بايرن ميونخ يتغلب على تشيلسي    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "مرصد الجزيرة لحقوق الإنسان يكشف عن انتهاكات خطيرة طالت أكثر من 3 آلاف شخص"    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    سيناريوهات ليس اقلها انقلاب القبائل على المليشيا او هروب المقاتلين    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    خطوط تركيا الجويّة تدشّن أولى رحلاتها إلى السودان    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. خلال حفل بالقاهرة.. فتيات سودانيات يتفاعلن في الرقص مع فنان الحفل على أنغام (الله يكتب لي سفر الطيارة) وساخرون: (كلهن جايات فلاي بوكس عشان كدة)    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    حياة جديدة للبشير بعد عزله.. مجمع سكني وإنترنت وطاقم خدمة خاص    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    هدف قاتل يقود ليفربول لإفساد ريمونتادا أتلتيكو مدريد    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    مبارك الفاضل..على قيادة الجيش قبول خطة الحل التي قدمتها الرباعية    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    السودان يستعيد عضوية المكتب التنفيذي للاتحاد العربي لكرة القدم    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



متطلبات الحوار السوداني بين الذين يطالبون بحقوقهم والذين يدافعون عن امتيازاتهم
نشر في الراكوبة يوم 02 - 03 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
الدعوة لابتدار حوار وطني لحلحلة الازمات المستحكمة في السودان أمر يجب أن يجد الترحيب من الجميع , مع الأمل في صدق النوايا من كل أطراف الحوار , وبخاصة نية حكومة الخرطوم . على الحكومة ان تصدق النية في الحوار الذي اعلنت عنه , ليس فقط لاجل القضية الوطنية شديدة الخطورة والالحاح , بل أيضاً لأجل أن يخرج الذين أوصلوا البلاد الى هذا الدرك بأقل الخسائر الممكنة . إذ لم يعد أمام حكومة الخرطوم من هامش يمكنها من المناورة لمدى أطول بعد ان أوكت يداها بحرق كل سفن النجاة . فالأوجب الاعتراف بالفشل والتوجه للناس بالاعتذار وصدق النية في الانخراط باخلاص لانجاز الحوار . إلا أن لمثل هذا الحوار متطلبات يجب توفرها إذا صدقت النوايا . يجب أولاً تحديد المشكلة بوضوح علمي دقيق , ثم تحديد أطراف النزاع على ضوء وضوح أصل المشكلة . بعدها تستبين المواقف لكل طرف . بعد ذلك يتم تحديد مدى استعداد كل طرف لتقديم تنازلات بغية الوصول الى توافق , ثم على ضوء ذلك تتم صياغة مقاصد وبنود الحوار.
أولاً: تحديد المشكلة السودانية بصورة علمية:
في مثل هذه الحالات ذات الطبيعة السياسية المعقدة , يسعى كل طرف لتفسير الوقائع حسب منظوره وبما يخدم مصالحه , وهو أمر مفهوم . ولكي يمكن إيجاد حلول , يجب أن تنصاع كل الأطراف للقبول بالحقيقة العلمية المجردة التي يؤتى بها من ذوي الخبرة والاختصاص . المشكلة السودانية كما يحددها المنظور الاكاديمي تنبع من استحواذ نخبة معينة من السكان على السلطة والثروة ومفاصل الدولة , مع تهميش وإقصاء لباقي مكونات المجتمع خاصة الأطراف الهامشية . هذا مع استخدام هذه النخبة لأجهزة وإمكانات الدولة وتسخيرها لتمكين قبضتها واستدامة هيمنتها عن طريق سياسات منهجية عمدت إلى إقصاء المنافسين المحتملين من الأقاليم الطرفية . نتج عن هذه السياسات أن تكونت طبقة ذات امتيازات واسعة كسبتها من استحواذها الطويل على السلطة والثروة منذ الاستقلال . يقابلها فئات ومجموعات عريضة في مناطق واسعة من السودان ظلت مهضومة الحقوق ومهملة من قبل الدولة في اهتمامات التنمية والمشاركة , على الرغم من أنها مجتمعات منتجة يعتمد عليها الاقتصاد الوطني اعتماداً كلياً . قادت هذه الاختلالات في بنية الدولة السودانية الى إحساس متعاظم بالغبن من قبل تلك الفئات والمجموعات المهضومة عبرت عنه بالمطالبة بالحقوق عن طريق كيانات مناطقية وتكتلات فئوية . وفي ظل فشل النخبة الحاكمة المستمر في الاستجابة لتلك المطالب المشروعة ومحاولاتها المستمرة لإخماد صوت تلك المطالب بالقوة , لم يجد مهضومي الحقوق بداً من حمل السلاح لأخذ حقوقهم . كان انفصال الجنوب أحد أبرز تجليات هذا الصراع بين المجموعات العريضة التي تسعى لانتزاع حقوقها المهضومة وبين النخبة ذات الامتيازات المتحكمة في مركز الدولة والتي هي على استعداد للتخلي عن أجزاء من تراب الوطن في سبيل الحفاظ على امتيازاتها كما دلت تجربة فصل الجنوب .
