بعد شهور قليلة تحل الذكرى السادسة لانفصال الجنوب ذلك الحدث الذي تم في أوج أزمة الوطن ومر مرور الكرام ولَم يوثق أو يبحث إلا من أطراف قليلة رغم أنه (سونامي) عاصف كان لابد أن يكون له أثر بحجم تلك العاصفة وزلزال بأقصى درجات (رختر) ضرب الوطن وكان لابد له من توابع تهدم كل من تسبب في هذه الكارثة. لن اتحدث عن المظالم التاريخية التي أنتجت المشكلة ولا نقض العهود منذ الاستقلال الذى زاد الطين بلة ولاعن من حرض الجنوبيين على تمرد توريت بإشعال الفتنة بتزوير برقيات حكومة الأزهري في موضوع الكتبة خارج الكادر ولا عن من أطلق الشائعات حول أسباب استدعاء الكتيبة العسكرية الجنوبية من توريت إلى الخرطوم ولن أتوقف عند ما كتب من أن وراء كل ذلك كان الإنجليز بالتعاون مع أحزاب جنوبية وشمالية بسبب فوز الاتحاديين في برلمان 53 والخوف من اتخاذ أي قرار من أغلبية البرلمان للوحدة مع مصر ولا عن جولة زعماء بعض الأحزاب الشمالية في الجنوب والحملة التي قاموا بها بالتضامن مع حزب جنوبي قبيل وأثناء احداث توريت كل ذلك وغيره مما جاء في تقرير لجنة القاضي قطران التي كونها وزير الداخلية في ذلك الوقت، ولن أتوقف عند أسباب فشل مؤتمر المائدة المستديرة في الديمقراطية الثانية ولا مؤامرة اغتيال وليم دينق بعدها ثم نشأة الانيانيا 2، ولا عن اتفاقية أديس أبابا للسلام عام 72 وأسباب انهيارها، ولا عن أسباب تمرد د/ جون قرتق عام 83، ولا عن لماذا تخلف د جون قرنق في الديمقراطية الثالثة ولا عن اتفاقية السلام السودانية (الميرغني - قرتق) 1988 وأسباب تعليقها حتى يوم انقلاب الانقاذ. لن أتوقف عند كل ذلك وسأبدأ بتناول موضوع مقالي بداية من مؤتمر القضايا المصيرية أسمرا 1995 لأن كل ما ذكرته من أسباب أعلاه قتلت بحثا في ذلك المؤتمر في إطار بحث الأزمة الشاملة للوطن ووصلت كل الفصائل والاحزاب تقريبا إلى قناعات راسخة بأسباب الأزمة وترجم في ميثاق وطني وقع عليه الجميع بعد التعديل وإضافة الروية الموحدة لها وكانت مقررات اسمرا تلك قد وضعت تصورا للحل الشامل للازمة السودانية، فما الذي حدث وَقّاد الى الانفصال؟ ولماذا طرح على الحاج تقرير المصير كخيار في برلين؟ لماذا طرح قرتق الوحدة الكونفدرالية في جورجيا؟ وما هو موقف قرتق الحقيقي من قضية الوحدة ! لماذا التقط أهل الإنقاذ تقرير المصير فقط من بين كل القرارات المصيرية وزايدوا بها؟ هل أهل الإنقاذ كانوا يريدون الوحدة حقا؟ ومتى قرر التيار الإسلامي فصل الجنوب؟ ما هو دور الغرب عموما وأمريكا تحديدا في الانفصال؟ ما هو دور دول الإيجاد في انفصال الجنوب؟ كيف ساعد الموقف العربي السلبي على الانفصال؟ كيف دعم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين فكريا وماديا الانفصال؟ متى اتفقت الحركة لأول مرة مع حزب شمالي (الأمة)على تقرير المصير للجنوب(شدقم)؟ ما هو موقف الحركة الشعبية لتحرير السودان من تقرير المصير ثم الانفصال قبل وبعد بعد رحيل قرتق؟ سأحاول ان اجيب على هذه الأسئلة من وجهة نظري التي تحتمل الخطأ والصواب دون ترتيب مستفيدا من اطلاعي ومعايشتي للأزمة ومساهمتي في بعض مشروعات حلها منذ مؤتمر القضايا المصيرية وما بعدها ولأنني لم أؤمن يوما بتقسيم الوطن السودان فقذ يكون ذلك مؤثرا على خطى في موضوع البحث. بداية ومن دراسة لمنطوق اتفاقية السلام ومنطق التجارب التاريخية ولحساب أصحاب المصلحة في الانفصال كان لابد أن يختفي د/ جون قرنق من المشهد بعد تحقيقه تلك الاتفاقية تماما كما كان مطلوبا أن يختفي السادات ثم رايين بعد اتفاقية كامب ديفيد، خصوصا بعد الاستقبال الجماهيري الكاسح لقرنق في الساحة الخضراء الذى أوضح جليا خطورة الرجل على مشروع الانفصال. الغرب عادة يستعين بالزعماء والرؤساء الذين يتصفون إما بالشجاعة النادرة أو التهور لدرجة الخروج عن المألوف في تحقيق مخططاتها والتي قد تتفق مع مصلحتهم مؤقتا حتى ولو كان حراكهم (الزعماء) وطنيا ثم تتخلص منهم فورا حتى لا يخرب هؤلاء ما يهدفون إليه في نهاية الأمر لنفس ما قدمناه من صفاتهم التي قد تتجه بهم وجهة مغايرة لما يهدفون وتغييرهم بقيادات تحت السيطرة من شخصيات بمواصفات محددة فكان أن اغتيل السادات وخلفه مبارك واغتيل قرنق وخلفه سلفا. قرنق والحركة الشعبية والوحدة تدرج موقف الحركة الشعبية من قضية الوحدة عما ورد في منفستو التأسيس من الرفض الكامل للتجزئة في افريقيا ومن ثم السودان ومن إقامة دولة علمانية موحدة قائمة على المواطنة. وحاربت الحركة الانفصاليين واتخذت منهم موقفا صارما. في 12 ديسمبر 1994 اجتمعت الحركة مع حزب الأمة في شقدم بوفدين ضم كل سلفا كير وجيمس وانى ود/عمر نور الدايم ومبارك الفاضل واقرا حق تقرير المصير للجنوب دون المناطق الأخرى. في اجتماع معهد كارتر في جورجيا بأمريكا وتحت اشرافه جرى حوار في سبيل توحيد الفصائل الجنوبية وطرحت قضية تقرير المصير ووافقت الحركة عليها وكان ذلك اضافة لبيان شقدم تغييرا جذريا في موقف الحركة من الوحدة عما ورد في المنفستو فسرتها في حينها بأنها ملتزمة بوحدة السودان كما جاء في المنفستو ولكن حق تقرير المصير فقط ضمان لتعزيز الوحدة الاختيارية وإذا ما طرح الاستفتاء على تقرير المصير فان الحركة تلتزم بالدعوة للوحدة. وفي مؤتمر القضايا المصيرية أسمرا طرحت الحركة الشعبية قضية حق تقرير المصير وشملت رؤيتها مناطق من جبال النوبة والانقسنا مع اعتبار ابيى جزءا من الجنوب ووافقت لجنة تضم الحركة والفصائل الشمالية من المؤتمر على حق تقرير المصير للجنوب بحدوده لعام 56 مع التحفظ على إعطاء ذلك الحق للمناطق الأخرى بعد مرحلة انتقالية مناسبة يطبق فيها البرنامج المقر في مؤتمر القضايا المصيرية لإعادة الثقة بين الشماليين والجنوبيين مع إعطاء الوحدة افضلية أولى. عند صياغة القرارات المصيرية رفض د / أحمد السيد حمد ممثل الحزب الاتحادي التوقيع على القرار رغم مشاركة