خالد التيجاني النور يكتب: فعاليات باريس: وصفة لإنهاء الحرب، أم لإدارة الأزمة؟    نقاشات السياسيين كلها على خلفية (إقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً)    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    قمة أبوجا لمكافحة الإرهاب.. البحث عن حلول أفريقية خارج الصندوق    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    هل رضيت؟    موقف موسى هلال يجب أن يسجل في دفاتر التاريخ    الخال والسيرة الهلالية!    الدعم السريع يغتال حمد النيل شقيق ابوعاقلة كيكل    زيلينسكي: أوكرانيا والولايات المتحدة "بدأتا العمل على اتفاق أمني"    وصول البرهان إلى شندي ووالي شمال كردفان يقدم تنويرا حول الانتصارات بالابيض    منى أبوزيد: هناك فرق.. من يجرؤ على الكلام..!    مصر ترفض اتهامات إسرائيلية "باطلة" بشأن الحدود وتؤكد موقفها    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    ضبط فتاة تروج للأعمال المنافية للآداب عبر أحد التطبيقات الإلكترونية    بعد سرقته وتهريبه قبل أكثر من 3 عقود.. مصر تستعيد تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني    بمشاركة أمريكا والسعودية وتركيا .. الإمارات تعلن انطلاق التمرين الجوي المشترك متعدد الجنسيات "علم الصحراء 9" لعام 2024    تراجع أم دورة زمن طبيعية؟    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    المدهش هبة السماء لرياضة الوطن    خلد للراحة الجمعة..منتخبنا يعود للتحضيرات بملعب مقر الشباب..استدعاء نجوم الهلال وبوغبا يعود بعد غياب    إجتماع ناجح للأمانة العامة لاتحاد كرة القدم مع لجنة المدربين والإدارة الفنية    نتنياهو: سنحارب من يفكر بمعاقبة جيشنا    كولر: أهدرنا الفوز في ملعب مازيمبي.. والحسم في القاهرة    إيران وإسرائيل.. من ربح ومن خسر؟    شاهد.. الفنانة مروة الدولية تطرح أغنيتها الجديدة في يوم عقد قرانها تغني فيها لزوجها سعادة الضابط وتتغزل فيه: (زول رسمي جنتل عديل يغطيه الله يا ناس منه العيون يبعدها)    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    الأهلي يوقف الهزائم المصرية في معقل مازيمبي    ملف السعودية لاستضافة «مونديال 2034» في «كونجرس الفيفا»    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستندات خطيرة عن تهجير «الفلاشا» ودفن النفايات وبيع الثروة.. فى عهد «نميرى»-(الحلقة الثانية)
نشر في الراكوبة يوم 23 - 06 - 2010

حصلت «المصرى اليوم» على وثائق ومستندات سرية وخطيرة، تكشف العديد من الأسرار حول فساد نظام الرئيس السودانى الراحل جعفر نميرى ورجاله ودورهم فى عمليات تهجير يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل فى ثمانينيات القرن الماضى، وهى العمليات التى بسببها واجه الرئيس نميرى تهمة الخيانة، إلى جانب دفن النفايات الذرية فى الأراضى السودانية، وبيع ثروات السودان لرجل الأعمال عدنان خاشقوجى.. وغيرها من وقائع الفساد، التى شهدها البلد الشقيق خلال عهد الرئيس الراحل.
وجاء الحصول على المستندات عن طريق مصدر مهم، قضى وقتاً من عمره فى السودان وتحديداً فى منطقة «القضارف» التى شهدت أهم مرحلة من مراحل ترحيل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل، استطاع أن يحتفظ بهذا الملف أكثر من ربع قرن، لكنه طلب عدم الإشارة إليه من قريب أو بعيد، واستحلفنا بشرف المهنة وأمانتها أن نحافظ على سريته طوال الحياة، وأن نلتزم بضمير وشرف المهنة فى نشر الوثائق، دون زيادة أو اختصار فى المعلومات وهو ما التزمنا به فلم نضف إلى محتوى الوثائق شيئاً وفضلنا الابتعاد عن التفسير أو التحليل، رغم ما يحتويه من أسرار خطيرة، تزيح الستار عن فترة حكم رئيس بلد عربى، أثار الكثير من الجدل حوله، فهو أول رئيس يطبق الشريعة الإسلامية، وهو الرئيس المتهم بالمشاركة فى توطين اليهود فى أرض فلسطين.
