مفارقات حاتمية.. عباس دلاقين!؟! * كان جالساً في تلك المسطبة.. أمام دكان هارون.. بُعيد صلاة العشاء.. في انتظارنا لإعداد وجبة (البوش) اليومية المعتادة.. خاصة في أواخر الشهر..!؟ * العيون محمرة.. والشعر منكوش رغم المشيب وخطوط الزمن.. والسفة المعتادة ظاهرة للعيان من مسافة بعيدة.. ألقيت التحية.. وجلست بالقرب منه.. أطلق من صدره هواءً ساخناً.. لم يرد التحية كالعادة.. بل سألني بصيغة الهجوم: * يا أستاذ.. نحن جيران كم سنة؟.. قلت مدة طويلة.. والحمدلله وابتسمت.. وهذا مدخله دائماً للكلام في السياسة.. (يا ساتر).. واصل قائلاً.. طيب ليه الواحد ما يلقى فرصة مسؤولية في البلد دي..؟ .. شالونا صالح عام بدري.. دون سبب.. والحمدلله البركة في (الأمجاد).. سيارته المفضلة.. ما أنا متعلم وعندي شهادات جامعية عليا.. وكنت مدير مدرسة ثانوية (عليا) ناجحة ومشهورة.. بعض (هؤلاء) تخرجوا تحت يدي الى الجامعات.. رغم (بلاويهم).. زمان؟!.. * يعني إلا أكون (كوز).. يا أستاذ.. يخلوا عندهم (دم).. أنا ما داير وزير تعليم.. ولا (والي) زي صاحبنا الفاشل.. لأكثر من ربع قرن.. ولا داير أراضي.. ولا مزارع.. ولا مدرسة قديمة أبيعها.. أو أرهنها لبنك.. ولا داير مدير شركة.. أو مؤسسة.. ولا حتى مدير إذاعة أو (تلفزيون)..؟!! * داير.. أشتغل بي ماهية.. إن شاء الله بدون مخصصات إضافية.. زي بدل العلاج.. واللبس.. والتذاكر.. وعربات وحراسة.. وبدل (تعدد) زوجات.. كفاية عندي (الحاجة).. وهي لا تفهم في التجارة.. ولا العقارات.. وتجارة الأراضي.. والسفر دون أسباب.. هي تفهم فقط (الجرورة) من دكان هارون.. وربع الكيلو كل كم يوم من جزارة (عم حسين).. والدقيق من طاحونة ود الباشا.. وأبعد (حتة) تسافر ليها ناس (أمها) لأسباب عائلية فقط..!؟ * أنا ما داير (أصحاب) غير هارون.. وإنت.. رغم فلسكم الذي تهرب منه الفئران (!!!؟).. * داير (ماهية) تستر الحال.. ما داير (خزنة) في المكتب.. حتى لا أضطر لحمل (الشغل) للبيت.. ولا أن (أرأس) لجنة مشتريات.. لأن الأمر شديد (الإغراء).. عشان (الواحد) لو اشترى قميص جديد.. الشماتة يقولوا ليك شايف.. (أمك) القروش مرقت غصباً عنه.. وأنت عارف نقة السودانيين.. وجني وجن.. النيابة.. والحراسة.. وسين وجيم.. (وموتي) الأحمر المحاكم.. عشان كده يا أستاذ .. أحب أكون في السليم.. لكين هل (الجماعة) بيدونا فرصة.. مش دي بلدنا برضو.. ولا نحن جايين من (الواق الواق).. ما قرينا في الجامعات.. (وحبينا) في البلاط.. وولدونا في الراهبات.. بس الزمن ما بيدي حريف.. وجماعتك (جو) لقوها باردة.. رغم أنها كانت مكشوفة..؟! * أثناء الحديث.. تم تغيير (السفة) عدة مرات.. أخرجها من شفته السفلى.. بالسبابة والإبهام.. ومسح يده بطرف جلبابه.. ابتسمت رغماً عني.. أخفيت الابتسامة لأنه نظر الي شذراً.. كرهت البوش.. وسنين (الفتة).. ولكنه صديقي الأثير..؟! * أحضر هارون صحن (الفتة) وزجاجات البارد.. التهمنا كل شئ صامتين.. أخذت الإذن بالانصراف الى المنزل.. لمشاهدة المصارعة الحرة.. تمنيت أن أكون أحدهم حتى أهاجر.. أو أخوض (معارك) حرة.. مع ما تبقى من أهل شارع المطار..؟!! * فكرت ملياً في كلام صديقي اللدود.. وعرفت أن الشغل في البلد دي.. شغل (كيمان) كما ذكرت بالأمس..!؟! * هذا الساخر.. لا يستحق كل هذا الحزن الذي يحمله.. أولاده عبر البحر الأحمر في السعودية والخليج.. وابنته تعمل في كبرى مشافي لندن.. ولكنه دائم البحث عن كيانه.. وكينونته الخاصة كما كان في أيام خوالي.. ورغم ذلك كان منطقياً.. (وحاتمي) التفكير.. * فجأة تذكرت حكاية.. (حاتم الطائي).. ابتسمت ونمت.. والصباح رباح..!؟! صلاح أحمد عبدالله الجريدة