هنا السوق الشعبي.. التاريخ يتحرّك بوتيرته المعهودة، ورائحته أيضاً لا تخطئ المسار، النوستالجيا لها حضورها في ذاكرة الكبار، والحداثة تمضي قدماً تقاوم التاريخ نفسه، وتعبّد مسارها لعملية التجديد، دون أن تضيع النكهة المعهودة.. السوق الشعبي تأسّس منذ (1951-1952)، في زمن الاستعمار.. عم مطر آدم علي بدت عليه ملامح الاستياء لما آل إليه حال السوق مؤخراً، بالتحديد سهام سخطه كان يوجّهها نحو القوى الشرائية، التي انخفضت جراء سياسات رفع الدعم ومآلات الأمور في السودان عموم.. مطر يقول إنّ السياسات لم تترك لنا بارقة أمل في عودة الحياة للسوق لسابق عهدها. في الوجهة التاريخية من حديثه يقول العم مطر: "أصلاً هذا السوق كان في السوق العربي الخرطوم، في المنطقة التي تحوّل منها سوق السجانة الجديد، في موقف جبرة، وكان عبارة عن رواكيب يكثُر فيها الحلاقون وبعض تجّار الأقمشة في الطبالي، وكل هذه الرواكيب مربوطة بمواقف الشعبي والرميلة والقوز والسجانة". يضيف محدّثنا بالقول إنّه وبعد أن كثر فيه التجار تمّ تحويله إلى منطقة (مزروبة بالقنا)، هذه المنطقة كما يقول تمتد إلى مطار الخرطوم الدولي -نادي الضباط- وكان يُسمى المكان (ديم سليمان) القديم ويمتد من بداية حديقة القرشي إلى الديوم الشرقية. في عهد نميرى -كما يتابع مطر حديثه- تم تحويله وجمعه في السوق الشعبي، وكان عبارة عن أكشاك قسمت، وكان أصحاب التوابل هم الذين يسيطرون على السوق، وكان به بعض التجار الذين عيّنوا شيخ أحمد الدليل شيخاً لهم، وبدأت تدبّ في السوق حياة؛ تبدأ من الساعة السادسة صباحاً إلى الساعة الثانية ظهراً، والساعة الثالثة هي نهاية اليوم في السوق الشعبي، وهو كان عبارة عن سوق وحي شعبي (ميّة الميّة)، الشيء الذي جعل الاسم سائراً عليه. محدّثنا يقول إنّ السوق (ما كان مقسّم) إلى أن أنشئ القسم الذي كان أصلاً بيوت الصحّة، وكان هذا المبنى يبدأ من شارع الصحافة، مضيفاً بالقول إنّ هذا الشارع يؤدّي إلى ولاية الجزيرة، وشارع جبل أولياء، وشارع أفريقيا، هذه الشوارع الثلاثة هي التي تتحكم في الحركة بين مديريّة الخرطوم والأقاليم، وديم القنا سمّي بهذا الاسم لأنّ المداخل الثلاثة في زمن الاستعمار الذي حرص على السيطرة على المداخل الثلاثة بحرس السواري ومن المغرب، ومن الساعة ستة، كما يقول، "كانت تقفل هذه المداخل للجايين من الأقاليم إلى العاصمة، ولا يستطيع أيّ مواطن الخروج أو الدخول إليها". محدّثنا يستدرك بالقول إنّ عدد سكان الخرطوم بالأساس كان بسيطاً، وفي ثورة نوفمبر، في عهد عبود، حدث انفتاح في البلاد، والعمالة أصبحت تتوافد إلى السوق الشعبي، وأصبح مصدر رزق غير سوق السجانة في الخرطوم، ويعتبر أكبر سوق في ذلك الزمان، وكان يربط الخرطوم والجزيرة والدويم. إثر حريق هائل دمر كل السوق -يقول العم آدم- صدر قرار من المعتمديّة بأن تبنى كل الدكاكين من الطوب الحرّ، وتطوّر وأصبح بشكله الحالي، وتدخل في هذا السوق بضائع من الأسواق المجاورة مثل سوق ليبيا، ومن خارج السودان خاصة أسواق دبي اليوم التالي