وقد يسأل البعض: ولماذا فتح هذا الملف الآن؟.. أو قد يتطوع البعض الآخر بالتحليل والتفسير، كلٌ حسب أهوائه وأغراضه، وقد يتساءل آخرون: ولماذا السودان ونميرى؟ ولماذا لا يكون هذا أو ذاك؟
ونرد بأن الحسابات السياسية والنظرة التآمرية لا مجال لها عند البحث فى مهنة الصحافة، والهدف وحده هو تقديم معلومات موثقة بمستندات رسمية عن فترة مهمة من تاريخ السودان، أثّرت بشكل مباشر فى مسيرة الأمة العربية والإسلامية كلها، لأنها تتعلق بالصراع العربى - الإسرائيلى، خاصة أن هذه المستندات هى نفسها التى استند إليها السودان عندما طلب من مصر تسليم الرئيس نميرى، لكن مصر رفضت.
«نميرى» أصدر أوامر تهجير يهود الفلاشا بطلب من الرئيس الأمريكى رونالد ريجان
بدأت الشائعات تنتشر فى السودان عن المبالغ التى دُفعت للقائمين على نقل وتهجير يهود الفلاشا وتوطينهم داخل إسرائيل بناء على أوامر عليا من الرئيس جعفر نميرى وباتفاق مباشر مع الإدارة الأمريكية، والناس بدأت تتساءل: اللواء عثمان السيد أخذ كام؟ واللواء عمر الطيب أخذ كام؟ والفاتح عروة أخذ كام؟
غضب الفاتح عروة من هذه الشائعات وقال للواء عمر الطيب: والله إحنا ضباط محترمين ونظيفين ونفذنا أوامر قانونية بصفتنا عساكر، وبكره نميرى ينظر فى هذا الموضوع مثلما نظر فى موضوع اعتقال الأطباء.
وطلب الفاتح عروة من اللواء عمر، جمع ضباط وأفراد جهاز أمن الدولة لكى يقول لهم الحقائق، لأن من قاموا بالعملية لم يكونوا يعلمون بها، وجمع اللواء عمر الضباط بداية من رتبة العقيد وقال لهم بالنص: «يكون فى علمكم إنه ما فيه شىء بيتم فى الجهاز ده بدون علم وتوجيهات الرئيس، وإنتم عارفين التصريح اللى قاله نميرى: لو عاوزين يشيلوا الباقيين يجيبوا طيارات الأمم المتحدة، لأن دى سياسة دولة والضباط الذين نفذوا العملية ليس لهم دخل بالسياسة ولا حتى بإسرائيل، ولا يعرفون خلفيات الموضوع»، وبعدها كان الفاتح عروة المسؤول عن تأمين بيت الرئيس جعفر نميرى أثناء استقباله نائب الرئيس الأمريكى جورج بوش خلال زيارته السودان وسمع من أحد الضباط أن الوفد المرافق لنائب الرئيس الامريكى طلب من نميرى السماح لهم بترحيل باقى الفلاشا بناء على طلب من الرئيس الأمريكى وقتها رونالد ريجان.
ومرّ الفاتح عروة بظروف نفسية سيئة بعد استبعاده من عمليات نقل الفلاشا واعتقال أولاد عمه بطريقة مزرية، وكان ذلك بسبب تسريبه معلومات عن عمليات الترحيل للإخوان المسلمين، لكن عروة أكد فى التحقيقات أنه لم يسرب المعلومات للإخوان، وإنما سربها لزملائه الضباط بطريقة منظمة، وطلب من اللواء عمر إجازة سنوية عن طريق وساطة اللواء عثمان السيد.