هذا باختصار جوهر المشكلة السودانية كما يراها المختصون الاكاديميون . وعلى ضوء تحديد المشكلة , يكمننا تحديد أطراف النزاع بوضوح في فئتين كالآتي : أولئك الذين يطالبون بحقوقهم , وأولئك الذين يدافعون عن امتيازاتهم .
المطالبون بحقوقهم:
المطالبون بحقوقهم يشكلون قطاعات واسعة من المجتمع السوداني , ليس فقط أولئك الذين يحملون السلاح من قوى الهامش , بل أيضاً فئات عديدة من سكان الريف والحضر . يمكن الاشارة إلى بعض هذه الفئات الحضرية التي تشعر بالغبن من سياسات الدولة نحوهم لأسباب عدة: من فقراء المدن , والمتبطلين من الخريجين وحملة الشهادات الذين يشعرون بالتمييز البائن ضدهم فيما يتصل بحقوق التوظيف والعمل والمشاركة وتمكين أهل الولاء .الشباب الذين انسد أمامهم الأفق وفقدوا الأمل في المستقبل بسبب سياسات الدولة التي لم تعر ادني اعتبار لأمر الشباب ومستقبلهم وايجاد فرص النجاح لهم . ينسحب ذات الشيئ على السوق والتجارة وتصفية كل من لا ينتمي الى المؤتمر الوطني من السوق واحتكار كامل النشاط الاقتصادي لمنسوبيه. وقطاعات المهجرين قسراً االى خارج البلاد الذين تم ابعادهم بدواعي سياسية وجهوية بالفصل الجائر والملاحقة والاحالة للصالح العام وللمعاش المبكر خاصة في أوساط القوات النظامية لكل القادة المحترفين النظيفين الوطنيين ممن لا انتماء لهم غير الوطن . استهدفت بصفة خاصة فئات الأطباء واساتذة الجامعات والصحفيين ودور الفكر والاستنارة والنقابات.
اتساع قاعدة المطالبين بحقوقهم تشمل ليس فقط الفئات الحضرية الكثيرة آنفة الذكر المتضررة من سياسات الدولة المركزية, بل تشمل غالب جهات وأقاليم السودان : شرقاً وغرباً , شمالاً وجنوباً . ظلت مشكلة المطالبين بحقوقهم في جنوب السودان تراوح مكانها لعدة عقود مع فشل الحكومات المركزية المتعاقبة وصلفها واستعلائها حتى قاد في نهاية المطاف الى انفصال الجنوب . المجموعات المهضومة المهمشة في الشرق ظلت تطالب بحقوقها منذ بدايات تكوين مؤتمر البجا في ستينات القرن الماضي وحتى اليوم . وكذا المطالبات بالحقوق في غرب السودان منذ تكوين مؤتمر أبناء دار فور ومؤتمر أبناء النوبة منذ فجر الاستقلال . ثم هناك المجموعات المغبونة في شمال السودان : الحلفاويين منذ ان غمرت مياه السد العالي وبحيرة ناصر اراضيهم في حلفا القديمة في صفقة خائبة مع مصر , ثم غبن المناصير والمحس اثر قيام سد كجبار على أراضيهم .
