تردد كثيرا اسم ليلى الطرابلسي زوجة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، خلال الهبة الشعبية التي شهدها المجتمع التونسي، والتي أفضت إلى الحراك السياسي والشعبي الحالي، الهادف إلى تغيير نظام الحكم. والواقع أن البروز الإعلامي والسياسي لزوجة الرئيس ما فتىء يتصاعد منذ التسعينيات. وإذا كان الشارع التونسي والعربي عموما، اعتمد أسلوب التقية في تناوله لنظام بن علي وللبطانة الفاسدة المحيطة به وخاصة زوجته وعائلتها، في ظل ' الديكتاتورية الناعمة' للجنرال بن علي بتعبير الصحافي توفيق بن بريك، والتي ستكشف عن وجهها البشع خلال الأحداث الأخيرة التي شهدتها البلاد، والتي سالت فيها دماء المئات من التونسيين وقتل فيها العشرات منهم. فإن الرأي العام الغربي كان يتابع تحولات النظام ورجالاته ونسائه، والفاعلين السياسيين فيه، وخاصة ليلى الطرابلسي، التي دخلت إلى حياة الرئيس بن علي منذ 1992. وفي هذا الإطار يأتي إصدار الصحافي نيكول بوNicolas Beau رئيس تحرير موقع بقشيش الشهير، بمعية الصحافية كاترين غراسيي Catherine Graciet كتاب ' الوصية على عرش قرطاج ' la R'gente de Carthage، حول أسرار وخبايا السيدة الأولى في تونس، التي صارت مع توالي السنوات المتحكمة الفعلية في خيوط اللعبة السياسية فيها. وحسب مؤلفي الكتاب، فقد استطاعت ليلى الطرابلسي أن تحول عائلتها إلى فاعل سياسي واقتصادي مركزي في تونس، هو أكثر من مجرد لوبي ضاغط وأقل من ' مافيا'، ذلك أن رجالات العائلة، الذين يحتمون بمؤسسات الدولة، لا يتورعون عن فعل أي شيء من أجل حماية مصالحهم، فهم يهددون خصومهم والمنافسين لهم ويلقون بهم أحيانا في السجون، أو يمارسون عليهم شتى أنواع العنف في الشارع، وفي بعض الحالات الاستثنائية يصفّونهم جسديا أو يختطفونهم. ولعل الشعار الوحيد الذي كان يوجه أنشطة العائلة هو ' الاغتناء'، بكل الطرق وبأسرع ما يمكن، على حساب استنزاف مقدرات البلاد، والقضاء على الطبقة المتوسطة، التي شكلت لزمن طويل مفخرة تونس، والتي أضحت في العقد الأخير من حكم بن علي ضحية للقروض ولدوامة الحياة الاستهلاكية، ومراكمة الثروات بالنسبة إلى ' آل الطرابلسي'، هي وسيلة من أجل شراء الذمم وتمويل جيش المرتزقة، الذين ظهرت ' فعاليتهم' عقب سقوط النظام، إذ عاثوا فوضى وفسادا في البلاد، وأدخلوا الرعب إلى نفوس التونسيين خلال الأيام التي أعقبت انهيار النظام. حتى لا نقسو على نساء تونس لكن الصورة القاتمة التي ترسمها وسائل الإعلام للمسماة ليلى الطرابلسي، لا ينبغي أن تحجب حقيقة المرأة التونسية ووضعيتها، التي تبدو بحق متقدمة عن نظيرتها العربية. فمنذ استقلال تونس تبنى نظام بورقيبة مدونة أحوال شخصية رائدة في العالمين العربي والإسلامي، حرص خلالها هذا الزعيم الوطني على جعل قانون الأسرة التونسي يتماشى مع مقتضيات ومبادئ حقوق الإنسان في كونيتها، وذلك عبر إلغاء التعدد، وإقرار الحق في الطلاق، واحترام حرية اختيار الزوج...الخ. ومعلوم أن بورقيبة نفسه لم يذهب بعيدا في إصلاح قانون الأسرة، حتى وإن كان مثلا قد رخص بالإجهاض سنة 1962، ودخل القرار حيز التنفيذ منذ 1965، أي عشر سنوات قبل قانون سيمون فايل في فرنسا. فالواقع أن بورقيبة، لاعتبارات سياسية، حاول مهادنة الإسلاميين من أجل التصدي للخطر الماركسي، لهذا صرح في مؤتمر ' الاتحاد النسائي التونسي' سنة 1976 بأنه ' ليس من الضروري للمرأة أن تمارس أنشطة مؤدى عنها خارج البيت.' كما أنه لم يثر مسألة الإرث، ولا أبقى على سلطة الأب داخل الأسرة.. وحتى القبضة الحديدية لنظام بن علي لم تستطع التراجع عن إرث بورقيبة فيما يتعلق بمدونة الأسرة، حيث عمل الجنرال في بداية حكمه على الحفاظ على الإرث البورقيبي فيما يتعلق بحقوق النساء، بل قام بتعزيز هذه الحقوق، وجعل من النهوض بوضعية النساء في تونس ذريعة للاحتماء من انتقادات الغرب لنظامه وتجاوزاته، وفي هذا الإطار نفهم مغزى عبارة دنيس جامبار مدير مجلة الاكسبريس الفرنسية، التي تلخص موقف فرنسا، والغرب عموما من نظام بن علي: ' بن علي ضد بن لادن'. وعلى العموم فإن النزعة النسائية للنظام التونسي في عهد بورقيبة، كما في عهد خلفه بن علي، شكلت في نظر مؤلفي كتاب ' الوصية على عرش قرطاج' إطارا مثاليا لبروز شخصيات نسائية قوية وطموحة، فعلى المستوى السياسي، احتلت النساء - وما زلن - مكانة مهمة في قلب السلطة، وخير مثال على ذلك، زوجتا الرئيسين بورقيبة (وسيلة بن عمار) وبن علي (ليلى الطرابلسي)، اللتان لعبتا دورا مركزيا في الحكم إلى جانب زوجيهما، مع اختلاف كبير طبعا، جعل زوجة بورقيبة أشبه ب ' ايفا بيرون' وزوجة بن علي أشبه ب ' إلينا تشاوشيسكو'. وعلى المستوى السوسيو- اقتصادي تمثل النساء اليوم ربع الساكنة النشيطة، كما تشكل ثلث المحامين، وثلثي الصيادلة...الخ. ويظهر جليا من خلال الحضور الحاسم للمرأة التونسية في ما يصطلح عليه ب' ثورة الياسمين'، بأن هذه المشاركة في الفضاء العام، هي تتويج لنضال مرير خاضه شعب أعزل في مواجهة أجهزة دولة بوليسية، نضال لم يكن فيه فرق بين الرجل والمرأة. ويكفي هنا أن نسرد من بين الأسماء التي تصدت بشجاعة وجرأة، لبطش نظام بن علي، أسماء مناضلات تونسيات، من أبرزهن: المحامية راضية نصراوي، والمناضلة الحقيقية سهام بنسدرين. وفي نهاية المطاف نقول إن استعارة ' ثورة الياسمين' نفسها، التي تطلق على انتفاضة الشعب التونسي ضد نظام بن علي الشمولي، تحيل على الأنثوي، على نساء تونس وعلى شبابها، أكثر من إحالتها على شيء آخر... فوزي بوخريص