عضو المجلس السيادي د.نوارة أبو محمد محمد طاهر تلتقي رئيس الوزراء    كامل إدريس يقف على مجمل الأوضاع بمطارات السودان    معارك ضارية ب (بابنوسة) والدعم السريع تقترب من تحرير الفرقة 22    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    مسؤول بهيئة النظافة يصدم مواطني الخرطوم    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: التقديم الالكتروني (الموحّد) للتشكيل الوزاري    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دارفور قراءة في دفتر الازمة ومآلات الصراع

بحلول السادس من فبراير المنصرم , قد دخلت أزمة دار فور عامها العاشر ، الازمة التي تفجّرت ولم تحمل أي عنصر للمفاجئة لأي مراقب حصيف ، إذ أن المقدمات والمهيئات موجودة ومنذ أمد بعيد لنشوب أزمة كهذه . إن قراءة عجلى لتاريخ إقليم دارفور وعلاقته بالمركز تبيّن لنَا أنّ الأزمة لم تكن وليدة السادس والعشرين من صيف أبريل العام 2003م ، التي انطلقت من الهجوم على محلية قولو بمنطقة مرة جبل ، فللأزمة جذورها التي تعود إلى أيام الاستقلال والسنوات التي تَلَتْ وما حادثة الهجوم على منطقة قولو إلا صورة من صور تطور الأزمة ودخولها مرحلة جديدة هي الأعنف والأشد ضراوةً من نوعها ، دخلت على إثرها الدولة السودانية بكاملها أزمة أخرى أكثر تعقيدا بعد حرب الجنوب ،و متاهة طالما تعذر الخروج منها ..تاريخيا ظل إقليم دارفور خارج الحكم الإنجليزي المصري ستة عشر عاما تحت حكم السلطان علي دينار الذي عاد من معارك المهدية والتي كان أحد قاداتها ، حيث عاد على رأس مجموعة من زعماء القبائل بدارفور فقضى على حكومة السلطان حسين أبوكودة الذي يتخذ من مدينة الفاشر عاصمة له وشكل حكومة بمواصفات اليوم هي حكومة قومية ‘ بما جمعت من اثنيات مختلفة تمثل غالبية قبائل دارفور ، وأسس دولته على أسس حديثة من حيث نظام الحكم والإدارة والعلاقات الخارجية وكان وعيه متقدما إذ ربط دولته بتركيا مركز الخلافة الاسلامية آنذاك الأمر الذي أزعج الإنجليز فقاموا بالقضاء عليه في السادس عشر من سبتمبر1916م وتم ضم الإقليم الذي ظل مستقلا عن بقية السودان طوال تلك الفترة , ولم تستطع الحكومة البريطانية الإستغناء عن نظام الإدارة الأهلية القائم آنذاك وهو نظام ضارب في القدم ويعتبر تراث إنساني تليد يدل على حضارة شعوب المنطقة و كما هو معروف فإنّه الآن يُدّرس في بعض الجامعات الغربية وقد شهدت فترة الحكم الانجليزي قيام أول مدرسة بمدينة الفاشر سنة 1917م هي المدرسة المزدوجة ثم قامت مدارس أخري في فترات تالية ولم يذعن أهل دارفور كعادتهم كامل الإظعان ، إلا ان المستعمر كان أكثر حكمة وتوازناً في تعامله مع محاولات الخروج وإلا لو أنه كان بدرجة حماقة حكام العهد الوطني لأحالوا مدينة الفاشر إلي رماد ولما أبقو ا أحدا ًمن أهل دارفور وذلك حينما تم احراق علم بريطانيا العظمي في مدينة الفاشرسنة 1952م الأمر الذي لم يحدث في أي مستعمرة من المستعمرات في البلاد التي خضعت للتاج البريطاني ، وكان لاتساع رقعة