ليس بالضرورة أن تقول المرأة شعراً أو تغني غناءً حماسياً، بل إن مجرد خروجها ووجودها بين الرجال عند المواقف الصعبة يستحث عزيمتهم ويلهب حماسهم.. والتاريخ يبرز الكثير من الحالات التي وقفت فيها المرأة مستفزة للرجال، وأبرز تلك الأسماء مهيرة بت عبود وشغبه وبت المكاوي وغيرهن.. نجد في غرب السودان الحكامات اللائي يلعبن دوراً كبيراً في مجال الاستنفار، حيث يطلق اسم حكامة أو شاعرة (baid)، على المرأة التي تؤلف الشعر وتغنيه ويكون شعرها متمثلاً في التغني بأمجاد القبيلة، بجانب تمجيد قيم الشجاعة والكرم والشهامة وهجاء البخلاء والجبناء والمارقين عن القيم الأخلاقية، كذلك تقديم أغاني الرثاء (elegy). ... لذلك أصبح للحكامة دور مهم جداً في مجتمعها، فهي مركز إعلام شعبي متحرك، لذا فالكل يعمل لإرضائها حتى لا يقع في دائرة الهجاء. .. كما أن للحكامات ألقاباً فنية تضفي عليهن بريقاً وتوحي بأنهن يمتلكن القوة والجبروت، يطلقها عليهن الجمهور بمباركة منهن، ومن الألقاب والمسميات (الشباية- السوق الأسود - اللغم الفصل الطوف- الشلك البجيب الأخبار- الدانة- المايكرفون- أم رطوط- البان جديد- اليوشن- لبن حليب- الحموري- الملاحة) وغيرها. .. وتقدم الحكامة كلماتها المغناة على طريقة الإلقاء المنغم، teci tative، وهو أداء غنائي يميل إلى الإلقاء، فهي تعمد على الكلام أو النص الشعري الذي نجده لا يلتزم بالوزن أو القافية. .. كثيراً ما ترتجل الحكامة (Improvise) كلماتها لتواكب الموقف الذي هي فيه، ويرصد تاريخ الحكامات بدارفور وكردفان مواقف عدة أثبتت تورط الحكامات بالتسبب في اندلاع حروب ما بين القبائل، فهي لا ترضى أن تضام قبيلتها أو يساء أبناء عمومتها، وفي حالة حدوث ذلك نجدها تلجأ لكلماتها القوية المؤثرة، حيث تسخرها لإثارة أفراد القبيلة، ملقية الضوء على ما لحق القبيلة من كرب وإهانة، وسرعان ما يستجيب فرسان وعموم القبيلة لندائها، خاصة وقد تعود الرجال الاستجابة لنداءات المرأة الداعية للذود عن حمى القبيلة. .. اسم حكامة يجيء من معنى الحكم والقطع في الأمر، ومن الحكمة، وعندما ينفعل الجمهور بكلام الحكامة يصيح (أتكلمي ساكت.. يا حكامة، وراكي رجال)، فتنفعل وتتجاوب مع الجمهور وصيحاته وزعاريد النساء، وكثيراً ما يقوم الجمهور بتقديم الهدايا والهبات لها إعجاباً بما قدمته. .. هذه بعض المقتطفات عن غناء الحكامة.. ولكم كل الحب عبد القادر سالم