالامهات خيرا ووالله ووالله ومهما فعلنا لهنّ لانملك سوى الاعتراف بتقصيرنا الشديد تجاهنّ . انتصف النهار في وطن عزة ومهيرة وغردت طيور وطني الجميلة واقبل المساء-ومساءات وطني تبهج الفؤاد وتسر الخاطر والليل يرخي سدوله وبدأت جحافل الناموس والباعوض تغزو الليل -وانتهى اليوم الاول في الوطن مابين كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال واطايب الطعام ومالذ وطاب ،وليل الوطن طويل ذو شجون ووجد ويختلف عن ليالي المهجر الكالحة ، وذي لونية خاصة فيه انات المحرومين وسهر العيون الجميلة وفوضى العشق الابدي وصراخ المعذبين - فيه تنكأ الجراح وتستيقظ الفضيلة وبعض القيم النائمة وتنام الرذيلة وتذبح القيم - وقد قرأت مؤخرا في وسائل التواصل الاجتماعي التي غزت الدنيا واحالت هدوئها لضجيج صاخب ذلك الموقف الرائع المشرف (لبني سودان) والذي بموجبه حق لنا ان نفخر باننا سودانيون بالفعل وهو(ماحدث في الطائرة السودانية المتجهة من القاهرة للخرطوم ووجود حالة مرضية بين ركابها)وماسبقه من سلوك حضاري مشرف وانتظام في الصفوف في ارض المطار وتلك الفزعة والهبة والتكافل والتعاضد السوداني المميز داخل الطائرة من النوع الذي لم يخلق لغير (بني سودان) وأكررها لم يخلق لغير بني سودان بالفعل -مواقف مشرفة وباهرة فخمة تبهر العالم بالفعل ولايتمتع بها غيرنا فالمجد والخلود لشعبنا وقادمون نحن السودانيون لنعتلي عرش الصدارة والمجد ونسود الدنيا باذن الله - الامر الذي يجعلنا نفخر ونعتز بحق وحقيقة باننا أمة مميزة ومتفردة بالفعل ونتفوق على غيرنا من الامم والشعوب الاخرى. صباحات الوطن باهية نضرة مُفعمة بالحياة يانعة ومشرقة وزاهية -ونسائم وطني الصباحية عليلة وترد الروح- وبرد الوطن لطيف وقاسي وقارس في الوقت نفسه-والاحلام في وطني جميلة -والناس في بلدي اهل نخوة وكرم وشجاعة -اوفياء مخلصين كرماء رجال حارة واخوان بنات -اصحاب فكر وعزيمة وراي- يستيقظون مع البكور على اصوات الديكة- يصلون الفجر حاضرا ويمتطون دوابهم وسياراتهم وامجاداتهم وركشاتهم- يقطعون كباري العاصمة والمسافات البعيدة- يعرضون بضائعهم في الاسواق والبسطات وعلى جنبات الطرق يرتادون مطاعم الخرطوم الراقية الانيقة واحواش السمك -يذهبون الى الموردة صباحات الجمعة لاحضار الكبروس واسماك الشلبة الطاعمة. نحن وطن رائد صاحب تاريخ وحضارة وثقافة زاخرة -عامر بالخير والموارد والثروات والاهم من كل ذلك الانسان السوداني المميز المتفرد - ارضنا هي سلة غذاء العالم لو أحسن استغلال مواردها وخيراتها وثرواتها ووجهت اليها الامكانات والموارد والاستثمارات ذات العائد والنفع والفائدة والشراكات الاستراتيجية الذكية علينا ان لانعض عصا الندم ونلوم فقط الحكومات التي تعاقبت علينا منذ الاستقلال - فلقد اسهمنا جميعا حكاما ومحكومين واسهمت الاجيال التي سبقت جيلنا الحالي في تعميق جراحات الوطن وزيادة مآسيه - ليست الانقاذ وحدها من تتحمل وزر الوطن وتدميره وتدمير اخلاق ابنائه ونسف قيمه ومرتكزاته بل تساوى الجميع في ذلك لاسيما النخب الفاشلة التي عشقت ادمان الفشل -والاحزاب التي لم تتمكن من تطوير برامجها والياتها وعقد مؤتمراتها حتى تاريخه -ولايزال الساسة في وطني يغردون خارج السرب -يحاورون ويتجاذبون اطراف الحوار ويتبادلون الاتهامات وساس يسوس -ولاتزال العصبية والعنصرية والجهوية البغيضة تحتل مساحة واسعة في ادبنا وثقافتنا- ويهاتر بها بعضنا في معادلة غريبة على معطيات حضارتنا وتجاربنا الديمقراطية الرائدة بلغ عدد احزابنا وكياناتنا السياسية المسجلة اكثر من مائة حزب وهذا وضع غريب جدا يستعصي فهمه على ارقى الديمقراطيات المتحضرةالمعاصرة في العالم المتمدن -بلادنا سمحة وزاخرة بالخير والموارد - يشقها النيل وتجري فيها الانهار -وتتوافر فيها المياه الجوفية العذبة الصالحة للزراعة -والاراضي الزراعية الخصبة- ويحتوي باطن ارضنا على كم هائل من الثروات المعدنية النفط والغاز -انعم الله علينا بثروة حيوانية كبيرة -وبنموذج سوداني خالص متفرد في السماحة والطيبة حتى صار مضرب مثل للامم والشعوب الاخرى ذات تاريخ وحضارة وتحتاج فقط الى من يحسن ادارة هذه الثروات الهائلة وهذا التعدد والتنوع الجميل -تحتاج الى قيادة تحسن ادارة هذه الموارد وتوظيفها وتوجيهها التوجيه الصحيح - نحتاج الى نفر مؤمن بربه ودينه وعقيدته ورسالته في الحياة وحق شعبنا العظيم في ان يحيا حياة كريمة مشرفة -نحتاج الى ثلة من الشرفاء المؤمنين بالتحدي وحق الاوطان في تقرير مصيرها وتطوير وسائل واليات بقائها في صراعها الشرس ضد اساطين واباطرة الشر والفساد والانتهازية وعبدة الانا والمصالح الشخصية الضيقة القاصرة - لا ادري حتى اللحظة ماالمانع في ان يكون (اوبريت الراحل المقيم الشريف الهندي) او رائعة العطبراوي (انا سوداني) او تحفة اسماعيل حسن (بلادي أنا) هي انشودة الصباح المحببة للطلاب والطالبات في مدارسنا في محاولة جاهدة وجادة لغرس قيم الوطنية وحب الوطن وبناء جيل مؤمن بربه ووطنه وشعبه ورسالته نحوهما--- نواصل [email protected]