المستعمرات اطلقت عليها الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ، كذلك اصطدمت محاولات المستعمر برفض أهالي دارزغاوة إقامة كنيسة في المنطقة بالإضافة إلى ثورة الشهيد السحينى بجنوب دارفور ولعل هذه بعضا من صور العلاقة بين دارفور و المركز في عهد الحكم البريطاني أما في العهد الوطني فقد ظهرت بوادر الثورة والرفض في وقت مبكر جدا مما يدل على الوعي التام بمسالة الحقوق والإحساس بالغبن تجاه المركز والظلم الذي ربما مُورس ضد الإقليم حتى في ظل حكم الإنجليز حيث كان جلّ موظفي الدولة آنذاك من الشمال النيلي إلا و ما الذي دفع بظهور حركة احتجاجية في وقت لم يلملم فيه المستعمر اعقابه ويرحل نهائيا ؟ ام أن الاحساس ما زال قائما في النفوس وبعد اربعين عاما من حكم الإنجليز بأن دارفور دولة مستقلة وبخروج المستعمر و زوال السبب يجب أن ترجع الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل السادس عشر من سبتمبر 1916م وهو تاريخ استشهاد السلطان علي وضم دارفورإلى بقية السودان . لقد ظهرت حركة اللهيب الأحمر وهي حركة سياسية احتجاجية سنة 1957م أي بعد عام واحد فقط من الاستقلال ثم تنظيم (جبهة سوني) 1963-1964م وهي جبهة عسكرية تضم بعض العسكريين الذين حاربوا بجنوب السودان ، ثم ظهرت حركة نهضة دارفور(1964-1965م) بزعامة أحمد ابراهيم دريج الذي أصبح فيما بعد حاكما على الإقليم في عام 1981 م ثم غادر مغاضبا عندما لم ترُقْ له سياسات المركز في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري وأخيرا وقبل تفجّر الأزمة الحالية ظهرت حركة داؤود يحي بولاد أحد كوادر الحركة الاسلامية وذلك في العام 1991م في وقت لم تبلغ فيه حكومة الجبهة الاسلامية سوى سنتين وبضعة أشهر من عمرها وإذا كان الرجل من المشهود لهم بالمجاهدات بحسب أدبيات الجماعة الإسلامية فما الذي دفع بالرجل إلى الخروج في وقت أُعلن فيه قيام دولة الشريعة التي كرّس كلَّ حياته لها و أمضى سنيّ عمره الخضر في السجون من أجلها بل وذهب الرجل بعيدا جدا حينما حاول دخول دارفور من بوابة الجنوب ومدعوما من قبل الحركة الشعبية ؟ لا شك أنّ شيئا ما لم يرُق له بل أشياء كثيرة..كل هذه الإرهاصات لم تُلقِ لها الحكومات المتعاقبة بالاً فظل الإقليم في حالة إهمال شبه تام من حيث التنمية ، مقارنة بمساهمته في الدخل القومي الذي يقدر بحوالي 45% أو يزيد، فقد ظل الإقليم في حالة احتراب قبلي ،ونهب مسلح ، ومجاعات وهي ظروف لا شك تدفع بالغبن إلى أقصى الحدود ، وتجعل الناس اكثر استعدادا واستجابة لأي فكرة مهما كان الثمن وقد كان ..لا أحد من ا لناس العاديين بدارفور من أهل القرى التي كانت آمنة و يأتيها رزقها رغداً ، كان يتصوَر إن ما بعد صباح السادس والعشرين من شباط فبراير2003م يكون مختلفا تماما عمّا قبله ، سنوات من الأسى والموت والنزوح والتشرد، لا يتصوّر أحد أن قريته ستصبح أثرا بعد عين، وأنّ حقوله و(جنينته ) التى ورثها أباً عن جدا ستسباح وتصير مرعى، ولا أحد من الشباب الغرّ الذين اندفعوا وحملوا السلاح يتصّور أنّ أيام الحرب ستطول وتطول ..