التاريخ أبدا لن ينسى....... التاريخ لن ينسى عندما أعلن الرئيس نِلسون مانديلا أنه لن يرشح نفسه للرئاسة مرّة أخرى في جنوب أفريقيا حتى يعطي الفرصة لأجيال جديدة تلعب دورها السياسي .... وبحُكم التاريخ والدور والمسئولية يستطيع مانديلا أن يبقى حاكماً لجنوب أفريقيا طوال حياته ....لقد دفع الرجل شباب عُمره من أجل قضايا وطنِه وشعبه وقضى في السجن ما يقرُب من ثلاثين عاماً وذاق كل ألوان العذاب النفسي والبدني والإنساني وظل مانديلا وفياً لقضاياه ... وكان يؤمن أن الطريق الى الحرية يحتاج إلى ثمن كبير وكان على إستعداد لأن يدفع هذا الثمن ودفعه بالفعل .. ولو أن مانديلا رغب أن يبقى طوال حياته في الحكم فلن يعارضه أحد .. ولن يكون ذلك بإنقلاب عسكري ... أو دبابة تجتاح مقر الرئاسة .. أو دبابة تحتل الإذعة والتلفزيون ... أو بإعتقال وقتل معارضيه .. ولكن ذلك سيكون بحُكم المَشاعِر العميقة التي ربطت بين الرجل وشَعبه .. إن رصيد مانديلا يعطيه الحق في أن يجلس على كرسي السلطة عشرات السنيين .. فهو رصيد مناضل دفع لوطنه ثمناً غالياً .. لأنه بإختصار لم يسرق .. ولم يكذِب .. ولم يقتل أحد ... لقد عفى مانديلا عن قاضيه الذي حكم عليه بالسجن .. وعفى عن من قاموا بتعذيبه في المعتقل . وتجلّت وطنيته وعدله وتغليب الحق العام على الحق الخاص بعد خروجه من السجن في بداية التسعينات حينما إنفصل عن زوجته ويني مانديلا في عام 1996 التي كانت رفيقته في النضال والتي تزوجها في عام 1958 ولهما بنتان ... والتي كان لها الفضل في صموده وإجتياز محنته وبحملاتها الضخمة عالميا ولمدة 27 سنة هي من ساعدته على الخروج من السجن هذا ما كان يصرح به دائما في ذكرياته وبسبب الشبهات التي حامت حولها وأبرزها قضية فساد مالي عندما إقترضت 100 ألف دولار فقط وأكرر فقط فلم تبن بها شاليهات أو قصور بملاين الدولارات .. ولم تنشئ بها منظمات خيرية معفية من الجمارك .. بل إقترضت هذا المبلغ الصغير جدا لمساعدة الفقراء في بريتوريا وكل هذا التاريخ الحافل بالنضال ضد الحكم العنصري ( الأبرتيد ) وقصة الكفاح التي ألهبت الملايين حول العالم ... كل هذا لم يشفع لها فقرّر مانديلا الإنفصال عنها وحكم على ويني منديلا زوجة الرئيس في الدولة الكافره الفاجرة... بالسجن خمسة أعوام !!! ؟؟؟ ورغم هذا لم يبق مانديلا في السلطة غير فترة رئاسيه واحده .... والتاريخ لا ينسى في عام 1968 ترك ديجول الرئيس الفرنسي قصر الأليزيه وكان الرجل بحكم تاريخه يستطيع أن يبقى في الحكم لكنه فضل أن يرحل حتى ولو كان الرافضون له شبابا صغار في عمر الزهور ( وشذاذ أفاق ) ويعتبره الفرنسيين الأب الروحي لفرنسا الذي له الفضل في استقلال بلادهم من الجيوش النازية أثناء الحرب العالمية الثانية لم يشفع التاريخ المشرف للرئيس الأسبق والأب الروحي شارل ديجول لدى الشعب الفرنسي الذي خرج في مظاهرات مناوئة له ، واستجابة لمطالب المتظاهرين الذين شكل الطلاب والعمال الغالبية بينهم قرر ديجول أن يجري استفتاء حول تطبيق المزيد من اللامركزية في فرنسا ، وتعهد قبل إجراء الاستفتاء بالتنحي عن منصبه في حال لم توافق نسبة كبيرة من الفرنسيين على تطبيق اللامركزية في البلاد . وفي مساء يوم 28 أبريل عام 1969 أعلن ديجول تنحيه عن منصبه بعد أن حققت الموافقة على تطبيق اللامركزية نسبة أقل قليلا من النسبة التي حددها سلفا . ولقد إتضح في ما بعد إن أمريكا (CIA) كانت وراء هذه المظاهرات وذلك لكشفه تلاعب أمريكا بالدولار وتغطيته بالذهب تلك القصة المعروفه في التاريخ ومازالت آثارها باقية وستبقى حتى الإنهيار . ويطول شرحها الآن وفي عالمنا العربي نموذج لحاكم ترك المنصب راضياً وقانعاً وهو الرئيس السوداني الأسبق عبد