(الازمة الصينية ) وعدنا فى المرة السابقة ان نتطرق فى هذا المقال الى الاقتصاد الصينى ومايحدث فيه ، فى اتصال بالازمة الامريكية، والتى نعتقد ويعتقد شهودنا من اهلها انها مقدمة لازمة عالمية طاحنة ، قد تتفوق على الكساد العظيم . كمقدمة نقول : ظلت مناقشات حامية تدور وسط قبائل الماركسيين حول : ما اذا كان ماتقوم به الصين هو محاولة الوصول الى الاشتراكية عن طريق الراسمالية ، ام انه تراجع كامل عن الهدف الاشتراكى . واوردنا فى هذا السخرية الهندية التى تقول : ان قيادة الحزب الشيوعى تشير يسارا ولكنها تتجه يمينا . وبدون سفسطة نظرية دعونا نرى ما يحدث على ارض الواقع الاقتصادى الصينى حسب مراجع مختلفة . اصبح اقتصاد الصين هو الاقتصاد الثانى فى العالم بعد الاقتصاد الامريكى ، وبلغ ناتجه الاجمالى حوالى عشرة ترليون دولار . كذلك ظل يسجل نسبة نمو تزيد على العشرة بالمائة سنويا ونموا فى الصادرات والواردات ..الخ ولكن .. تراجعت نسبة النمو فى العام السابق الى -2016- 6.7% ، ونتيجة للصعوبات المعترف بها فى مواجهة الاقتصاد ،فقد خفض توقع نسبة النمو للعام الحالى الى 6.5 % . ليس هذا فحسب ، بل ان نسبة الديون الى الناتج القومى قد تخطت 270%! – يعتبر الاقتصاديون ان تخطى نسبة 60% يعتبر انذارا بالخطورة لابد من وضعه فى الاعتبار – كذلك انخفضت الصادرات للسنة الثانية على التوالى ، وفى السنة الماضية بنسبة 7.7% بينما انخفضت الواردات بنسبة 5.5% . يقول مصدر اقتصادى آخر : يعيش الاقتصاد الصينى وضعا حرجا ، ففى الوقت الذى تسعى فيه بكين لتحويل اقتصادها ليرتكز على الخدمات والاستهلاك الداخلى ، فانها تحرص ايضا على الحفاظ على الاستقرار الاجتماعى والوظائف . وفى نفس الاتجاه يقول البروفسير دينغ – من جامعة لندن : هناك تذمر فى صفوف الصينيين العاديين ، مع فقدان الوظائف وتقليص الخدمات . هذا ماكان من امر اوضاع الاقتصاد الصينى بشكل عام ، فماذا عن علاقته بالاقتصاد الامريكى ، وماذا عن اثر هذه العلاقة على الاقتصادين ومن ثم على الاقتصاد العالمى ، الذى بالقطع سيتاثر بما سيحدث لاكبر اقتصادين فى العالم ؟ خلال العام 2016 تراجع اليوان الصينى أمام الدولار الامريكى بنسبة حوالى 7% ، وهى ضعف نسبة التراجع فى عام 2015 . فى هذا يقول الرئيس الصينى ان الصين لن تخفض عملتها بقصد مساعدة الواردات ولن تدخل فى حرب عملات مع شركائها التجاريين . غير ان شاهدنا الاول ، السيد جيم يقول فى تحليل هذا الامر : ( الصين فى طريقها للافلاس . الاحتياطيات من العملات الاجنبية انخفضت بنسبة 25% من قمتها فى 2014 . كان هذا نتيجة هروب راس المال ، بطريقة قانونية وغير قانونية ، بمافى ذلك سداد الدين . ثم يتساءل عن اسباب هذا الهروب ويعدد الاسباب التالية : الاغنياء الصينيون يحاولون اخراج فلوسهم باسرع ما يمكن ، خوفا من تخفيضا كبيرا للعملة على نهج ماحدث فى1994 ، عندما خفضت الصين عملاتها بالثلث . يقول المحللون العاديون ، ان هذا ليس شيئا مفزعا ، فمازالت