لكنه الغضب المؤجّج والغبن المتراكم ، إذ لا شىء يوقفه يومئذٍ ، انطلقت الحرب في ضراوة تلتهم كل شئ ، حرب وحرب مضادة بين الحركات المسلحة والحكومة واذا كان لحملة السلاح ما ينطلقون منه من مبررات للقتال ضد المركز ، فإن للحكومة أيضا رصيد من تجارب حرب ضروس كان عليها أن تسفيد منه في عدم الدخول في حرب جديدة إذ أنّ جراح حرب الجنوب لم تندمل بعد ، ما زالت تنزُّ دما ً، لكنها الحماقة الحمقاء فألقت الحكومة بثقلها في حرب جديدة وكأن الحرب قد اصبحت هواية وطبعا في النفوس ، وكأن جراحات العشرين سنة لا تكفي فلا بد من فتح جرح جديد في خاصرة الوطن، لتكون المحصلة مزيدا من التيتم والثكل والترمل و الإعاقة والفقر ، سفّهت الحكومة آراء الناصحين والعقلاء وضربت بها عرض الحائط ، وذلك حينما كانت الأزمة في بدايتها وكلنا يذكر مساعي الفريق ابراهيم سليمان وحكمته ونصائحه التي ما بخل بها على أحد سواء الحكومة أو قادة الحركات المسلحة ولكن لم يجد نفسه إلا كما وجد الشاعر الذي نصح قومه و لم يتبيّنوا نصحه إلا بعد فوات الأوان:
نصحتُ قومي بمنعرج اللوى * ولم يتبينوا النصحَ إلا ضحى الغدِ
ولاتَ ساعة مندم..واليوم والأزمة تدخل عامها العاشر فالكل فيها خاسر ومهزوم فهاهي الحركات تتاسقط كما تتساقط أوراق الشتاء ، وتتسابق لتُباع وتشترى في سوق التفاوض ثم تأتي لتدين نفسها وتاريخها وذلك بوصف الذين لم يوقعوا بالمتاجرين بالقضية كما فعل الدكتور سيسي يوم حفل تدشين السلطة الاقليمية حيث قال بملء فيه قد انتهى عهد المتاجرة بقضية أهل دارفور ألا يعني هذا أنه احد المتاجرين وبتوقيعه قد انتهى الامر وكثيرون فعلوا ذلك وهكذا فكلما وقّعت حركة أو إن شئت قل (وَقَعَتْ ) لعنت أختها وكالت لها التهم ونبشت أسرارها بل و قاتلتها نيابة عن قوات الحكومة هذا من جانب الحركات التي أثبتت بالفعل أنها ( مجرد حركات) ليس إلا..أما الحكومة فإنّ رعونتها وفقدانها للحكمة لم تضرّ بها وحدها فحسب لكن أضرّ بهذا الوطن ككل في وقت كانت فيه فرص الحل ممكنة ، فإنها لو أعطت أهل دارفور فوق ما طالبوا بعشرة أضعاف لكان أهون عليها وعلى الو طن من دخول الغريب ، فكأنّ السودان اليوم تحت احتلال غير معلن ولا يحس بهذ ا إلا من ذهب الى دارفور ووقف على حجم القوات الأممية الموجودة هناك وآلياتها الضخمة وهي أكبر بعثة في تاريخ الأمم المتحدة فلا توجد حكومة عاقلة ومدركة لسناريوهات السياسة العالمية واتجاهاتها تفتح الباب على مصراعيه وبتصرفات خرقاء لدخول قوة بهذا الحجم إلى أراضيها كما أنه وفي ظل تطور مفاهيم حقوق الإنسان وتنامي نشاط منظمات المجتمع المدني والتقدم التكنولوجي الهائل في مجال نقل المعلومة والذي أدى إلى تخطي الحواجز التقليدية و مفاهيم السيادة الوطنية ،إنه في ظل هذا الوضع الجديد لم تعد الشعوب كأغنام في زريبة يفعل بها الحكام ما شاءوا أن يفعلوا ، إن بوابة حقوق الإنسان يعتبراليوم من أكبر البوابات التي يتم من خلالها التدخل في البلدان شاء الناس أم