"ممنوع الاقتراب والتصوير منطقة عسكرية" على الرغم من هذه اللافتة التي قد تكون معلقة أمامنا ونحن نحاول أن نفتح اليوم ملف وزير الدفاع الفريق أول عبد الرحيم محمد حسين في سلسلة تقييمنا للوزاء قبيل التغيير الوزاري المرتقب ولأن المنطقة عسكرية نحاول وبحذر أن نبحث في إيجابيات وسلبيات أداء الجنرال خلال تقلده منصب وزير الدفاع وخيارات البقاء والرحيل. لا يمكننا التحدث اليوم عن عبدالرحيم دون أن نشير في أول الأمر عن العلاقة المميزة والعميقة التي جمعت بينه والرئيس المشير عمر البشير حيث ظل الرجلان منذ ظهورهما على المسرح السياسي عقب نجاح تحرك الإنقاذ في الثلاثين من يونيو 1989م الذي لعب فيه العقيد –حينها- عبد الرحيم محمد حسين دوراً محورياً وأساسياً في مراحل تخطيطه المختلفة وشارك بفعالية في الاجتماعات التحضيرية للتحرك بالسلاح الطبي حيث كلف بالاستيلاء يوم التحرك على منطقة وادي سيدنا العسكرية والتي تمكن من السيطرة عليها في وقت مبكر من فجر الجمعة الثلاثين من يونيو 1989م. وتقول السيرة الذاتية لحسين إنه من مواليد كرمة البلد بدنقلا في العام 1949م ودرس المرحلتين الابتدائية والمتوسطة –اللتين تعادلان سنوات الأساس بالنظام التعليمي الحالي- في البرقيق وتلقى تعليمه الثانوي بمدرسة دنقلا الثانوية العليا ثم نال دبلوم الهندسة الميكانيكية من معهد الخرطوم الفني ثم عمل مهندساً ميكانيكياً. انخرط في السلك العسكري عام 1973م وتلقى تدريباً عسكرياً بالكلية الحربية السودانية لمدة عام وتخرج ضابطاً وعمل بمعهد القوات الجوية بمنطقة وادي سيدنا العسكرية حيث تلقى عدة دورات تدريبية أبرزها دبلوم صيانة المقاتلات بالاتحاد السوفيتي وماجستير لتصميم الطائرات بانجلترا بجانب حصوله على ماجستير للعلوم العسكرية من كلية القادة والأركان في العام 1986م. همزة الوصل لم يقتصر دور الرجل على الجانب العسكري فقط وإنما أتبعه بآخر هو توليه لعملية الاتصال والتنسيق بين العسكريين وقيادات تنظيم الحركة الإسلامية وذراعه السياسي الجبهة الإسلامية القومية باعتباره أحد منسوبي الحركة الإسلامية الذين التحقوا بالعمل في القوات المسلحة تعزيزاً لاستراتجيتها الخاصة بخلق كيان تنظيمي لها وسط منسوبي القوات الملسحة، ولاحقاً تم تأطير هذه المهمة حينما تم تعيينه في موقع الأمين العام لمجلس قيادة ثورة الإنقاذ الذي كان يرأسه الفريق ركن-حينها- عمر البشير. أتاح له موقعه كأمين عام لمجلس قيادة الثورة ملازمة البشير بشكل مستمر داخلياً وخارجياً، خلال شغله لذات الموقع كلف بأول حقيبة تنفيذية وزيراً للداخلية في يناير 1993م واستمر فيها لمدة عام ونصف ولعل أبرز حدثين مرا عليه خلال تلك الفترة أحدهما سياسي وهو حل مجلس قيادة الثورة واختيار البشير رئيساً للجمهورية وثانيهما جنائي بتنفيذ مجموعة لهجوم مسلح على مسجد الشيخ ابوزيد محمد حمزة بالثورة الحارة الأولى في يناير 1994م استشهد على إثره العشرات – الذي اشتهر بعملية (الخليفي) نسبة لمنفذها الليبي محمد عبد الرحمن الخليفي- حيث تم إلقاء القبض على الجناة مساء اليوم التالي وقدموا للمحاكمة التي قضت بإعدام الخليفي. بعد نصف عام من تلك الحادثة كلف الرجل في تشكيل وزاري جديد وزيراً لرئاسة الجمهورية ووضح أنه تم لثقة البشير فيه استناداً لفترة عمله أميناً عاماً لمجلس قيادة الثورة وظل طيلة فترة وجوده بالقصر ملازماً للبشير في تحركاته المحلية والخارجية بحكم موقعه الوزاري كوزير لشؤون الرئاسة. الانحياز للرئيس شد حسين عصا الترحال الوزاري في العام 1998م مجدداً بالعودة لوزارته الأولى (الداخلية) التي استمر فيها لحين تقديمه استقالته منها منتصف العام 2005م عقب حادث انهيار أحد المباني بجامعة الرابط الوطني التابعة للشرطة، ولعب الرجل دوراً محورياً من خلال وجوده بوزارة الداخلية إبان خلافات الإسلاميين بين معسكري الرئيس والأمين العام للحزب د.