الرحمن سوار الذهب إن هذا الرجل سيذكره التاريخ بأنه الحاكم العربي الوحيد الذي ترك المنصب راغباً مختاراً .. ولكن مواقفه الأخيرة وإنغماسه ودخوله بكل قوة مع نظام الإنقاذ إلى أذنيه حتى وصل مرحلة المتحدث بحملة البشير الإنتخابية !!! هذا الموقف أفقده الكثير من الهيبة والإحترام لدى الكثيرين فماكان له أن يقحم نفسه مع أي حزب مهما كان هذا الحزب معارضاً أو حاكماً فاسداً أو صالحاً لكي يحافظ على إحترامه ووقاره خاصة في هذا العمر الثمانيني ويترك سيرة عطرة تتداولها كل الأجيال القادمة من بعده .. فالتاريخ لا يرحم كما سيذكر له وطنيته وموقفه النبيل في إنتفاضة أبريل 1985 حينما إنحاز الجيش وهو قائده للشعب فالرجل أوفى بوعده بتسليم السلطة للشعب في الزمن المحدد فهذا موقف نبيل يحسب له ... ولكن للأسف كانت اللمسة الأخيرة في حيات سوار الذهب غير موفقة على الإطلاق ( والعِبرة في الخواتيم ) فكذلك التاريخ لا ينسى أبدا المواقف المخزية ... وكان من المُمكن أن يكون سوار الذهب شخصية محورية وطنية محترمة ومُحايدة وكان من الممكن أن يلعب دور الوسيط في حلحلة مشاكل السودان الداخلية والخارجية للمكانة والرصيد الذي يتمتع به لكن للأسف أضاع كل هذا الرصيد وبالتالي فقد الحيادية ... وعلى حسب علمي وإطلاعي المتواضع شخصية سُوار الذهب شئنا أم أبينا إتفقنا أم إختلفنا مع الرجل له مكانة خاصة يحتفظ بها في العالمين العربي والأفريقي لوقفته مع الشعب في إنتفاضته عام 1985 وتسليم السلطة للشعب وهم لا يعلمون كيف إستلمها ؟ وكيف ترك السلطة ؟ وماذا فعل فيها ؟ الأهم إنه ترك السلطة راغباً لأنه حدث غريب للأفارقة والعرب وأصابهم الزهول لانها ثقافة جديدة لا يعرفونها ( ثقافتهم الكنكشة ) "ولن ينسى التاريخ قائد القوات البرية الغامبية و حديث في غاية المهنية مما أجبر الرئيس السابق يحي جامع بالتنازل فقضى يحي جامع في حكم غامبيا 22 سنة متسلط على شعبه الفقير وكان من الصعب أن يترك هذا الكرسي كحال حكام أفريقيا ودول العالم الثالث الفاسدين عموما فقال رئيس القوات البرية هذا التصريح مما إضطر يحي جامع بقبول نتيجة الإنتخابات والتنازل عن السلطة ومغادرة البلاد قال: إنابة عن قواتي سيكون الامن مضمونا 100%، لن يحدث شيئاً من الذي خفنا منه، و ما يعتقده الناس عن أزمة، هي ليست كذلك، هذا سُوء تفاهُم سياسي و يجب أن يحل سياسياً و ليس عسكرياً، لن يكون هنالك أي حرب او قتال هنا وإذا حضر اخوتنا من القوات المشتركة سنستقبلهم و نقدم لهم الشاي و نحن نتشارك هذه القيم من أجل افريقيا لن يقاتل أحد ، ندائي لكل الغامبين الذين هربوا أن يعودوا، كما قلت، لن يقاتل أحد. الرئيس السابق قال إنه يحب غامبيا، الرئيس القادم قال إنه يحب غامبيا، إذن لماذ نقاتل؟ وباي مبرر؟ هذا سُوء تفاهم سياسي، و لا يوجد حل عسكري للخلافات السياسية " فلم يقُل الجيش هو من يقرّر من سيحكم ... ولم يقُل هؤلاء خونة .. وعُملاء ... ومُرتزقة ... !!!!! ففي العالم الثالث هواية عجيبة هي الإستمرار في المنصِب تحت أي ظروف .. يجِلس الرئيس والوزير على كرسيه ربع قرن من الزمان وربما أكثر .. ويجِلس المدير في مكتبه نصف قرن .. وتدور عجلة الأحداث والزمن والكل جالس على أنفاس الكل .. مثل لاعب الكرة الذي يصِرُ على اللعب رغم أن الفريق مهزوم والجماهير تلقي عليه الحجارة ... وعليه أن يترك الملعب فوراً .. من أسوأ الأشياء أن يبقى الممثل يؤدي دوره بعد إسدال الستار وخروج المتفرجين وإطفاء أنوار الصالة نفسي وأمنيتي وبكل صدق أن أعرف ماذا سيحكي التاريخ عننا للأجيال القادمة ؟؟ هل ستنعلنا أجيالنا القادمة ؟ أم ستجد لنا الأعذار ؟ للأسف التاريخ لا يعرف الأعذار. ياسر عبد الكريم [email protected]