الاتساع الجغرافي للمطالبين بحقوقهم والممتد شالملاً كل الجهات والاقاليم يقودنا لاستنتاج واحد : وهو أن لب المشكلة السودانية يكمن في مركز الحكم في الدولة السودانية – الخرطوم , حيث تتمركز النخب ذات الامتيازات , ظلت ممسكة بها منذ الاستقلال , وهي تحاول اليوم جاهدة الدفاع عن تلك الامتيازات رغم جموع الفئات الكثيرة المهضومة واتساع نطاق المجموعات السكانية المهمشة المتضررة من هيمنة نخب المركز على مقدرات الوطن . فما هي طبيعة هذه النخب الممسكة بزمام الأمور وتأبى الاعتراف بالآخرين المطالبين بحقوقهم ؟
المدافعون عن امتيازاتهم :
النخب في مركز الدولة السودانية التي تدافع عن امتيازاتها تشمل كل أولئك الذين تسنموا قيادة الحكم من النخبة السياسية الحاكمة , وتحالفاتها مع المؤسسة العسكرية والرأسمالية وشيوخ الطرف الصوفية والزعامات القبلية والعشائرية . هذه النخب شكلت تحالفات راسخة فيما بينها مبنية على شبكة واسعة من المصالح المشتركة تدعمها قاعدة جماهيرية واسعة من المريدين والأنصار والحيران والتجار والمنتفعين والأرزقية والمنجذبين باسم الدين وبسطاء الناس , تحميهم القوة العسكرية والأمنية عند الضرورة . ولا يخفى ان هذا التحالف القوي قد سلم الحكم فعلاً الى العسكريين عدة مرات حين استشعروا الخطر على امتيازاتهم.
اليوم لا يختلف الأمر كثيرا في امر هذه النخب في الدفاع عن امتيازاتها حين نجد القادة يصطفون في خندق واحد مع المؤتمر الوطني ملبين دعوة الأخير للحوار دون شروط . يمكن قراءة هذا الاصطفاف النخبوي على عدة مؤشرات:
يشير الى انتماء هذه القيادات جميعها لنفس النخب ذات الامتيازات
الاصطفاف دليل على عزمهم على الدفاع عن امتيازاتهم ضد الخطر الذي يتهدد زوالها عنهم
دليل على ان القضية الوطنية – رغم الحاحها – ليست من أولويات هذه النخب , بل القضايا الوطنية تاتي أهميتها عندهم بمقدار تلبيتها لطموحاتهم في الزعامة وتحقيق الامتيازات المرتبطة بها
يشير هذا الاصطفاف الى التباعد الكبير بين القيادات – حزبية أو دينية أو عسكرية – التي تنتمي في حقيقتها ومواقفها الى النخبة ذات الامتيازات , وبين القواعد العريضة التي تنتمي في حقيقتها الى المجموعات المهضومة , وبالتالي فالموقف الصحيح للقواعد الحزبية هو الاصطفاف في المعسكر الذي ينادي من أجل الحقوق للكافة .
الصراع في السودان إذن يقوم بين فئتين : فئة الذين يطالبون بحقوقهم في مناهضة ذوي الامتيازات الذين يدافعون عن امتيازاتهم . و بذلك فلا شك انه صراع يتسم بالتعقيد والشراسة . اذ لكل طرف جوانب قوته وضعفه . فالذين يطالبون بحقوقهم يشكلون غالب أهل السودان وسواده الأعظم , وكل أقاليمه تقريباً بمن فيهم من يحمل السلاح في وجه الدولة . إلا انه رغم القوة العددية والاتساع الجغرافي العريض , فجوانب الضعف فيه بائنة . هذا المعسكر لم ينتظم بعد في جبهة قوية متحدة تضم كل فئاته الحضرية ومجموعاته السكانية ومناطقه الجغرافية الممتدة على امتداد الوطن . فبرغم أن الجبهة الثورية تشكل وعاءاً محتملاً ممكناً لمثل هذه الوحدة المطلوبة , إلا أن الكثير من مكونات هذا المعسكر لا زالت خارج إطار هذ الوحدة الملحة . كما تنقصه الخبرة والتجربة التي تتوفر للمعسكر الآخر في ممارسة الحكم وفنون إدارة مؤسسات الدولة والعلاقات الخارجية. ولم يفوت معسكر ذوي الامتيازات اي سانحة لإفشال الوحدة والاصطفاف بين مكونات هذا المعسكر , مستفيدين في ذلك من مؤسسات وخزينة الدولة للصرف على عمليات الإفشال والتخريب بشراء القيادات وإفساد الذمم وكل الأساليب الفاسدة التي يجيدونها .