أبوا وعندها لا يجدي الكلام عن استهداف الأمة ومقدراتها بل الغبيُّ هو الذي يهيء مثل هذه الفرص ثم يقف يولول كالمرأة الثكلى، كان أجدر بحكومة مثل حكومة السودان ذات الرقم القياسي في عدد النواب والمساعدين والمستشارين ووزاء الدولة بالوزارات ، كان أجدر بها وبهولاء أن يجنبوا الوطن بلوغ هذا الوضع الذي يصعب معه تصور مستقبل السودان وهو حالة يجسدها خير تجسيد عنوان كتاب الدكتور منصور خالد :( السودان تكاثر الزعازع وتناقص الأوتاد ) إنه توصيف في غاية الدقة والبلاغة فحال الوطن اليوم كالخيمة المتهالكة الأوتاد في يوم عاصف شديد لا يدري الناس من أي جهة يمسكون بها ، وهكذا فقد جرّت حكومة المشروع الحضاري البلاد إلي هذا الوضع المزري ، لقد انخفضت تلك الهتافات العالية وسقطت الشعارات الواحد تلو الآخر حتى بدت سوءات القوم وتكّشفت للناس فمن أحس منهم بالخجل انزوى ليواريَ سوءته ومن سُلب فضيلة الحياء ما زال في مقدمة الصف يهتف وهو مكشوف.. اليوم وبعد أربعة وعشرين عاما كلما تأملتُ مشهد حكومة الحزب الرائد هذا تعود بي الذاكرة إلي أيام خلت ‘ لا أذكر المناسبة لكنها كانت مسيرة في السنوات الخُضر من عمر الإنقاذ وقبل انكشاف الخديعة وسقوط الأقنعة ، أذكرحيث وقف أحد طلاب الجامعات في مسيرة من المسيرات التي ما قتلت ذبابة يسب ّأمريكا ويتوعدها بصلاة الجمعة في البيت الأبيض واليوم وبدلا ً أن تقودنا حكومة المشروع الحضاري ويصلي بنا أحد قادتها إماما في البيت الأبيض فهاهي جيوش الأمم المتحدة تحل بديارنا ,وهل الأمم المتحدة إلا أمريكا ووجه من وجوهها فمن يا تُرى يمنعهم اليوم من الصلاة بأي بقعة إذا أرداوا بعد أن خرجنا في مئات المسيرات رافضين دخول القوات الأممية إلى دارفورفاذا هي تدخل بقضّها وقضيضها وعُددها وعتادها وخبرائها واستخباراتها ، حيث لا أحد يدري ما يدور داخل تلك المكاتب الفخيمة ولا أين تحط تلك الطائرات البيضاء التي تجوب سماوات دارفوروتلك الأرتال من السيارات التي تجوب سهولها وأوديتها وتتوغل داخل جبالها بلا رقيب ..عشرة سنوات مضت وبحساب الربح والخسارة فلا أحد رابح وبحساب الإنتصار والهزيمة فلا أحد منتصر ، كيف ننتصر وعلى من ؟ من هذا الذي يُقتل أو يموت ، من أي طرف كان أليس أحد أبناء الشعب السوداني ، وكم من مأساة يخلفها وراءه ، فمتى يتنادى أهل السودان إلي كلمة سواء ‘ فننتصر على جاهليّاتنا وجهوياتنا والعنصرية النتة التي اُبتلى بها البعضُ شرّ ابتلاء حتى أصبحت عندهم مرضا عُضالاً وداءً مزمناً ..تعالوا الى كلمة سواء ننتصر على هذا الداء أولاً ويومها يممكنا أن نقول لقد ربح البيعُ وتحقق النصر ، إن الشعوب المستنيرة قد تجازوت هذه المفاهيم من مخلفات القرون المظلمة والجاهلية الأولى فحققت ما تصبو إليه من غايات فأصبحت جديرة بالإحترام ..