من المؤسف حقا . . ان بلادا بمساحه واسعه مثل السودان . . تحتضن مدنا هذيله (ومخجله ) وتفتقر لأبسط الخدمات الواجبة للحياه . . وباستثناء عاصمه البلاد القذرة بمخلفات البناء المرميه والمجاري المائيه المتفجره . . وعمليات الحفريات غير المكتمله والطرق النخره المحاطه باكياس النايلون ونفايات المطاعم . . نجد ان بقيه مدننا التي هجرها معظم سكانها زحفا نحو العاصمة . . كنتاج طبيعي لاختلال توزيع الخدمات . . وارتباط معظم العمليات المكتبية والاداريه بها . فكل من يرغب في علاج اكثر تميزا . . او تعليما افضل . . او فرصه عمل جيده . . ومن يرغب في الحج او العمره .. او السفر جوا او حتي بحرا او برا . . فما لم ياتي الي العاصمه يستحيل عليه كل ذلك . . لذلك ارتبطت العاصمه في اذهان العباد بانها ارض المعاد التي تشد اليها الرحال . . لذلك لا غرابه في ان تترهل بهذه الكيفية . . لدرجه ان مجاري الخيران والمياه ومجاري السيل الذي يجتاح العاصمه مطلع كل خريف . . والجبال تم مسحها . . لتلبية رغبة هذه الجيوش الجراره التي طردتها الاوضاع المترديه في مدنهم التي تعاني الاهمال والتهميش وجاءوا ليعيشوا في هوامش العاصمه التي اطلقوا عليها اسم (كرش الفيل ) لدرجه انه لا تخلو اسره سودانيه بشتي مدن البلاد المتراميه الاطراف من وجود (ممثل ) لها بالعاصمه . . ليقوم مكرها او مختارا بخدمه بقيه افراد العائله الذين يتدفقون طلبا لعلم او علاج او حتى رفاه في هذه المدينه التي صارت مثل اسطوره في حياتنا . . لذلك . . فلا غرابه اذا ان تصير عاصمتنا برغم حالها التعيس هذا . . من اغلي مدن العالم . . بفضل هذا التمركز اللامسؤول في الخدمات عليها . . وكنتيجه طبيعيه لهذا الانفجار السكاني في عاصمه البلاد وفي ظل غياب تام لضروريات الحياه والطوارئ . . ان تكنظ المستشفيات بالمرضي . . وتمتلئ المشارح بالجثث والاسواق بالقمامه ومخلفات البشر التي عجزت اجهزتنا الاداريه في التصدي لاصلاحها . . وتتعجب حي تاتي الي موقف المواصلات . .مع غياب تام لابسط الخدمات التي يحتاجها كل كائن يتنفس . . فضل عن ارواح بشريه تم تكريمها في اعلي السماوات . . ومن يحصل علي دوره مياه غير مكتظه لتلبيه ابسط ضروريات الحياه فكانما حصل علي الدنيا بحزافيرها . . وعبارات علي شاكله ممنوع البول التي يتم كتابتها التي نجدها في كل الحيطان . . ولربما علي اسوار القصر الرئاسي نفسه . . لها مدلولات لغياب اشياء هي من صميم الحاجه لاي تجمع بشري . . وقد ادي ارتباط بعض الخدمات الضروريه بالفواتير المزعجه الي مزيد من الضنك . . لماذا مثلا يصرون علي ربط الكهرباء بالماء الذي هو عصب الحياه . . هيئه الكهرباء تقوم بابتزاز المواطن وتؤجر له العداد شهريا . . حتي وان لم يستهلك الكهرباء . . فيدفع مرغما مكرها لهذا الايجار الذي يجعل قيمه العداد بتراكم السنين تفوق الخيال . . والنفايات . . تاخذ من كل غاشي وماشي. . والاوساخ تزداد تراكما . . والعفن يزداد نتانه . . والمستشفيات تتحصل بدءا من رسوم الدخول للمرضي وغير المرضي وانتهاء بالعلاج . . ومن يسافر مغادرا لمدينته . . يدفع علي سور الميناء البري ليدخل لينكوي بقيمه التزكره . . فواتير لا تنتهي . . ولست ادري لمصلحه اي وطن تذهب هذه الفواتير . . اللهم الا ان كان لنا وطن آخر . . غير مرئي . . يقوم هؤلاء بتشييده ليتم ترحيلنا اليه بنهايه خدماتهم التي امتدت بعمر انسان كامل النضج والوعي . . والله اعلم متي ستنتهي . . والمصانع وكل اله تدور تم نقلها لعاصمه البلاد . . لذلك . . فلا غرابه . . ان تنعدم التنميه ببقيه المدن . . بل ويصير بعضها غير صالح للسكن خاصه اذا كان هنالك مريض يعاني بالاسره من احد الامراض ( المركزيه ) . . اسميتها امراضا مركزيه لانه للاسف هنالك بعض الامراض لا تعالج الا بالمركز . . بل . . وهنالك بعض ( التصحيحات ) للاخطاء الطبيه التي يتم نقل ضحاياها للمركز لمعالجه هذه الاخطاء التي صارت بحجم الهموم المتراكمه علي اهل بلادي . . لماذا لا يقومون بعمل تنميه حقيقيه لكل اقليم . . وماذا يفعل الولاه في هذه ( البطاح ) التي تسمي عندنا مدنا . . ان ارادت الحكومه . . اقصد حكومه ترغب بحق في معالجه الامر . . فيجب ان تخرج بوزاراتها وعدتها وعتادها وجيوشها واتباعها وخيلها ونجداتها الي بقيه مدن البلاد . . لتكن العاصمة يوما هي الابيض . . يشيدون فيها القصور الرئاسيه والفلل . . ومدن الاحلام . . والمستشفيات الخمسه نجوم التي يتعالج فيها النخب . والمدارس الفاخره . . والمطاعم والحدائق والملاهي . وبذلك يكونوا قد خلقوا بنيات تحتيه لهذه الولايه . . ومن ثم يتركونها ويذهبوا الي مدينه اخري ليؤسسوا بها بنيات تحتيه . . فيعود مواطن الولايه ادراجه بعد ان تكون كل ضروريات هجرته الي العاصمه قد انتفت . . هذا اذا كانوا بحق يرغبون في عمل تنميه متوازنه بالبلاد . . والا فسوف يرحل كل الشعب السوداني الي عاصمه البلاد ويتركون الولاة بعمائمهم وعصيهم في مدنهم اليباب . . ان مشروع العاصمه المتنقله . . ليست مزحه او طرفه للتسليه . . ولكنا اذا تدبرنا الامر ونظرنا له من باب المصلحه للجميع . . نجد انه وحده الحل الناجع لعمل تنميه شامله في بلادنا وخلق توازن عادل تفتقر اليه مدن بلادي . . [email protected]