الأموال التي ظلت تدفعها الحكومة لحل مشكلة النفايات دون فائدة خلال ثلاثة عقود تقريباً يمكنها أن تؤسس للسودان أروع مشروع للنظافة في العالم، فالنفايات لم تعد مجرد أوساخ يلقى بها ويتم حرقها والسلام كما كان في الماضي، بل أصبحت من أعظم الموارد، وإن استثمرتها الدولة لن تحتاج إلى أن يدفع المواطن رسوم نفايات وستملك أكثر المهن جاذبية لأن عائدها يصرف على العاملين فيها بسخاء، فمن النفايات يتم إنتاج أكثر المواد استهلاكا، ولكن لأن المسؤولين في السودان يفكرون بعقلية البصيرة أم حمد لم يستطيعوا فعل شيء أبداً ولم يتقدم مشروع النظافة قيد أنملة، والمؤلم حقاً انهم جميعاً يفكرون بنفس العقلية. رئيس المجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية بولاية الخرطوم الجديد حسن إسماعيل يمضي على درب سلفه عمر نمر، فقد قال إنه لا بد من توفير (70) مليار جنيه لإنجاز مشروع نظافة الولاية، (وأن المال عند المالية أو عند المواطن المخدوم ودي خدمة مدفوعة الأجر). كما شكا معتمد محلية أم بدة عبد اللطيف فضيلي، من عدم كفاية رسوم النفايات الشهرية، و كشف عن دراسة لتكلفة نقل النفايات أوضح إنها توصلت لضرورة سداد المواطن مبلغ (120) إلى (150) جنيه شهرياً. لأن الرسوم الحالية غير كافية وهي (23 جنيها)، معتمد الخرطوم اللواء أحمد أبوشنب، اعترف بتدهور أوضاع النظافة وقال إن (الوضع محتاج لشغل كثير) وأضاف مهما أحضرنا من الشركات والآليات والعمال ان لم يتم تنسيق مع المواطنين سيظل الوضع على ما هو عليه، وانتقد سلوك المواطنين وقال إن مشكلة النظافة ليست في الآليات، و(الحاصل في الخرطوم هو بسبب سلوك المواطن) وهو غير ملتزم بأوقات إخراج النفايات. إن كان هؤلاء المسؤولين يفكرون من أجل المصلحة العامة لما قالوا كل هذا الكلام الذي ينم عن سطحية تفكيرهم وانشغالهم بجمع أموال المواطنين من أجل الصرف عليهم، فالمحليات لولا أموال النفايات لما قبل معتمد أن يعمل بها، وما قاله حسن إسماعيل ليس صحيحاً فمعالجة النفايات أصبح استثماراً يعيد كل المبالغ التي تصرف عليه، بل ويدر أموالاً إضافية تضمن استمراره إلى الأبد، وهذا يدحض كلام معتمد أم بدة أيضاً، ثم لماذا استقدم خبير أجني والموضوع لا يحتاج إلى خبراء، وهناك مشاريع تم تقديمها من قبل سودانيين لوجه الله يمكنها تحل المشكلة نهائياً، ما على حكومة الخرطوم إلا أن تتبناها، أما سلوك المواطن فهو مقرون بسلوك الحكومة والمواطن يتصرف حسب البيئة التي توفرت له. حقيقية قضية النظافة لم تعد مشكلة كبيرة لأية دولة وبالنسبة للسودان فالمشكلة في عقلية المسؤولين الذين تعاملوا مع القضية بلا رؤية علمية أو خطة بل جعلوا منها مضيعا للمال ولكن لأنهم المستفيد الوحيد لن يغلبهم إيجاد الأسباب حتى ولو كانت غير حقيقية مثل قلة المال وسلوك المواطن، وكل ما يفكرون فيه من حلول لن يغير الواقع وإنما هو ضغط على المواطن وهدر للأموال بلا فائدة. التيار