هناك ثلاثة ترليونات دولار من الاحتياطى ، وهى مبلغ لايستهان به . ويقول شاهدنا ان هذا التحليل خاطئ . ذلك لان تريليونا واحدا منها غير سائل، فهو يتكون من اشياء لايمكن بيعها بسرعة . تريليون آخر يجب الاحتفاظ به كضمان لانقاذ البنوك الصينية التى تتحمل امواجا من الديون الهالكة على مؤسسات تابعة للدولة . هروب راس المال المستمر يخفض الترليون المتبقى بمعدل 80 بليون فى الشهر .) ويؤكد مصدر آخر المعلومة الاخيرة بان تخارج راس المال قد بلغ 710 مليار دولار حتى تاريخه . وينتهى جيم الى : ( هذا يعنى ان الصين ستكون بلااحتياطيات بنهاية العام 2017. ثم يتساءل عمل يمكن ان تفعله الصين لتفادى الافلاس ، ويضع احد الاحتمالات التالية : 1- ان ترفع اسعار الفائدة لتدافع عن العملة – غير ان هذا سيقتل الاقتصاد ويفاقم ازمة الديون . 2- تضع قيود على خروج راس المال – وهذا سيقلل فرص الاستثمار الخارجى المباشر ويدفع هروب راس المال الى قنوات غير قانونية . 3- تخفض سعر اليوان – هذه ابسط واسهل طريقة لخروج الصين من الصندوق . غير ان هذا التخفيض لكى يكون فعالا ن فلابد من ان يكون كبيرا . هذا التخفيض الكبير ، عندما يحدث ، فان حرب العملات والتجارة التى ستحدث نتيجة له ، سيجعل تصحيح السوق ب11% الذى حدث نتيجة لتصحيح 2015 يبدو كرحلة . ) ويعتقد جيم انه سيضيف الى الصدمة العملاتية العالمية الكبرى منذ تخفيض الجنيه الاسترلينى قبل خمسين سنة . من ناحية أخرى فقد اعرب الامريكيون عن مخاوفهم من اندلاع حرب تجارية مع الصين ، وقد بدأت تلقى بظلالها بالفعل على المستقبل الاقتصادى للعام 2017 . ومع ذلك فان ترامب يسعى لزيادة الجمارك على السلع الصينية ، وهو ماسيؤثر سلبا على صادرات الصين لامريكا ، وبالتالى يفاقم الازمة لديها . واكثر من ذلك فانه لواستطاع ترامب ان يمرر سياستة بتخفيض الضرائب على الشركات الامريكية بهدف اعادتها الى الحظيرة ، فان ذلك سيؤثر ايضا على الاستثمارات الحالية الموجودة بالصين وكذلك على مستقبل الاستثمار الامريكى هناك . وهكذا يتصارع الفيلان ، غير ان الصراع هذه المرة لن ينتهى بموت الحشيش وحده ، ولكن بموت الفيلين ايضا ولو بعد حين ، خصوصا ان الصراع مرشح لان يتخذ اشكالا اكثر عنفا . الدليل على ذلك مااعلنه ترامب من توجيه تريليونات الدولارات لانتاج اسلحة متطورة للوقوف امام الطموحات الصينية ، التى بدت تظهر فى شكل احتكاكات على بعض الجزر وتطوير كبير للمقدرات الحربية الصينية بالمقابل . وفى تقديرى ان للقضية جانب نظرى فى غاية الاهمية . فقد انتهى القرن العشرين بهزيمة المعسكر الاشتراكى الذى كان بقيادة الاتحاد السوفيتى ، وقد كانت هذه النهاية غير المتوقعة حتى من اعدائه سببا فى ان يخرج علينا منظرو المعسكر الرأسمالى بما أسموه نهاية التاريخ ، اى على النظام الراسمالى . غير ان مايحدث الآن فى قائدة المعسكر الراسمالى وكذلك فى الصين السائرة فى الركب على نهاية غير معلومة ، يؤكد مرة أخرى صحة الافتراضات النظرية لماركس .