في المقابل , الذين يدافعون عن امتيازاتهم من النخب السياسية والعسكرية والرأسمالية والدينية والزعامات القبلية يشكلون قوة عظيمة من حيث المال والعتاد والتنظيم والقواعد المنتفعة من الامتيازات , وشبكة متصلة من العلاقات الداخلية والخارجية . كما انه بمقدورهم الاستمرار في اللعبة وشراء الوقت لأنهم لا يصرفون من جيوبهم , بل يتم الصرف على متطلبات بقائهم وامتيازاتهم من خزينة الدولة ومن قوت وعرق المسحوقين .
يبقى السؤأل المحوري: هل يقبل طرفا الصراع بالحوار بالاتفاق أولاً على تحديد المشكلة ؟ وهل كل طرف مستعد لتقديم تنازلات فيما يليه لانجاح عملية الحوار؟
هل كل طرف مستعد لتقديم التنازلات المطلوبة لانجاح الحوار؟
يبدأ الاستعداد لتقديم التنازلات الضرورية بفهم طبيعة المشكلة أولاً. فاذا سلم كلا طرفي الحوار بطبيعة المشكلة كما جاء في الفقرة أعلاه وهي أن أصل المشكلة السودانية ينبع من هيمنة النخبة في مركز الدولة على السلطة والثروة وإقصاء الآخرين . يستتبع ذلك اعتراف ذوي الامتيازات بالاخطاء التاريخية التي ارتكبوها في حق الوطن والفشل الذي لازم أداء هذه النخبة في إدارة الشأن الوطني كان انفصال الجنوب أبرز شواهد هذا الفشل , مع التسليم بأن استمرار هذه النخبة بذات النهج سوف يقود الي المزيد من تفكك السودان وذهاب أجزاء أخرى منه مثلما الجنوب .يجب ان يكون مثل هذا الاعتراف مشفوعاً بالايمان الصادق في التوجه لتصحيح هذه الأخطاء . ويعني أول ما يعتي ذلك الاقتناع بضرورة تفكيك مركز الدولة السودانية القائم وإعادة بنائه على أسس جديدة يتفق حولها جميع السوانيين .
فهل الذين لا يزالون يدافعون عن امتيازاتهم مستعدون لتقديم هذا التنازل المبدئي والذي بدونه يكون الحوار بلا جدوى ولا منهاج مستقيم . في المقابل , الذين يطالبون بحقوقهم مطالبون بأن يصدقوا أهل السوان انهم لا ينوون إقامة نخبة مهيمنة بديلة تعيث فساداَ كما عاثت سابقتها . فالسوانيون لا يريدون استبدال مستبد بمستبد آخر .عليهم أن يطمئنوا الناس ويقنعوهم بأن هدفهم هو بناء "دولة المواطنة" التي يقف فيها الناس جميعاً سواسيا أمام القانون في نيل الحقوق وبذل الواجبات في شرف المشاركة في البناء الوطني . لا يكفي هنا مجرد الكلام , بل يجب أن يقدم هذا الطرف منفستو وميثاق شرف مكتوباً يعرضه على كافة أهل السودان يوضح كيف يتم بناء "دولة المواطنة" التي تسع الجميع مبنية على التراضي بين كافة فئات ومكونات المجتمع تنتفي فيها هيمنة البعض على البعض الآخر . مفهوم التراضي Consentوالتوافق Compromisesهي مفاهيم جوهرية في إبرام اي عقد اجتماعي جديد يربط بين كافة مكونات المجتمع ويحكم علاقاتهم ومعاملاتهم حسب القانون الذي يتواضع عليه الجميع .