حسن الترابي حيث سعى في بادئ الأمر لمحاولة لملمة الخلافات بينهما وكان أحد المنظمين لاجتماع ليلي قبل ساعات من انعقاد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام للمؤتمر الوطني في أكتوبر 1999م امتد حتى الساعات الأولى من الصباح بين البشير والترابي أعلن فيه الطرفان نزع فتيل الأزمة بينهما إلا أن مجريات الأحداث التالية أظهرت عكس ذلك حينما قرر الترابي حسم المعركة في أروقة ذلك الاجتماع بإسقاط مساندي البشير في الانتخابات الداخلية للحزب، ومنذ ذلك الوقت اختار حسين الانحياز لصف البشير لحين انجلاء المعركة بين الطرفين بإعلان المفاصلة النهائية بين الإسلاميين. ارتبط وجوده على رأس وزارة الداخلية خلال تلك الفترة باندلاع الأحداث في دارفور في العام 2003م التي تصدت لها قوات وزارة الداخلية وحينما أحيل الملف للمحكمة الجنائية صدرت أوامر بالقبض على كل من وزير الدولة بالداخلية-حينها ووالي شمال كردفان الحالي- احمد هارون وعلي كوشيب ثم رئيس الجمهورية ثم أضيف حسين لقائمة المطلوبين من قبل المحكمة الجنائية. خيار (الدفاع) حينما تلقى البشير استقالة حسين من وزارة الداخلية ذكر عبارة مفتاحية أشارت إلى أن الرجل سيعود للأضواء مجدداً بقوله:"إن تلك الاستقالة هي استراحة محارب" وشوهد الرجل طيلة فترة استقالته ملازماً ومرافقاً للرئيس في كل تحركاته الداخلية وعند الإعلان عن التشكيل الوزاري لحكومة الوحدة الوطنية التي تم تشكيلها عقب بداية الفترة الانتقالية في سبتمبر 2005م كانت أبرز المفاجآت تكليفه بحقيبة وزارة الدفاع. أهم الإنجازات التي ارتبطت بالرجل خلال شغله لموقعه بوزارة الدفاع هو تنفيذ القوات المسلحة للترتيبات الخاصة بإعادة الانتشار المنصوص عليها في اتفاق السلام الشامل، وثانيهما إجازة القوانين الخاصة بالقوات المشتركة المدمجة والقوات المسلحة بجانب إعادة تنظيم وهيكلة الجيش السوداني بشكل جديد يقوم على إنشاء هيئة أركان مشتركة تنضوي تحتها ثلاث هيئات لكل من القوات البرية والجوية والبحرية. أهم الأحداث التي وقعت خلال شغل حسين لوزارة الدفاع كانت الاتهامات التشادية للخرطوم بدعم هجومين لمعارضتها على إنجمينا كادا أن يؤديا لإسقاط نظام الرئيس التشادي ادريس دبي، أما الحدث الأبرز فهو هجوم حركة العدل والمساواة على أم درمان في مايو 2008م، وانتقال الحرب لولاية شمال كردفان بشن قوات الجبهة الثورية المعارضة لهجوم على مدينة أم روابة واستيلائها على ابوكرشولا قبل أن تتمكن القوات المسلحة من استعادتها لاحقاً. أما على المستوى الخارجي فقد شهدت منطقة هجليج اندلاع أول مواجهات مسلحة بين دولتي السودان عقب انفصال الجنوب حينما قامت جوبا بالاستيلاء على حقول هجليج النفطية التي تم استردادها من قبل القوات المسلحة، كما تعرضت البلاد لهجمات اسرائيلية بالهجوم على قافلتين بالمناطق الحدودية الشمالية واستهداف سيارتين ببورستودان ثم شن غارة على مصنع اليرموك جنوبالخرطوم. مساعي إقالة مرات عديدة إبان تلك الأزمات لوح نواب بالبرلمان – بما في ذلك نواب عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم- باتجاههم لسحب الثقة عن حسين وتحميله مسؤولية أي تطورات سلبية بالمشهد العسكري بالبلاد من أطراف داخلية او خارجية، إلا أن تلك المحاولات لم تشهد أي تحركات فعلية برلمانياً باستجوابه – باعبتاره الإجراء السابق للتداول حول سحب الثقة عنه- لأنها تحركات ذات طابع شخصي غير صادرة عن المركز القيادي للحزب الذي يوجد على رأس هرمه رئيس الجمهورية. لكن دعونا نفترض أن النواب فلتوا عن طوع الحزب ونجح مسعاهم باستجواب الوزير وحتى التصويت على إقالته فإن تطبيق هذا الأمر وسريانه لا يسري إلا بموافقة رئيس الجمهورية عليه وبالتالي فإن رفضه لقرار حجب الثقة لا يترتب عليه تبعات دستورية على وجود الوزير بالوزارة وسيقتصر الأمر على الجانب السياسي باعتباره بات لا يحظى بثقة البرلمان والنواب. ابتعاد حزبي ينظر البعض لحسين باعتباره أحد المعرقلين لتطبيق الاتفاق الموقع بين مساعد الرئيس ونائب رئيس حزب المؤتمر الوطني د.