مندوب عن الحزب في اللجنة التي أعدت المشروع وكان رأيه أن السودان قد تقرر مصيره بموافقة الجنوبيين على الوحدة في مؤتمر المائدة المستديرة عام 47 ثم استقلال السودان الموحد عام 56 . وحلا للإشكالية قررت هيئة قيادة التجمع تكوين لجنة سُميت لجنة (تحسين مقررات اسمرا للقضايا المصيرية) برئاسة الدكتور عمر نور الدايم وهذه اللجنة لم تجتمع أبدا ورغم ذلك صدرت المقررات خالية من توقيع الحزب الاتحادي في ورقة (الوحدة وتقرير المصير) أمام اسم الدكتور احمد السيد. في إطار المفاوضات مع الحكومة في الإيقاد طرحت الحركة خريطة الدولتين الشمال والجنوب في إطار مقترح لها بالكونفدرالية وأحدث الموقف الجديد للحركة ردود فعل مختلفة بين حلفائها وفسرت الحركة مشروعها الجديد انه موقف (تكتيكي) في مواجهة حكومة الخرطوم وأنها لازالت ملتزمة بالقرارات المصيرية، في أكتوبر 1998عقد اجتماع بين الحركة والحزب الاتحادي في القاهرة ورأس الطرفين يوسف كوة واحمد السيد وصدر (بيان القاهرة) الذي أكد تمسكهما بوحدة السودان أرضا وشعبا، في 22 مارس 1999 وفي اجتماع لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في جنيف وبدعوة من مجلس الكنائس أعلنت الحركة انها سوف تقترح الكونفدرالية بشكل محدد في اجتماعها المرتقب مع الحكومة خلال ابريل 1999. في 20 يوليو2002 وقعت الحركة الشعبية اتفاق (مشاكوس) في كينيا الذي أعد له المبعوث الأمريكي دان فورث بعد جولات مكوكية بين دول الإيجاد وأصدقاء الإيجاد ومصر والسودان وقرر بعدها عقد اجتماع منفرد بين الحركة والحكومة بمعزل عن قوى المعارضة الأخرى وخرج الطرفان الحكومة والحركة كل يلقى اللوم على الاخر مع أن القرار كان أمريكيا بمباركة جميع الأطراف الحركة والحكومة والإيجاد وأصدقاء الإيجاد وفي غياب وعجز الطرف العربي وعلى رأسهم مصر ووهن المعارضة الشمالية. بتوقيع الحركة على مشاكوس دخلت قضية الوحدة نفقا جديدا. وردا على ردود الفعل الناقدة لموقف الحركة جاء الرد التقليدي الذى يصعب رفضه لأنه واقع مرير لابد من تقديره على لسان قرنق تماما كما حدث عند توقيع الحركة شمال والفصائل المسلحة وغير المسلحة الأخرى على خارطة الطريق طيبة الذكر أخيراً في أديس من ردود من الموقعين :- 1- وقعنا حتى لا يقال عنا اننا لوردات حرب. 2- وقعنا حتى نوقف إطلاق النار ونزيف الدم. 3- وقعنا حتى نمرر الإغاثة. وأضاف قرنق في اتصال مع الميرغني: أنا ضمان الوحدة، وقال لي الميرغني أنا أثق تماما في قرنق لأنه رجل حكيم (في تقديري ليس لذلك فحسب فقد كان قرنق سنده القوى الأساسي في زعامة المعارضة) وتحت إصرارنا على الملاحظات السلبية في الاتفاقية قال الميرغني؛- ياخى (أرسل حكيما ولا توصه). مع ذلك وفي ايّام أصدرت كتابا حمل عنوان "جنوب السودان بين قوة السلام وسلام القوة " فيه سرد تاريخي وسيأسى وثقافي لإشكالية الجنوب انتهى بفصل قدم نص اتفاقية مشاكوس والنقد له وأصدرت لجنة