إذا توفرت هذه المتطلبات الأساسية , يعكف طرفا الحوار ومعاونيهم الاقليميين والدوليين في تحديد مقاصد الحوار وبنوده .
مقاصد الحوار وبنوده:
لا بد أن ينطلق الحوار من اسس يتوافق عليها أطراف الحوار . ولما كان هذا أمر كثير التشعب والتفاصيل ,إلا هناك بعض المنطلقات الأساسية التي لا بد من توافرها .
أولاً : الاقتناع التام بأن المشكلة الوطنية قد وصلت مداها , ولا بد من التوجه بصدق لإيجاد الحلول الناجعة لها . ويبدا هذا التوجه بالاعتراف بجذور المشكلة التي تسببت فيها النخبة الحاكمة منذ الاستقلال وفشلها التام الذي اعترفت به كل القيادات على رؤوس الاشهاد في إدارة الدولة ما قاد الى الكارثة الحالية التي يسعى الكل لتفادي آثارها المدمرة على الوطن . وان السودان كدولة أمامه خياران : إما أن يكون أو لا يكون , إما ان تتم إعادة بناء وهيكلة الدولة السودانية على أسس جديدة , أو سوف يذهب كل اقليم لحال سبيله .
ثانياً : القول بإعادة هيكلة الدولة السودانية سوف لن يكون مجدياً إذا لم يتم تطهير بؤر الفساد التي نخرت في جسد الدولة - إذا ما تركت هذه البؤر الآسنة دون معالجة حتماً سوف تسمم الجسد السوداني مرة ثانية , ونكون يا عمرورحنا ولا جينا . فلا بد من المساءلة الحازمة للانتهاكات التي ارتكبت , ولا بد من رفع المظالم ورد الحقوق وإرجاع الأموال المنهوبة , وأصول الحق العام والممتلكات العامة التي تم نهبها وغنيمتها بواسطة النخب الفاسدة منذ الاستقلال وحتى اليوم .
ثالثاً : لا بد من إعادة بناء القوات النظامية على عقيدة تتسق ومتطلبات بنائها كمؤسسات قومية احترافية بعيدة عن الاستقطابات السياسية والايديولوجية , وتقويتها بالتدريب والعتاد لأداء دورها في الدفاع عن تراب الوطن , وليس لحماية امتيازات النخب الحاكمة .
رابعاً : توافق الدستور والقوانين بحيث تكون الحارس لهيبة الدولة والضامن للحقوق والواجبات المتساوية لكل المواطنين دونما تمييز , والقضاء المستقل الذي بقف أمامه الناس سواسيا لا فرق بين شمالي أو جنوبي , بين أفريقي أو عربي حتى تنتفي الى الأبد الثقافة الجاهلية في الشوكة والغلبة وتدال الأمور بين الناس بالحق القانوني .
الحوار كما هو واضح ليس نزهة , بل هو أمر جد عسير , يتطلب الشجاعة وصدق النية لأجل انتشال الوطن مما هو فيه من مهالك . ويقع التحدي الأكبر على عاتق النخب التي تسببت في خلق المشكلة السودانية التي ظلت تؤرق كل مواطن , كما تؤرق المجتمع الاقليمي والدولي , وإصرار هذه النخب على التمسك بامتيازاتها في الحكم والثراء على حساب بقية الشعب , بل على حساب القضية الوطنية برمتها وبقاء الوطن أو فنائه . فهل هم على استعداد لتقديم التنازلات المطلوبة ؟ أم سنرى نيفاشا ثانية وثالثة في مقبل الأيام ومزيد من التمزق في الجسم السوداني بعد فقدان الجنوب ؟؟
[email protected]
السبت 29 ربيع ثاني 1435 ه الموافق 1 مارس 2014 م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.