مضت عشر سنوات من تفجر الأزمة و ما في الأفق من بارقة أمل في ظل تراجع الاهتمام الدولي بالقضية وإنصراف الإعلام العالمي إلى البؤر الأكثر سخونة والتهابا حيث خطفت ثورات الربيع العربي الأضواء لتبقي مأساة دارفور في الظل بعيدا عن الأعين أضف إلى تشرزم الحركات وفقدانها لوحدة الهدف وتحديد الوجهة بصورة عملية وعلمية مما أدى إلى تراجع ومراجعة بعض الجهات المؤثرة لمواقفها تجاهها باعتبارها غيرجادة كما أن الاتفاقيات التي وُقِّقعتْ لم تحقق شيئاً على أرض الواقع...عشرة سنوات مضت ليعود البعض ممن حملوا السلاح والوعدَ الجميلَ لأهل دارفور وزراءً ومسئولين كبارا في الدولة ، أجل عادوا وبقي أهل دارفور لاجئين بدول الجوار ونازحين بالمعسكرات ، تبّا ً لكم ألِهذا خرجتم ؟ منصبٌ ومكتب وثير وعربة فارهة و (كرفتة ) وضعها في عنق حمار أجمل و أبهى من وضعها في بعض الأعناق التي رأيتُ . فإن كانت هذه هي غاية المسعى والهدف من وراء الخروج لبئس ما سعيتم إليه ، وما كان ينبغي لكم أن تخرجوا ، فهناك طرق أكثر سهولة و يسراً لبلوغ هذه المناصب ، دون أن يمسَّ الناسَ ضرٌّ أو يحل بديارهم الخراب ، إنه النفاق فحسب ، فكم بلغ برجال في هذا العهد مبلغا ً لم يُدرْ بخلد أحدٍ منهم قط و بّوأهم مناصب ما كان لهم أن يبلغوه لو لا نفاقهم وإخلاصهم فيه وتجردهم من الفضائل والمُثُل ، فما دام الهدف واحد وهو بلوغ كراسي السلطة فما أجدر بهؤلاء من أبناء دارفور من الذين عادوا حكاما ووزراء وتركوا أهلنا بالمعسكرت ما أجدر بهم سلوك هذا الطريق القصير جدا إلي السلطة كما فعل البعض من أبناء الولاية ، إذن لما جشّمونا هذا العناء : نزوح وتشرد ، و موت زؤام ...فلو كنت و الله بمكان أحد منهم لضربت ُ خيمة ً داخل إحدى تلك المعسكرات واتخذتها مكتبا حتى يعود آخرلاجىء إلى أرض الوطن و يرجع آخر نازح إلى قريته وذلك بعد أن تُنفذ بنود الاتفاقية بنداً بنداً يومها أقلع خيمتي وارحل إلى ذلك المكتب ..لكن هيهات لقد أثبتت الأيام إن الذين وقعوا لم يوقعوا من أجل شيءٍ من هذا القبيل ، فحينما تم توقيع اتفاقية أبوجا استبشر الناس خيرا ومرت الأيام دون أن يرى الناس شيئا من تلك الوعود التى حملتها الاتفاقية بل على العكس فقد شهدت الولاية مزيدا من الاقتتال حتى بين قوات مني أركو مناوي وبعض المجموعات التي لم توقع ويومها أخرجت الحكومة لسانها طويلا ساخرة مستهزئة حيث قال أحدهم نجحنا في تفكيك حركات دارفور مما يؤكد أن مساعي الدولة نفسها لم تكن مساعي من أجل الوصول إلى حل نهائى ومرض ٍ لأزمة في غاية الخطورة والأبعاد بقدر ما هي مساعي لحلول آنية ومؤقتة غايتها في حدود مصالح الحزب الحاكم فحسب وليذهب الوطن ومن فيه من بعدُ إلى الجحيم بحسب نواياهم ويتبدى ذلك جليا أيضا ً من تصريحات قيادات الدولة يومذاك بأنهم وقعوا مع الفصيل الأكبر قوة و الأكثر انتشارا ومن كل هذا يتأكد لنا الطريقة التي تدير بها الحكومة أزمات البلاد وليتها رعت و أوفت بما التزمت به ووقعت عليه حتى مع هذا الفصيل و احترمته ، لقد خرج السيد مني مغاضبا ليدخل الغابة مرة أخرى وتتواصل حلقات الأزمة وجاء الدكتور التجاني سيسي بعد طول غياب من الساحة السياسية ليضيف مشهدا جديدا في مسرح الأزمة حيث أطلّ فجأة من حيث لا أحد يدرى زعيما لحركة التحرير والعدالة مثيرا