نافع علي نافع ورئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال مالك عقار في يونيو 2011م – والشهير باتفاق (نافع/عقار)- ولعل ما عزز هذا الأمر هو توجيه انتقادات عنيفة للاتفاقية بالصحيفة الناطقة باسم القوات المسلحة ثم حضوره مع البشير صلاة الجمعة بمسجد النور بكافوري التي خاطب فيها المصلين وأعلن خلالها رفضه لذلك الاتفاق، ولاحقاً انخرط الرجل في رئاسة المباحثات السياسية والأمنية بين دولتي السودان. يلاحظ المراقبون نقطة أخرى على حسين خلال السنوات الأخيرة، فرغم أنه يعد أحد الكوادر العسكرية ذات الخلفية الإسلامية المنتمية حركياً للإسلاميين لكنه بعيد عن الأنشطة الحزبية لحزب المؤتمر الوطني الحاكم وخارج إطاره القيادي وذات الأمر ينطبق على وجوده بتنظيم الحركة الإسلامية وكان يشاركه في ذات المنحى وزير رئاسة الجمهورية الفريق اول ركن بكري حسن صالح إلا أن الثاني ظهر عقب المؤتمر الأخير للحركة الإسلامية نائباً لأمينها العام. سيناريوهات المستقبل لعل السؤال المطروح الآن؛ استناداً لتلك المعطيات هل يتوقع أن يغادر وزير الدفاع الحالي الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين موقعه في حال حدوث تعديل وزاري أم سيبقى فيه؟"، طبقاً للوقائع واستناداً للثقة الكبيرة التي يحظى بها عند البشير فيستبعد مغادرته لمنصبه في أي تعديل وزاري، أما الأمر الثاني الذي قد يستوجب وجوده ضمن الجهاز التنفيذي هو ضرورة توفير حماية دستورية وقانوية للرجل باعتباره مطلوباً لدى المحكمة الجنائية الدولية الذي يرفض السودان حالياً أي مبدأ للحوار أو التعاون معها. لكن هذا الأمر لا يعني استبعاد خروجه من موقعه الوزاري لكن في حال حدوثه فيتوقع أن يتم بأحد سيناريوهين أولهما إجراء تبديل مواقع بينه وبين وزير رئاسة الجمهورية الحالي الفريق اول ركن بكري حسن صالح بحيث يتوجه الأول وزيراً للرئاسة وينتقل الثاني لمقر وزارة الدفاع، فالقاسم المشترك بين الرجلين ليست البزة العسكرية التي يرتديانها وإنما تمتعهما بثقة غير محدودة وكاملة من البشير وتمسكه بوجودهما بجواره وعدم تفريطه في أي منهما. مع وجود فرضية أخرى تقضي ببقاء صالح بموقعه الوزاري الحالي واستيعاب حسين ضمن طاقم مساعدي رئيس الجمهورية بالقصر، وتكليف شخصية عسكرية أخرى بأعباء الدفاع. أما السيناريو الثاني لخروجه من الوزارة فسيكون بتولي البشير لحقيبة الدفاع –سبق له الجمع بين رئاسة البلاد ووزارة الدفاع والتي تكررت من حكام البلاد العسكريين والمدنيين في الحكومات العسكرية والديمقراطية- وتعيينه قائداً عاماً للقوات المسلحة الذي ظل شاغراً منذ استقالة البشير بعد إحالته للمعاش قبل انتخابات 2010م وحينها سيكون ترتيبه الثالث عشر ضمن الضباط السودانيين الذين تولوا هذا الموقع منذ استقلال السودان. حدوث هذا الإجراء بتعيينه قائداً عاماً للقوات المسلحة سيجعله خاضعا سياسياً لرئيس الجمهورية وفنياً لوزير الدفاع –الذي سيكون في هذا السيناريو هو نفسه رئيس الجمهورية – أما على الصعيد السياسي العملي لهذا الإجراء فهو عدم وجود أي مسؤولية مباشرة له كقائد عام أمام أي من الجهات التنفيذية او التشريعية بخلاف الرئيس ووزير الدفاع. نخلص لهذه الصورة المرسومة لوزير الدفاع الفريق أول ركن مهندس عبد الرحيم محمد حسين بأنه ليس مجرد وزير يشغل موقعا وزاريا ولكنه أحد المقربين للغاية من البشير وموضع لثقته ولذلك يصر على الاحتفاظ به في كل المرات. السوداني