لا زالت مجالس السياسة السودانية تضرب أخماساً في أسداس للتكهن ببديل الرئيس البشير القادم.. وتكاد تجمع على أن مرشح الوطني لانتخابات الرئاسة القادمة هو الفريق بكري حسن صالح.. وهذا ما لم ينفه أو يؤكده المؤتمر الوطني الذي استمرأ لعبة التعمية وترك الحبل على الغارب للشائعات بل سعى لتغذيتها من خلال التغييرات التي طالت القيادات التنفيذية العليا بالدولة وأتت بالفريق بكري على قمة الهرم التنفيذي مدعوما بثقة الرئيس البشير لأواصر الصداقة والزمالة . سرى الهمس حول سبب اختيار الفريق بكري لهذا الموقع وهو الذي ظل بعيداً عن دائرة العلاقات العامة للحزب لردح من الزمن ولقد أجمعت الآراء على أن اختياره هو الضمانة اللازمة لعدم مثول الرئيس البشير أمام الجنائية الدولية مع الحفاظ على السلطة داخل حوش القوات المسلحة. لكني أرى شجراً يسير.. وأن خلف الأكمة أصابع خفية تحرك المشهد السياسي بحنكة.. اعتقد أن الرجل الذي هندس ربع القرن الماضي من وراء حجاب لن يذهب إلى أضابير التاريخ مختاراً خصوصاً وأن دوره خلال ربع القرن الماضي اتسم بالغموض والبعد عن التصريحات النارية كما أنه كان حريصاً على لبس عباءة حكيم الدولة تسنده خلفيته السياسية والمهنية. إضافة إلى ذلك لم تثار حول الرجل شبهات الفساد المباشر التي طالت الكثيرين علاوة على أن معظم أهل الإنقاذ الحاليين يدينون له بالولاء الشخصي وذلك حسب ما ورد في "عشرية الإنقاذ الأولى" للمحبوب عبد السلام الذي أكد حرص الرجل على أن يتصل شخصياً بكل من يتم اختياره لتقلد منصب تنفيذي عالي بالدولة وبالتالي دار الجميع في فلكه جبراً أو اختياراً. هذا الاختيار قد تتقبله الدوائر الإقليمية خصوصاً بعد ذهاب نظام مبارك الذي وجه له إصبع الاتهام بمحاولة اغتيال الرئيس في أديس أبابا كما أن الدوائر الغربية لن تعترض عليه خصوصاً وان فترة إدارته للخارجية السودانية شهدت تعاوناً دبلوماسياً واستخبارتياً غير نشطاً مع معظم الدوائر الغربية. إختيار مرشح جديد للرئاسة مع بقاء التوجهات العامة على ما هي عليه لن يؤدي سوى لإعادة إنتاج الأزمة. يدرك أهل الإنقاذ قبل غيرهم عجزهم عن حل مشكلات البلاد السياسية والاقتصادية طوال ربع القرن الماضي وأن إدارة البلاد بهذه العقلية الأمنية لن يؤدي إلا لصب المزيد من الزيت على النار خصوصاً في ظل تنامي النعرات القبلية والجهوية إضافة للمشكلات القائمة مع دول الجوار حول ترسيم الحدود والمواجهة المزمنة مع العالم حول ملفات حقوق الإنسان وغيرها. يبدو أن الإنقاذ تسير في اتجاه تنفيذ مخططها بإجراء الانتخابات في موعدها الذي حددته بغض النظر عن مخرجات الحوار الأعرج ومقاطعة القوى السياسية المختلفة وعلى رأسها قوى الإجماع الوطني وقوى إعلان باريس.. كما أن الإرهاصات على الأرض تبين أنها ستبدأ اعتباراً من نوفمبر عقب انتهاء موسم الخريف حملة عسكرية ضارية على قوى الجبهة الثورية بعد أن استقطبت للقوات المسلحة أرتالاً من المجندين الجدد الذين جذبتهم الرواتب العالية فضلاً عن تشكيلات الحركات المسلحة التي أبرمت معها اتفاقيات ثنائية. بالتالي لن يتغير المشهد السوداني عن ما كان عليه بل أكاد أجزم أن معاناة الإنسان السوداني ستتفاقم وأن احتمالات دخول البلاد نفق الصوملة المظلم ستزداد. ما يهم الإنسان السوداني الآن هو لقمة عيشه وأمنه على نفسه وماله الذي استبيح ولن يكترث كثيراً بتغيير الواجهات طالما ظلت السياسات هي نفسها .. قد تتفاعل الدوائر السياسية مع الأمر أما معظم أهل البلاد فسيديرون ظهرهم لها ما لم يلمسوا تغييراً حقيقياً في أمور حياتهم اليومية فهل لا زال هنالك بصيص أمل في أن تتفادى بلادنا التفتت والاحتراب من خلال صياغة مشروع وطني ينهض بالبلاد من كبوتها . [email protected]