٭ يتعرض المجتمع السوداني لضربات موجعة ومتلاحقة بسبب الواقع الاقتصادي الاسود وتتعرض عملية الحراك الاجتماعي الى هزات متلاحقة تصل في كثير من الاحيان الى حد الزلزلة التي تهدد البيئة الاجتماعية وتعرضها الى الوقوع في دائرة الخلخلة والخضوع الى معطيات جديدة تصب كلها في خانة السلب. ٭ وضربات الواقع الاقتصادي للغالبية العظمى من الاسر كادت ان تقضي على الكثير من المقومات الايجابية للشخصية السودانية وتقود الى تزييف وعي الانسان واعاقة وتشويه امكاناته العقلية والوجدانية الروحية وتحطيم قدراته الابداعية.. وبالتالي يعمل هذا الواقع الاقتصادي الاسود على تفكيك بنية المجتمع الاساسية. ٭ بالفعل بدأت بعض الظواهر التي تهدد كيان النسيج الاجتماعي من اهمها السلبية في المشاركة السياسية من جانبها الفكري والتنظيمي وظهور بعض الجماعات المتطرفة في فهم الحياة سواء أكان هذا التطرف الديني المنكفئ الذي يكفر الاشخاص والحكومات او كان التطرف الاستلابي الغارق في نمط الحياة القريبة من جانبها الاباحي والوجودية الجديدة.. واتساع وشيوع قيم الانتهازية والوصولية واعلاء المصلحة الذاتية على مصلحة الجماعة او مصلحة الوطن. ٭ والقسوة والعنف في التعامل مع الآخرين وعدم الاهتمام بالفنون والثقافة والعلوم. ٭ الميل الى اطلاق الاحكام العامة وادانة الفكر الآخر وسيطرة الافكار الخرافية وشيوع الاحتيال والكذب والتضليل والغش في كثير من معاملات الناس في السوق او في غيره. ٭ لن يأتي اصلاح هذه الاختلالات الا عبر استراتيجية شاملة وواقعية وشجاعة لانقاذ الشخصية السودانية وبالتالي اعادة السلام الاجتماعي الذي مزقته اسلحة الواقع الاقتصادي اللئيم والسياسات الاقتصادية التي تعاملت مع الانسان كرقم. ٭ وهذه الاستراتيجية يجب ان تراعي الواقع السوداني بكل معطياته حتى تمكن من اعادة الحياة والقوة للبنية الاجتماعية التي اخذت في التفكك والتلاشي. ٭ حدثتني احدى معارفي عن المأساة التي حلت بجارتها.. قالت لي بعد ان توفى زوجها.. ترك لها خمسة ابناء وثلاث بنات.. الابناء اكبرهم قد هاجر الى ليبيا بحياة والده واخباره انقطعت عنهم والثاني ضبط ضمن عصابة تتاجر في المخدرات وحكم عليه بالسجن والثالث ترك الجامعة بعد ان عجزت الاسرة عن دفع المصاريف واختفى بدوره وبقيت مع بناتها الثلاث اللائي تركن المدرسة وطفلين آخرين ما زالا في مرحلة الاساس. ٭ البنات يخرجن من الصباح بحثاً عن العمل.. وكل سكان الحي يلوكون سيرتهن وهي الآم امتهنت صناعة الكسرة.. مسكينة حتى عندما لجأت لاخوانها واعمام ابنائها قالوا لها نحن ذاتنا نبحث عن المساعدة. ٭ قلت لها هذه حالة واحدة ضمن ملايين الحالات فإسقاطات الواقع الاقتصادي تضرب في العمق دائماً. ٭ لكن هل نحن مدركون تماماً لهذا؟ اتمنى. هذا مع تحياتي وشكري الصحافة