الدستور في التجمع دراسة نقدية كاملة لكل فصول الاتفاق (راجع النص في المرجع السابق) وكتبت منظمات المجتمع المدني رأيها في البروتكولات وكذلك كتب المثقفون عن مشاكوس فعلى سبيل المثال كتب الاستاذ طه إبراهيم المحامي معلقا على حديث قرنق حول أسباب قبول مشاكوس؛-" لا أحد يستطيع أن يلوم الحركة على السعي لتحقيق أهدافها ولكن الحركة في هذا الاتفاق تجاوزت حدودها بأن تبرعت بأن تفرض على الشمال أو توافق أن يفرض على الشمال حكم الشريعة دون مبرر أو تخويل أو صلاحية" وإذا كانت امريكا تعتبر حكومة الخرطوم ممثلة لكل الشمال ومعها دول الإيجاد وأصدقائها فلا يجب أن تتجاهل الحركة حلفاءها من أغلبية الشمال والتي عزلت من مشاكوس بعلمها وموافقتها في النهاية حتى وإن لم يكن برضاها الكامل كما بررت. وجاءت نيفاشا بعد ذلك على نفس خطى مشاكوس بنظامين سياسيين في دولة واحدة إسلامية في الشمال وعلمانية في الجنوب ووضعت مشاكوس خارطة طريق الانفصال وبوركت في نيفاشا ونفذت رغبة امريكا والغرب والنظام (كما سنرى لاحقا) والانفصاليين من الحركة الشعبية بتدليس إرادة الشعب السوداني في شماله وجنوبه لتحقيق انفصال باطل بطلان زواج عتريس من فؤادة في الفيلم المصري المشهور. اسمع هذه القصة سمعتها من القائد مالك عقار اكثر من مرة امام شهود لتضيف دليلا على ما أقول من بطلان :- " أدركنا أن نتيجة الاستفتاء لن تكون إيجابية من خلال تجربة المرحلة الانتقالية التي كانت من خلال الأداء خصما على الوحدة وليس جاذبا لها وان مسالة الوحدة لم تختبر وان نتيجة الانفصال ستكون وبالا على الجنوب والشمال معا واجتمعت قيادة الحركة وكلف سلفا كير مالك عقار ان يتصل بحكومة الخرطوم لتأجيل الاستفتاء لثلاث سنوات على الأقل وقال مالك " ذهبت إلى نائب الرئيس على عثمان وقدمت له الاقتراح لم يبدو متحمسا وقال لي قابل الرئيس، وذهبت إلى البشير وعرضت عليه مقترحنا بتأجيل الاستفتاء على تقرير المصير فقال لي لا لا لا ... لا أستطيع ان أؤجل الاستفتاء ليوم واحد بعد هذا أنا عندي ناس متطرفين حيعملوا مشاكل كبيرة لو أجلت الاستفتاء، ويضيف مالك قلت له : يا سيادةً الرييس المتطرفين العندك شوية ناس بالكتير يهاجموك في جامع، سلفا صاحب العرض عنده انفصاليين عندهم جيش مسلح ممكن يتمردوا عليه في أي وقت ومع ذلك قدم مصلحة البلدين دعنا نؤجل الاستفتاء نعطى خيار الوحدة فرصة أكبر من ناحية ومن ناحية نستعد جميعا لأى احتمال وحين وجدت الإصرار على الرفض لملمت اوراقىً وخرجت " +++++ الحلقة القادمة: o الإجابة على بقية أسئلة المقدمة. o دور الإيجاد -سلبية الدول العربية. o الجبهة القومية الاسلامية وكيف قررت الانفصال منذ عام 79 o الإنقاذ وامريكا والغرب كيف نسقا لهدف الانفصال. o منبر السلام العادل كيف رسم دوره وموّل. o الأحزاب الشمالية أين قصرت. o ثم :- ما العمل +++++ د/ابو الحسن فرح الخرطوم 22 فبراير 2017 [email protected]