هذا الفشل وهذا الصراع والتدهور الأخلاقي الذي نعيشه اليوم هو نتيجة لخيانة الوطن نعم هي الخيانة وليس غيرها وهي التي أنهكت هذا الوطن الجريح وأذلت شعبه .. والخيانة هي ليست وليدة هذا العهد ... فمنذ الاستقلال ونحن ندفع ثمن خيانة وخذلان هذه النُخب السودانية وأحزابها المتخلفة للشعب .. وخابت ظنوننا في هؤلاء الخونة ... ولكن الفرق الآن أصبحت من غير ثوب وبلا حياء وزادت وتيرتها في هذا العهد ... الفرق بين خيانة الضمير والواقع هو التنفيذ واليوم نحن نشهد التنفيذ العملي والمتسارع للخيانة ويقال عن الخيانة هي الجريمة التي يدفع ثمنها من لم يقترفوها ... فنحن اليوم الشعب السوداني ندفع ثمن هذا الجرم الذي لم تقترفه أيدينا ... وقبل أن نلقي التهم جزافا يجب أن نعرف معنى كلمة خيانة الخيانة هي : عمل من أؤتمن على شئ بضد ما أؤتمن عليه وبدون علم صاحب الأمانة .. فمثلا نحن كشعب لقد قمنا باتمان أشخاص على أمورنا وقد يحدث هذا بالقوة مرغمين على ذلك أو قد يأتي بالرضاء في النظم الديمقراطية وبكل تأكيد لا نعلم ولا ندري ما يحاك ويدار خلف الكواليس وخاصة في نظام الحكم الإستبدادي والذي يفتقر إلى الشفافية وتنعدم فيه الحريات لكي يطّلع عامة الناس على الذي يدار في دولتهم ... فإذا فعلوا هؤلاء الناس الذين أخذوا على عاتقهم حماية أرواحنا وأعراضنا وأموالنا وأراضينا ... وأصبحت أرواحنا رخيصة وسرقوا أموالنا وباعوا ورهنوا أراضينا وكان كل ذلك في غير مصلحة الوطن والمواطن فهو على حسب هذا التعريف تعتبر خيانة لا تغتفر رغم أن الخيانة في المفهوم اللغوي تعني الغدر وعدم الإخلاص وجحود الولاء إلا أن مفهومها - كمصطلح - قد شابه الغموض، تبعاً لتطور مفهوم الدولة، وتطور النظم السياسية. ففي ظل النظم الاستبدادية الدكتاتورية - قديماً وحديثاً - جرت العادة من الناحية السياسية على أن الخيانة تعني إلقاء التهمة على الخصوم السياسيين في الدولة والذين يختلفون معهم ليس في حب الوطن والوطنية بل يختلفون معهم في الرأي وذلك للتنكيل بهم والحكم عليهم بل وقطع أرزاقهم وسجنهم وقتلهم ... وفي أحسن الأحوال إبعادهم عن مسرح الحياة السياسية. والخائن يختلق لنفسه ألف عذر وعذر ليقنع نفسه بأنه فعل هذا الشي .. مثلا الذي قام بتغيير نظام التعليم في السودان أبسط إنسان من الشارع يعلم تماما إن هذه خيانة عظمى لم يشهد لها التاريخ مثيلا في كل الدنيا ... وهو لم يستشر علماء النفس والإجتماع وعلماء التعليم في مثل هذا الأمر الخطير فدمره تدميراً فهذه تعتبر أكبر خيانة للوطن إلا هؤلاء القوم الذين مارسوا هذه الجريمة في حق الوطن تجدهم يجدون الأعذار لجريمتهم بمبررات واهية ... وهذا الخائن الذي ساهم في تدمير التعليم والوطن هو لم يُشنق بل شنق الآخرين وغفر له من غفر من أصحاب السلطة ولكن لا يُنسى .... والذي قام بفصل الجنوب ووقع على هذه الاتفاقية وحارب بشراسة وشدة لوجهة نظر لا يعرف عواقبها تعتبر خيانة ذهنية بعينها أيضا ... وطعن في ظهر الوطن ..وكذلك الخائن الجاهل الذي كان سمسارا في بيع وتدمير مشروع الجزيرة فهذه خيانة كبرى أيضا ... ونحن بحاجة لتعليم الناس ماهي حقوقهم وواجباتهم وواجبات الدولة عليهم ... من هنا يبدأ التغيير ... والخيانة أيضاً لم تقتصر في هذا العهد فقط ففي العهود السابقة مثالا تدمير مدينة حلفا وترحيل أهلها لبناء السد العالي لمصلحة دولة أخرى .. فهل تمت استشارة الشعب صاحب هذه الأرض الذي ايتمنكم على عرضه وماله وأرضه ؟ طبعا لا إذاً هي خيانة وإنشغال الناس هذه الأيام بجزئيات تافهة كتشكيل الحكومة .. ومخرجات الحوار الذي استمر عامين وأنفق عليه المليارات من مال الشعب الذي هو في حاجة لهذه المليارات لتوفير العلاج والتعليم ... وكذلك الذين ينشغلون بالإتحاد العام للكرة وإنتخاباته ودور الفيفا ... والإنشغال بشخصيات تافهة تملقت للسلطان لأجل وظيفة ولم تجد هذه الوظيفة ... وفي حين الأمة تجتث من جذورها بالأمراض والفساد والجهل والجوع والحروب هذه الإنشغالات من أعظم الخيانة لها ... والخيانة تهزم الشعوب دون أن يقاتلهم عدو ودون أن تُطلق رصاصة واحدة عليهم ... لأن الخيانة هي الطلقة المميتة... وهي سببا في بداية أول خطوة يخطوها العدو في أرض الوطن لأنها تؤدي لدمار الدولة وانهيارها وبالتالي انهيار المجتمع .. ويستباح الوطن أرضاً وعرضاً وتُفتقد النخوة ... وينتشر الفساد ولقد قال أبوذر الغفاري في الخيانة لمعاوية بن ابي سفيان حين رآه يبني قصرا فارهاً : إذا كان هذا من مالك فهو إسراف وإن كان من مال الأمة فهي الخيانة ... ليتك ترى القصور يا أباذر التي شيدوها الخونة ولم يسألهم أحد ... وفي الخيانة أيضا قال نابليون بونابرت : الذي خان وطنه وباع بلاده لغيره مثل الذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه وقال الخليفة أبوبكر الصديق : أكيس الكيس التقوى ' وأحمق الحمق الفجور ' وأصدق الصدق الأمانة , وأكذب الكذب الخيانة ... فالخيانة كذبه ... وأخطر ما جاد به هذا الزمن الكئيب أصبحت الخيانة وجهة نظر والخيانة لا تنجح أبداً لأنها إذا نجحت سميناها إسماً آخر .. الوطن هو الأم والأب والإبن والأخ والأخت والحبيب ومن يخون الوطن فقد خان كل هؤلاء ولعظمة جرم الخيانة وتأثيرها على الوطن والمجتمع والفرد كانت الخيانة واحدة من آيات المنافق الثلاثة في قول الرسول عليه الصلاة والسلام : آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان [email protected]