ما عرفه عنه خصومه قبل أصدقائه داخل الحزب الشيوعي هو حزمة صفات لافتة في شخصيته على صدرها النزاهة والأمانة والشفافية المطلقة في كل ما يخص العمل العام أو التنظيمي، بالإضافة إلى كونه مناضلاً عتيقاً خبر المعتقلات والسجون منذ عهد عبود.. ويعد مثالاً نادراً في التمسك بالخط العام للحزب الشيوعي السوداني، ولعل تلك الصفات وغيرها هي ما دفعت ب"محمد مختار الخطيب" ليخلف الراحل "محمد إبراهيم نقد" في سكرتارية الحزب رغم بعض التحفظات على خيار اللجنة المركزية. "الخطيب" الذي ولد في عام 1942م قدم إلى الحزب الشيوعي من صفوف الزراعة التي كان يعمل بها مهندساً زراعياً، قاد إضراب عموم نقابات الفنيين في السودان عام 1978م إبان النظام المايوي، ومن مؤسسي ورئيس تجمع نقابات العاملين ب(مؤسسة حلفا الجديدة الزراعية) في العام 70 – 1971م، وكان من مؤسسي وعضو اللجنة التنفيذية لاتحاد الشباب السوداني بمنطقة حلفا الجديدة في الفترة من 64 - 1971م. وجود "الخطيب" على قمة الحزب الشيوعي خلال هذه الفترة بالذات تضع أمامه وأمام الحزب حزمة تحديات داخلية وخارجية، وفي هذا الحوار رد سكرتير الحزب الشيوعي على كل الأسئلة مهما كانت حدتها ولكن ببسمته المطبوعة على محياه. } بداية عندما تم طرح اسمك لسكرتارية الحزب الشيوعي العامة برزت عدة أصوات معارضة لأنها كانت تعتقد أن "الخطيب" السياسي أفضل بكثير من "الخطيب" المفكر القادر على قيادة حزب طليعي.. وأشفقوا كون اسم غير معروف صار عراباً لحزب عريق؟ - الجهة المنوط بها اختيار السكرتير السياسي هي اللجنة المركزية، وبعد وفاة "نقد" كانت هناك عدة خيارات وأي (زميل) في الحزب قادر على أن يكون سكرتيراً سياسياً ككادر حزبي، وأساسياته أن يكون ملماً بخط الحزب تماماً وخاض تجربة النضال وأن يكون من الكوادر الصامدة، وأن يسهم في تطوير خط الحزب مع اللجنة المركزية، وانتهى عهد أن يكون التفكير تفكير رجل واحد، كل الحزب يتطور من خلال النظرية والممارسة وتفعيل هذه النظرية في وسط الجماهير. } ولكن تاريخياً ارتبط السكرتير العام بكونه عراب الحزب ابتداءً منذ زمن "عبد الخالق محجوب" وانتهاءً ب"محمد إبراهيم نقد" اللذان كانت لهما اسهامات واضحة في المسيرة الفكرية والتنظيرية.. لا نقول حزب الرجل الواحد ولكنهما كانا بمثابة ملهمين للحزب؟ - ما في شك في أنه كانت ل"عبد الخالق محجوب" و"نقد" قدرات عالية جداً فكرياً، ولكن لا أعتقد أنهما كانا منظري الحزب وحدهما.. الحزب اعتمد الماركسية كأداة ومنهج يعمل وفقها وأثناء الممارسة والعمل وسط الجماهير يثري النظرية ويطورها ويربطها بالواقع السوداني. } إذن ماذا عن صراع التيارات داخل الحزب.. أحدهما يقوده "د. الشفيع خضر" وهو التيار التجديدي الذي ينادي بإحداث تغييرات كبيرة تطال اسم الحزب وانفتاحه على بقية القوى الاشتراكية.. والآخر هو الحرس القديم الذي يرفض أية أفكار تجديدية في مفاصل الحزب؟ - ما دام الحزب الشيوعي يعمل في وسط الشعب السوداني، وفي محيط عربي وإقليمي من الضرورة أن تكون هناك صراعات لأنه ما هو في الخارج يؤثر على الداخل، وبالتالي من خلال هذا الصراع نصل إلى الخط الصحيح الذي يمكن أن يقود العمل إلى الأمام وفق مناهج الحزب والمنهج الماركسي، بالتالي لا نخشى من الصراع داخل الحزب، بل بالعكس هو أحد المطلوبات في سبيل تطوير الحزب.. ويحسم الأمر في النهاية عبر الديمقراطية وما يصل إليه الناس يعتبر هو الخط الصحيح الذي يمكن أن نواصل فيه، وهذا لا يعني أن الخط الآخر هو الخطأ، فقد يرجع الناس مرة ثانية في حال وجدوا أن هذا الخط أثناء الممارسة ليس هو الخط المطلوب... أما عن الصراع فإن منصب السكرتير جاء عن طريق الانتخابات و"الشفيع" لم يكن أحد المرشحين، فقد تنازل للزميل "يوسف حسين" واللجنة المركزية اختارت "الخطيب". } أنا أتحدث عن وجود صراع تيارات في الوقت الحالي داخل الحزب في اتجاه عدة قضايا من ضمنها التخلي عن اسم الحزب الشيوعي والتخلي عن الماركسية وغيرها؟ - ده موضوع تم حسمه في المؤتمر الخامس لأنه بعد انهيار المعسكر الاشتراكي والمنعطف الجديد الذي دخل فيه العالم والقطبية الأحادية وسيادة الرأسمالية كانت هذه من الأسئلة مطروحة داخل الحزب حول تجديده وكل شيء كان مطروحاً مثل (النظرية والمنهج والاسم والخط العام) في المناقشة العامة التي استمرت ما بين (10) سنوات إلى (15) سنة، ولكن بشكل منظم حسم في المؤتمر الخامس والاتفاق على أن يكون الاسم هو الحزب الشيوعي، وأن تكون النظرية هي النظرية الماركسية وأن يكون حزباً للطبقة العاملة، وهذه المسألة تم حسمها ديمقراطياً في المؤتمر الخامس. } إذن لن تتم مناقشتها في المؤتمر السادس؟ - لا.. لا يوجد داعي لمناقشتها في المؤتمر السادس، وهذه مسائل تم تحديدها في المؤتمر الخامس والأوراق المعدة هو أن النظرية ليست شعاراً ولكنها منهج نعمل به وبالتالي تستقرئ الواقع السوداني من خلال هذا النظرية والأوراق التي سوف تتم مناقشتها في المؤتمر السادس معدة وفقاً لهذا المنهج. } ولكن كثيراً من المراقبين يرون أن كلمة (شيوعي) كلمة صادمة داخل مجتمع محافظ.. ولأنها ارتبطت في الذهنية العامة بأنها مدعاة لتجريم المنتسبين للحزب.. وأصبحت كلمة (ده زول شيوعي ساي) مدخلاً للذم.. كيف ترد؟ - القوى التقليدية والتي في يدها الثروة والسلطة وقوى الاستعمار، ولأن الحزب الشيوعي يناضل للتغيير المجتمعي الواسع على اعتبار أن القوى العاملة والمنتجة هي التي تصل إلى السلطة، كانوا يروجون ضد الحزب الشيوعي الإلحاد وغيره، لكن من خلال معايشة الحزب وسط الطلاب والعمال والمثقفين والزراع يعلمون من هم الشيوعيون وموقفهم من قضاياهم وطموحاتهم، وكيف أنهم يناضلون بصلابة وأنهم جزء من الشعب السوداني ويتمتعون بأخلاقه، وبالتالي ما دمنا نسير في الطريق الصحيح الذي يحقق مصالح الناس، فإن الشعب السوداني يتبنى هذه القضايا، لذلك نجد أنفسنا وسط الشعب السوداني ووسط العمال والمزارعين وكل الفئات التي لديها مصلحة في التغيير الاجتماعي. } هذا ما يقودنا إلى الاتهام الذي دائماً ما يطال الحزب الشيوعي من أنه إذا نفذ إلى مكان ما فإنه يختبئ خلف مسميات أخرى.. مثلاً داخل الجامعات السودانية يختبئ خلف (الجبهة الديمقراطية) وداخل الحي يختبئ خلف مؤسسات العمل الطوعي؟ - الخط المطروح للحزب الشيوعي هو انجاز واستكمال مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، وهناك مؤسسات وفئات لديها مصالح في تحقيق هذه الثورة لأنها تحقق مطالبها وهم العمال والمزارعون والطلاب والمثقفون والرأسمالية الوطنية، وبالتالي الحزب يتحالف مع أكثر هذه القوى تقدماً ولديها مصلحة في تحقيق هذه المرحلة، ويبني تحالفاته وسط هذه القوى ووسط الطلاب و(التحالف الديمقراطي) وسط الأحياء و(الجبهة النقابية) وسط العمال و(التحالف الديمقراطي) وسط المزارعين وغيرهم، وبالتالي نحن لا نختبئ وراءها، ولكن هذه هي التحالفات الواسعة المبنية بين الشيوعيين والديمقراطيين في سبيل خدمة الخط والنضال من أجل تحقيق مطالب هذا المجتمع. } ولكن الحزب الشيوعي هو الذي يقود كل ذلك لوحده؟ - سوياً نعمل وإذا رجعت إلى دستورنا حول التنظيمات الديمقراطية، ستجد أن هذه التنظيمات مستقلة والتحالف ما بين الشيوعيين والديمقراطيين يتم التعامل فيه على أساس ديمقراطي، والشيوعيون مطلوب منهم أن يخلصوا إلى برنامج هذا التنظيم ويحمونه ويدافعون عنه، بل يرفضون أن يحول هذا التنظيم إلى أية أغراض أخرى غير التي أُعلن عنها. } ننتقل إلى محور آخر.. إذا أُتيح لكم الوصول إلى السلطة عبر انقلاب عسكري.. هل سوف تقبلون بذلك؟ - نحن ضد أي انقلاب عسكري، وفي المؤتمر الخامس نقدنا أنفسنا فقط لأننا دعمنا انقلاب مايو، ونحن ضد أي انقلاب عسكري أو تآمر للوصول إلى السلطة.. يجب أن نصل إلى السلطة عبر قناعات الشعب السوداني وليس عبر أي انقلاب عسكري. } ما هي فلسفتكم في عدم الوصول إلى السلطة عبر الانقلاب العسكري؟ - نحن عايزين نصل إلى السلطة عبر قناعات الشعب السوداني، لأن الوصول إلى السلطة عبر التآمر معناه أن تفكيرك ينحصر في أن الآخرين أيضاً يتآمرون ومعناه أن تضيع جهد الشعب السوداني لتحقيق مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية.. وقناعة الشعب السوداني إذا لم تصل إلى أنها تحقق هذه المرحلة، فإنها لن تتحقق إطلاقاً وتتأتى من خلال وعي الجماهير وكل ما نطالب به في وجود الديمقراطية أن يطرح كل الناس أفكارهم، وبالتالي نحن متأكدون أننا مع هذه الطبقات المنتجة نستطيع إقناعها بالوصول إلى مرحلة الثورة الوطنية الديمقطراطية. } نعم وهذه ذاتها المبادئ التي خرج بها الحزب الشيوعي قبل أكثر من أربعين عاماً في مؤتمره الرابع.. ولكن بعد ثلاث سنوات فقط عاد الحزب وساند ثورة مايو ثم قدتم انقلاب 19 يوليو.. كأنما رمى كل ما خرج به من مقررات مؤتمره الرابع مع أول سانحة للانقضاض على السلطة..؟ - أولاً: نحن لم نقد انقلاب 19 يوليو، نحن دعمنا مايو على أساس أنه كان تحولاً أو تغييراً.. كان الصراع أن يتحول الانقلاب إلى الديمقراطية ولكن في أساسه كان خطأ وذي ما قلت انو الحاجات التي في الخارج تؤثر على داخل الحزب، وكانت الساحة الإقليمية في المنطقة وقوى البرجوازية الصغيرة في مصر وغيرها قادت إلى مرحلة ما، وبالتالي أعتقد أن بعض من أعضاء اللجنة المركزية لأن فكرهم كان برجوازياً صغيراً ومتعجلين هم من دفعوا الحزب إلى ذلك الاتجاه، ما أدى في النهاية إلى أن يحدث انقسام داخل اللجنة المركزية، والذين كانوا مع تحقيق مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية عن طريق الانقلاب هم الذين ذهبوا مع مايو. } ولكنكم قدتم انقلاب 19 يوليو؟؟ - لا نحن لم نقد (انقلاب هاشم العطا)، هذا الانقلاب قام به ضباط شيوعيون وضباط ديمقراطيون ودعمناه وأيدناه، ولكن في كل الحالات في المؤتمر الخامس كان هناك موقف واضح جداً على أساس انو نحن ضد الانقلابات العسكرية، والحزب نقد نفسه في دعمه لأي انقلاب وحتى إن كان انقلاب شيوعيين نحن ضده، ويجب أن نصل إلى السلطة عبر قناعات الشعب السودان سواء أكان انقلاباً عسكرياً أو انقلاباً مدنياً. } عبر صناديق الاقتراع؟؟ نعم أو عبر الجماهير. } ألا تعتقد أن حلمكم بعيد المنال أن تصلوا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع لضعف وجودكم في الشارع؟ - لا ليس بعيد المنال لأنه أصبح واضحاً بالنسبة لنا والحكاية ليست حكاية استعجال، لكن في ظروف موضوعية محددة هي التي تحقق فيها الثورات ويتبنى فيها هذا العمل والتغيير الاجتماعي. } ألا تعتقد أن (نضج الأزمة) التي تنتظرونها قد تأخر كثيراً؟ - أساس البرنامج مبني على الديمقراطية وما أخر هذه المرحلة هي الانقلابات العسكرية، وإذا كانت الديمقراطية ما تزال مستمرة بالتأكيد سنكون في خطوة متقدمة للغاية وخاصة أنه في أكتوبر كانت هناك جبهة الهيئات التي بدأ يمثل فيها فعلياً شكلاً من أشكال تسلم السلطة من قبل القوى المنتجة في لحظة ما، ولكن نتيجة للتآمر الداخلي والخارجي أدت إلى عدم اكتمال برنامج ثورة أكتوبر. } هل سيشارك الحزب الشيوعي في انتخابات عام 2015م؟ - لا.. لن نشارك في أية انتخابات لأن تجربتنا في عام 2010م تجربة واضحة جداً في أن هذا النظام هو نظام رأسمالي طفيلي وايديلوجيته غير ديمقراطية تعمل للسيطرة على البلاد ومواردها وتحولها لصالحها وهي ضد العمل المنتج وبالتالي ضد المنتجين، وليست لديها أية مصلحة في أن تكون هناك ديمقراطية وزورت الانتخابات في المرة السابقة وكل المراقبين قالوا إنها لا ترقى إلى الدولية في الانتخابات، وفي الجانب الآخر لا يمكن أن تقوم انتخابات في وجود هذه الحرب الدائرة و(6) ملايين نازح من الشعب السوداني وعدد كبير جداً خارج البلاد، وليست هناك ظروف مواتية لقيام الانتخابات. } ألا ترى أن هذه مبررات (غير واقعية) حتى لا يدخل الحزب الانتخابات ويخسر؟ - الظروف التي سوف تجرى فيها الانتخابات أو وجود هذا النظام في حد ذاته الآن لا توجد حريات ولا توجد ديمقراطية حتى صحيفة (الميدان) الآن مصادرة منذ أكثر من سنتين، والأحزاب السياسية لا تستطيع أن تخاطب الجماهير في الميادين العامة، وكل المساحة المتاحة لها داخل دورها وحتى في هذه تواجه بعض المعاكسات، بمعنى أنه لا توجد ظروف ديمقراطية ولا حريات، ونتيجة لسياسات هذه الحكومة وهذا الفقر والجوع وسط الناس والحياة المعيشية الصعبة والحروب القائمة في "جنوب كردفان" و"النيل الأزرق" و"دارفور" و"الشرق" وهجرة السودانيين الواسعة، هذه كلها ظروف غير مواتية لإجراء انتخابات أساساً. } إذا كانت الظروف مواتية.. هل تعتقد أن الحزب الشيوعي جاهز لخوض الانتخابات؟ - ما لم يتم تغيير هذا النظام لن تقوم انتخابات حقيقية، وما ندعو له نحن هو اسقاط هذا النظام وتفكيكه وإرجاع قومية أجهزة الدولة التي هي الآن كلها تحت سيطرة وهيمنة المؤتمر الوطني، ولأجل هذا نحن ضد أن ندخل في حوار مع هذا النظام أو مشاركته، وكل هذه الأشياء إذا ربطتها مع بعض لا تستطيع أية قوة مهما كانت أن تحقق شيئاً إلا أن يعيد المؤتمر الوطني نفسه حتى إذا كانت هناك حكومة مُشكَّلة ائتلافية أو قومية لن تستطيع فعل شيء ما لم يتم تفكيك كل ذلك، لأجل ذلك نحن مع اسقاط هذا النظام وقيام حكومة قومية انتقالية ومع قيام مؤتمر دستوري يعمل على حل الأزمة السودانية بشكل عام، ويضع دستوره ثم يتم إجراء انتخابات بعد ذلك. } أنا أتحدث عما يلي الحزب الشيوعي بالذات داخلياً هل هو مستعد لاستحقاقات تحول ديمقراطي قادم.. أو خارجياً على مستوى قبوله في الشارع؟. - الحزب الشيوعي يتمتع باحترام كبير جداً وسط الشعب السوداني، وأنا متأكد من ذلك والجماهير تنظر إلى مواقف الأحزاب هل هي متمسكة بقضاياها وتعمل على حلها، وأفتكر أن الحزب الشيوعي لديه قدراته ونشاطه وسط الجماهير، ولديه برنامج يحقق طموحات الشعب السوداني عشان كده مؤهل لأن ينال عدداً من الأصوات، وهذا أمر يُحدد وفق عمل الحزب داخل الجماهير. } ذكرت أن الحزب الشيوعي يحظى باحترام الشعب السوداني ولكنني أتحدث عن الاشتباك ما بين اسم الحزب الشيوعي وقبوله في الشارع لأنه ما يزال يرتبط في أذهان الناس بأن المنتمي إليه هو الشخص الكافر والملحد والذي يأتي بأفعال خارج منظومة القيم والتقاليد المتعارف عليها؟ - إذا كنا نحن غير منتشرين وسط الناس كان من الممكن أن يمر هذا الكلام على الناس في وقت كان الوعي الطبقي وسط الناس ما يزال ضعيفاً، والآن الحزب الشيوعي موجود في كل مكان وسط النقابات والفئات، وبالتالي هم يعرفوننا وزمان كانوا يقولوا علينا نحن بنتزوج أخواتنا.. ونحن عايشين وسط الشعب السوداني ويعرف مدى سلوكياتنا وأخلاقنا وقيمنا وهل نحن جزء منه؟؟ وهل متمسكون بقيمه وأخلاقه ونعمل بها؟ وما نطرحه أيضاً موجود وسط الجماهير عملنا معاهم في النقابات ويعرفون إلى أي مدى صلابة الشيوعيين، ولهذا تجد أن الشيوعيين لديهم وجود داخل قطاعات المزارعين والعمال، وهذا بلا شك يفتح الطريق نحوهم.. ولكن (نتوهم) أن الناس ما يزالون ينظرون إلى الشيوعيين على أنهم بيتزوجوا أخواتهم، هذا فهم انتهى من زمان. } هذا يقودنا إلى أن ثمة سؤالاً طرق أسماعك كثيراً أن تجد شخصاً ما يسألك (إنت بتصلي؟ وإنت بتصوم؟) كيف كنت ترد؟ - أيوه في حاجة زي دي.. نحن لا نصلي ونصوم عشان الناس.. نحن حزب موقفنا واضح جداً من الدين.. نحترم كل الأديان وموقفنا واحد منها.. الحزب الناس لا يدخلون فيه على أساس معتقداتهم الدينية لكنهم يدخلون كمناضلين ضد استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وضد المستغِلين ومع المستغلين لكي نصل إلى مجتمع حقيقي ليس فيه استغلال وبناء مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية وتحقيق حياة الرفاهية. } هل ووجهت بسؤال (إنت بتصلي)؟ - أيوه.. حصل قبل كده نزلت في انتخابات (86) في دائرة (حلفا الجديدة) وكنا طارحين برنامج متقدم جداً يحقق طموحات الناس، وكانت هناك قضايا زراعية وصناعية وغيرها متشابكة والناس مهجرون وكان في واحد من الناس قابلني بعد فترة طويلة جداً وقال لي: والله يا "خطيب" أنا تابعت برنامجك الانتخابي وحضرت محاضراتك في أكثر من مكان وكنت على يقين أن أعطيك صوتي، ولكن بمجرد دخولي للاقتراع وراء الستارة، قلت إذا منحت صوتي ل"الخطيب" حلال ولا حرام. هذا إرهاب ديني حقيقي تعمله القوى المضادة لمصالح الناس والطبقة المستغلة لإبعاد الحزب عن الجماهير أو إبعاد الجماهير عن الحزب. ومن يدعون أنهم يمثلون الإسلام برضو الناس شايفة، ومن يستغلون الدين لتحقيق مطامحهم الاجتماعية ويتدثرون بالدين على أساس أن برنامجهم يمثل الخط الديني. } إذن كيف ستخرجون من هذا المطب الذي وضعتم فيه؟ بمزيد من الاتصال مع الجماهير لانو ما ح نعمل إعلانات انو نحن ما ضد الدين وكده، لكن من خلال العمل وسط الجماهير والالتصاق بها والنضال وسطها هذا ما يحقق كل ذلك، والنقطة الأخرى الوعي الطبقي انتشر وسط الناس وأصبح هناك تمايز طبقي واضح وسطهم، وهذا يساعد كثيراً على أن تعلم قطاعات الشعب السوداني مكامن مصالحها وطموحاتها، وبالتالي تنحاز إلى تلك الجهات واستشهدت بالنقابات، فالناس كانوا يختارون الشيوعيين لأنهم كانوا يحسوا أنهم أفضل المناضلين لحل قضاياهم وفي سبيل أنهم يحققوا مطالبهم. } كيف أعلن "الخطيب" عن نفسه منتمياً للحزب الشيوعي.. وهل قوبل ذلك بحالة من الرفض الاجتماعي سواء أكان من أسرتك أو من المحيطين بك؟ - لم تكن هناك أية مصاعب قابلتني عندما أعلنت نفسي شيوعياً.. لأنني أساساً من "عطبرة" التي هي السكة الحديد وأبوي عامل من السكة الحديد ونضال الحزب والطبقة العاملة كان هو السائد في منطقة "عطبرة"، وأتذكر أننا كنا نخرج في مواكب العمال ونحن صغار نزف المتخاذلين عن إضراب العمال أمام الورش حتى بيوتهم.. الوالد كان يأتي بمنشورات الحزب والجبهة المعادية للاستثمار والنقابات والعمال. } في أية سنة؟ - في الأربعينيات.. عشت في وسط نضالي في مدينة عمال مناضلة تمارس نشاطاً سياسياً واجتماعياً متقدم جداً.. وما تزال محتفظة بالأفكار. } من الذي جندك للحزب الشيوعي..؟ - تم تجنيدي من خلال هذا الوسط.. وجود العمال والنضال أدى إلى أن أدخل الحزب بشكل طبيعي ودون تعقيدات. } تقدمت بطلب للانضمام.. أم أن شخصاً معيناً هو من دفعك إلى ذلك؟ - يجب أن تقدم طلباً للحزب. } أعني هل هناك شخص معين تكفل بتجنيدك للحزب؟ - عندما تصل إلى قناعاتك تتقدم بطلب الانضمام وينظر فيه ويعطونك فترة تدريب كافية زي ستة شهور وثلاثة شهور للعمال، وبعد ذلك يحدد الحزب أن تكون عضواً فيه أم لا، في البداية يلقنوك الجانب الفكري والنظري، ثم تمارس عملاً نضالياً داخل الفرع وبعد ستة شهور يحدد الحزب منحك ستة شهور أخرى أو تدخل كعضو، وفي نفس الوقت يكون المرشح نفسه قد حدد موقفه في المواصلة أو التراجع. } هل أولادك شيوعيون؟ - عدد منهم شيوعيون. } هل منهم من هو منضم إلى تنظيمات أخرى؟ - إما ديمقراطيين أو شيوعيين. } آخر مرة قابلت "الترابي" متين؟ - قبل عشرة أو خمسة عشر يوماً من الآن (هذا الحديث كان يوم 7 ديسمبر). } ما الذي دار بينكما؟ - كنا نناقش قضايا التحالف حول كيفية تفعيل التحالف ومواقفهم ومناقشة جزء من مواقفهم في التحالف. } هل سبق أن التقيت برئيس الجمهورية "عمر البشير"؟ - لا. } ولا حتى في مناسبة اجتماعية؟ - ولا في مناسبة اجتماعية. } ولا حتى التقيت بأحد من الحكومة مصادفة؟ - لم أفهم السؤال تحديداً. } ألم تلتق بالنائب السابق "علي عثمان محمد طه" أو "د. نافع" أو غيرهما؟ - وجهاً لوجه لم يحدث. } قبل أن تصبح سكرتيراً أو يصبحوا هم نافذين في الحكومة.. ألم يحدث أن قابلتهم وجهاً لوجه؟ - رأيتهم.. ولكن لم يحدث أن وقفنا وتبادلنا حديثاً. } ألا يمكن أن تلتقي بهم؟ - لا أستطيع أن أرد على هذا السؤال.. لن ندخل معهم في أي حوار أو عمل حول القضايا المطروحة لأن موقفنا الآن هو ثابت جداً في أنه لا يوجد حوار مع هذا النظام.. ولن ندخل الانتخابات المقبلة وخطنا واضح جداً وهو إسقاط هذا النظام. } ننتقل إلى محور آخر.. الحزب الشيوعي السوداني ضمن منظومة التحالف المعارض رغم الفرص الكثيرة لاسقاط النظام مثل التعبئة الجماهيرية أبان فترة الربيع العربي وزيادة الأسعار الأخيرة لم يستطع مع المعارضة استثمار تلك الفرص؟ - الثورة أو الانتفاضة أو هبة الجماهير هي ليست مسألة مزاج، ولا أحد يستطيع أن يحرك هذا أو ذاك لكنها مرتبطة بظروف موضوعية محددة هي التي تحدد نتائج هذه الهبة مستقبلاً، وهناك العنصر الذاتي الذي يؤثر على هذه النقطة في كيفية عمل هذه القوى المنظمة وسط الجماهير ووعيها وتنظيمها واستنهاض حركتها.. اتفق معك على أن العمل السياسي هو عمل تراكمي، فليست هناك هبة جماهير أو نضال عام، من الممكن أن نقول إنه (راح ساكت)، ولكن أي نضال هو عمل تراكمي في النهاية يتحول إلى شكل نوعي جديد وبالتالي يحدث التغيير، وفي الأثر يقال إنه ليست آخر موجة ضربت السد هي التي أدت إلى تحطيم السد، ولكن كل الموجات التي قبلها هي التي أدت إلى أن تكون الضربة الأخيرة هي التي عجلت به، وهذا التراكم النوعي هو الذي يؤدي إلى التغيير.. لا أعتقد أن هناك نضال (راح ساكت) والظروف ماضية ومواتية لإسقاط هذا النظام.. والعامل الذاتي كان ضعيفاً لأن التحالف لم يستطع حتى الآن أن يكون عميقاً وسط الجماهير وينظم عملاً حقيقياً، وهذا ما نعمل من أجله الآن لسد هذا الضعف الموجود، وأن يتحول شكل التحالف الفوقي إلى تحالف قاعدي تُبنى على أساسه تحالفات إجماع وطني في القاعدة، وأن تتكون لجان مقاومة تقود هذا العمل.. الأمر الآخر ما يزال التحالف محصوراً في الأحزاب وقوى اجتماعية بسيطة، ويجب أن يتوسع ويضم كل القوى التي لديها مصلحة في إسقاط النظام مثل القوى الاجتماعية وتنظيمات الشباب وتنظيمات الطلاب والنساء والمهنيين وسط العمال والمشردين، بمعنى أن كل هذه القوى يجب أن يصلها التحالف وينصهروا في بوتقة واحدة ويعملوا لإسقاط هذا النظام. } كيف يكون ذلك؟ - حقيقة يجب أن يمثل تحالف الإجماع الوطني طيف الشعب السوداني. } خروج حزب (الأمة) أضعف التحالف؟ - حزب (الأمة) لم يخرج من التحالف حتى الآن، ولكنه جمد نشاطه.. هو يدعو إلى خط محاورة ومشاركة مع هذا النظام الذي يجب إسقاطه وتغييره، وأعتقد أن الكلام الذي قلته أولاً إن أي شكل من أشكال المشاركة مع هذا النظام أو الحوار معه أو ترقيع مواقفه لن يؤدي إلى تغيير حقيقي وإنما سيؤدي إلى تغيير شكلي، في النهاية سيأتي نفس النظام أو ما شابهه، وبالتالي ستكون الأزمة السودانية مستمرة. } ما هو رأيك في "الصادق المهدي"؟ - "الصادق المهدي" يمثل الشريحة الاجتماعية اللي هو فيها عشان كده ما عندو مصلحة في تغيير كامل لهذا النظام. } مولانا "محمد عثمان الميرغني"؟ - ح توديني لحتة بتاعت أحزاب..لا أستطيع التحدث عن أفراد وشخصيات.. لأن هؤلاء قادة أحزاب وأحزابهم واسعة تضم شرائح اجتماعية واسعة، تضم رأسمالية واسعة وعمالاً ومزارعين وأحزاباً بنيت على ولاء طائفي، لهذا فهي تضم شرائح واسعة عشان كده تجد وجود صراع داخل هذه الأحزاب. والقوى النافذة فيها هي شرائح بتاعت رأسمالية، والشرائح الرأسمالية الطفيلية فيها هي الأقوى، لذلك فهي (تجر) الآخر في اتجاهها حتى يتعاون أو يتحاور أو يشارك في هذا النظام، والقوى التي ليست لديها مصلحة في هذه السياسات المطروحة والتي أدت فعلاً إلى تفاقم المشكلات وغيرت حياتها إلى حياة متدنية، فإنهم يناضلون لإسقاط هذا النظام كلياً وتغييره.. هذا هو أصل الصراع الموجود داخل هذه الأحزاب.. ولا يوجد شك في أن القوى القاعدية ل(الاتحاد الديمقراطي) أو حزب (الأمة) وبعض القيادات لديها مصلحة في إسقاط هذا النظام، لأن هذه السياسات والأيدلوجيات التي تمضي الآن لا تحقق مطامحهم ولا تخدم مصالحهم، وبالتالي سيكونون مع الإسقاط وسيغيرون اتجاه هذه القوى لصالح التغيير الكامل والجذري. } بماذا ترد على المقولة بأن الحزب الشيوعي (مات وشبع موت).. هل ترد مثلما قال "نقد" (ليه ما جيتو شلتو الفاتحة)؟ - أطلق ضحكة عالية وهمهم قائلاً: (فعلاً رد جميل من نقد).. ثم استطرد: الحزب الشيوعي ما قايم (بروس) هو قام لأنه يعبر عن مصالح ومطامح قوى طبقية واسعة، ويحمل مطامح قوى اجتماعية موجودة في السودان، وما دام هذه القوى الاجتماعية موجودة وتلعب دوراً في الحياة السياسية، فإن الحزب الشيوعي لن يموت. } يعني لم يمت؟ - لا يمكن أن يموت لان المستقبل عنده، ولان هذه القوى الاجتماعية التي يحمل الحزب مطامحها هي التي لديها المستقبل لكي تبني السودان ويحظى بالرفاهية والسلام والديمقراطية. } ما هو رأيك في التغيير الأخير للحكومة وخروج قيادات إنقاذية وصعود أخرى؟ - التشكيل الوزاري الأخير لا يعني الشعب السوداني كثيراً.. بل يعني المجموعات الموجودة داخل (المؤتمر الوطني) والتي تتصارع من أجل الوصول إلى السلطة والثروة.. أي تغيير إذا لم يكن جذرياً لن يكون نافعاً.. وهذا النظام نتيجة لأيدلوجيته التي يبني سياساته على أساسها هي التي أدت إلى هذا الوضع الذي نعيش فيه من تغييب الديمقراطية والحريات ومصادرتها والحروبات القائمة نتيجة لتبنيها سياسات التحرير الاقتصادي كرأسمالية طفيلية ليست لديها مصلحة في العمل الإنتاجي، ولكنها تعيش على أكتاف المنتجين وانهارت الصناعة والزراعة وانهارت الخدمات الاقتصادية سواء أكانت سكة حديد أو نقل بحري أو نهري أو طيران مدني، وانهارت كل الخدمات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم، وهذه الحروب القائمة نتيجة لأيدلوجية النظام الذي يريد أن يذعن كل الأطراف عن طريق العنف والقوة ويستولي على الموارد. وبدون إسقاط هذا النظام لن يحدث أي تحسن بل سنعيش في مزيد من الأزمة، ويمكن أن يؤدي إلى تفكك الدولة السودانية وليس هناك أي بديل سوى إسقاطه تماماً. المجهر