بذلك الظهور المفاجئ تساؤلات وتحليلات ذهبت مذاهب شتى ظلت تلك التساؤلات معلقة وحائرة ووقع الرجل وإن كانت الآمال تحدو الناس بأن يحقق دكتور سيسىي شيئا وهو الأهم من معرفة ملابسات ظهوره في مسرح الأحداث إلا أن الحقائق في أرض الواقع وواقع الحقائق يكذّب تلك الأحلام ، أولا :لم يكن لفصيل سيسي هذا وجود يُذكر في الأرض بدليل أنه أول ما تم تدشين السلطة الإقليمية حاولت الحركة فتح معسكرات في منطقتي كورما وطويلة لتكوين قوة لها فباءت تلك المحاولة بالفشل حيث هاجمت المجموعات التي لم توقع تلك المواقع و أفشلت البرنامج . ثانيا ً : إن مشروعات التنمية وبرامج العودة الطوعية التي هي عبارة عن حبر على ورق لا يمكن تحقيقها إلا في ظل سلام حقيقي وأمن تام لا يُمسع فيه ولا صوت رصاصة واحدة وهو ما لم يتحقق حتى الآن وقد مضى على اتفاقية الدوحة وقت طويل وطويل جدا بالنسبة للذين تركوا قراهم ومساكنهم وأحلامهم وذكرياتهم ..وقد صوّر الذين وقعوا اتفاقية الدوحة الأمر كما لو أنهم الحركة الوحيدة التي تحمل السلاح وبتوقيعها قد أسدل الستار على مشهد الحرب بالولاية بل قد جزموا بذلك فكانوا يتحدثون بثقة عن العودة الطوعية و إعمار القرى أما الحكومة فقد أطرت على الاتفاقية أيما اطراء مما يعني أن الإتفاقية قد ارضتها تماما وحققت لها انتصارا جديدا على حركات دارفور بمزيد من التفكيك والتفتفيت ومن مميزات هذه الاتفاقية أنها تجرد عبدالواحد نور من قاعدته ما دام على رأسها أحد أبناء زعامات الإدارة الأهلية لقبيلة الفور وهكذا تمضي الأيام وما من جديد ، ففي ظل اتفاقية الدوحة تزداد الأوضاع سوءً وبدلا من أن يعود الناس إلي القرى استقبلت المعسكرات مزيدا من النازحين ..أحداث منقطة شنقل طوباي ، معسكر زمزم للنازحين، قرى كُشني ، أحداث مدينة كتم ومعسكر كساب ، أحداث مدينة مليط ، أحداث منطقة جبل عامر، منطقة كتيلة بين القمر وبني هلبة, وآخرها أحداث منطقة شرق دارفور بين المعاليا و الرزيقات وهي تمثل بعدا آخر من أبعاد الصراع وهو البعد القبلي أضف إلى حوادث نهب المتاجر كما حدث داخل مدينة نيالا و قطع الطرق وحالات الاغتصاب التي تحدث هنا وهناك وهذا على سبيل المثال لا الحصر للأحداث التي جرت في ظل اتفاقية الدوحة التي لم تضف شيئا ومع ذلك يطّوف الدكتور سيسي الدنيا لاستقطاب الدعم لمشروعات التنمية بدارفور وفي ظل الوجود الاسمي للسلطة الإقليمية وحاكمها (المُريّس المُتّيس ) تنضاف مجموعة أخرى باسم العدل والمساواة إلي اتفاقية الدوحة وهي مجموعة (دبجو) التي فقدت بعض عناصرها نتيجة صراعها مع الحركة الأم التي لم تعترف بها و النتيجة أن الكل خاسرو الرابح هو الخصم بحساباته المبنية على البقاء في السلطة وبأيّ ثمن وليس بحساب العقل والمنطق ومصلحة الوطن وقد فاوضت هذه المجموعة في نفس المحاور :السطلة ، الثروة ، النازحين واللاجئين وهلم جرا ولا أدري أين يكون موقعها من إعراب أزمة الحكم في السودان ؟ تُرى هل تستحدث لها سلطة أخرى تسمى بالسلطة الإقليمية الثانية على نسق النائب الأول وغيره من بدع الحكم في السودان أم يا ترى يتم توزيعهم ضمن ذلك الجيش الجرار من الدستوريين و الموقعين الذين أثقلوا كاهل خزينة الدولة و قصموا عظم ظهرها ؟ إنه عبث ما بعده عبث فالحكومة تعبث في قضية في غاية الخطورة ودولة قطر من جانبها تمارس ما تعلم أنه عبث في سبيل سعيها لصنع موقع لها في الخارطة الإقليمية .. إن القضية واضحة المعالم فهي مسألة حقوق تم الإعتراف بها من خلال تلك الاتفاقيات فلماذا لم تنفذ وتطوى هذه الصفحة ؟ كفى حربا.. كفى ..فعلى الحكومة أن تعيَ جيدا أبعاد هذه الحرب فهي وأن تدور جغرافيا في دافور فإن أبعادها شاملة وآثارها ضاربة تطال الجميع اجتماعيا واقتصاديا .. اجتماعيا بما أحدثته من شرخ في البنية الإجتماعية ولا سيما في ولايات دارفور حيث تصدّع النسيج الإجتماعي بشكل كبير نتيجة للتعبئة التي تمت علي أساس قبلي أما اقتصاديا فلا شك أنّ ميزانية الحرب من أفدح و أثقل الميزانيات أضف الى ما تسببه الحرب من تعطيل لعجلة الإنتاج و إهدار للطاقات وبما أن هذه الأبعاد شاملة فقد انعكست آثار الحرب سلبا على مجمل الأوضاع بالسودان والبعد الأخطر لهذه الحرب هو البعد الدولي المتمثل في الوجود الكبير
للقوات الأميية وهي التي استقدمتها الحكومة بجدارة أي هيّأت لها أسباب القدوم ..على الحكومة أن تعلم أن المسألة مسألة وطن وشعب وليست مسألة حكم وحركات فهي إن نجحت في استجلاب جميع حركات دارفور أو قل حتى قضت عليهم حربا ً فإنها لم تفعل شيئا ً، ستنبت حركة أخري ما دامت جذور المشكلة مدفونة ولم تجتث بصور علمية ، سيغذيها الغبن فتخرج تارة أخرى أكثر عنفا وحنقا وتدميرا فكما تقدم في صدر المقال فإن هذ ه الحركات لم تكن وليدة العام 2003م ولا هي صنيعة الصهونية كما يردده بعض الببغاوات فهي صنيعة تهميش مخطط وواقع ظالم وعقلية عاجزة عن استعياب أدبيات الحكم وفلسفة القيادة وإدارة التنوع ..أما حركات دارفور من جابنها أيضا مطلوب منها قبل كل شىء وحدة الصف وتحديد الهدف ليس من أجل مزيد من الحرب ولكن من أجل وضع نهاية لها فقد طالت الحربُ وطالتْ الأخضرَ واليابسَ ، وكما يقال أن الاستعداد للحرب يقود إلى سلام فإن في وحدة الصف ما يقود بلا شك إلى سلام بإذن الله حيث يجعلك ذلك محترما في نظر الخصم وفي نظر الصديق والوسيط أيضا وبالتالي يجدُّ في التفاوض فاعتصموا واحتكموا لصوت العقل واعلموا أن كل يوم يمرّ يكون خصما على إنسان دارفور في ظل تراجع اهتمام المنظمات بالقضية وانصراف الاعلام العالمي واهتمامه بثورات الربيع العربي ومعلوم أن أي قضية لم يتبنها أو تجاهلها الإعلام ستبصح يتيمة.. وبعد فهل يحرك لقاء أروشا الأخير بركة القضية بعد سكونها زمنا فيحدث اختراقا حقيقيا ونرى جدية وتفاوضا بمسؤلية من الطرفين يحافظ على ما تبقى من السودان بعد ذهاب الجنوب أم تظل الحكومة في عنادها وتعنتها و ضلالها القديم الحركات في تشرذمها وتمزقها وتشظّيها وتفاوضها بالقطاعي ؟؟..كفانا عشر سنوات حسوما من حرب الكل فيها خاسر..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.