واتصل عثمان السيد باللواء عمر الطيب وقال له: الفاتح نفسياته «تعبانة وبطّالة» نعطيه إجازة ويروح لصاحبه ميرغنى سليمان سفيرنا فى بون، ولم يمانع اللواء عمر لكنه طلب منه أن يبلغ الفاتح بأن اللواء عمر يريده فى منزله مساء اليوم التالى ليطيب خاطره.
وفى المقابلة التى تمت بين الفاتح عروة واللواء عمر حدثه اللواء عن مساوئ الإخوان المسلمين، وأن لديه معلومات عن أنهم عقدوا اجتماعاً ناقشوا فيه قضية الفلاشا وتحدثوا عن الفاتح عروة وأنه سمع اللواء عمر يتحدث مع الرئيس وهو ما جعل الجميع يغضبون من الفاتح عروة.
وقال اللواء عمر الفاتح: أنا عارف إنك كنت دائماً تدافع عنى لكن هذا الكلام لم يكن من الصحيح أن يصدر منك، عموماً ما هى خطتك فى الإجازة، طلب الفاتح تذكرة من التذاكر المخفضة عبر الأطلنطى يسافر بها من بون إلى أمريكا لأن عنده هواية الطيران ويرغب فى الحصول على رخصة طيران، وقرر أن يكون السفر يوم طلب الإجازة ١٩ مارس حتى يتجنب الترحيل الثانى للفلاشا.
وسافر الفاتح عروة لأمريكا، وأثناء وجوده مع الملحق الإدارى للقنصلية فى مقر سكنه سمع أقاويل عن حضوره من أجل الحصول على شيك بمليون دولار المقابل لاشتراكه فى عمليات نقل الفلاشا.
وعندما وجد أن أمامه خيارين أولهما: البقاء وتقبل الشائعات، والثانى: العودة إلى السودان حفاظاً على سمعته وصورته أمام الأهل. اختار العودة.
وتكلفت عمليات التهجير مبالغ مالية كبيرة بعيدة عن ميزانية مكتب المندوب السامى فى الإعاشة والإقامة، وكانت تأتى عبر تحويلات شبكة التهريب بين القضارف والخرطوم وجوبا ونيروبى التى وصلت من شيكاغو عن طريق سيتى بنك، ووردت هذه المعلومات فى تقرير أعده الرائد عبدالله عبدالقيوم أبوزيد من جهاز أمن الدولة، يوم ٨ يناير ١٩٨٥ ورفعه لمكتب رئيس الجهاز ونائب رئيس الجهاز ومدير الأمن الخارجى «الأمن القومى» والأمن الداخلى ورئيس هيئة العمليات باعتبارهم جهة الاختصاص عن هذه المعلومات.
وتابعت لجنة التحقيق سماع أقوال واستجواب كل ضباط أمن الدولة الذين كانت لهم علاقة مباشرة بعمليات نقل وتهجير الفلاشا إلى إسرائيل، وكان العقيد أمن موسى إسماعيل سعيد هو الهدف هذه المرة.
وكان العقيد موسى مسؤولاً عن حركات التحرر الإثيوبية والإريترية ورصد المواد التموينية التى تأتى إليها عن طريق بورسودان والإشراف على أى سلاح لحركات التحرر، وتحركات القادة، ومن بين اختصاصاته تنظيم تحركات اللاجئين من العاصمة للمعسكرات والمدن داخل السودان وخارجه.
وكان مكتب شؤون اللاجئين التابع لوزارة الداخلية مسؤولاً عن إقامة المعسكرات والإشراف على الناحية الصحية والتعليمية والإنتاجية واستخراج وثائق السفر وتصنيف اللاجئين وترحيلهم من معسكر إلى معسكر، والترحيل نفسه كان يتم بإشراف وإذن مكاتب الأمن وبعد توجيه مكتب شؤون اللاجئين.
وكانت هناك علاقة مباشرة بين العقيد أمن موسى وعمليات نقل الفلاشا، واتضح ذلك من خلال الحديث الذى دار بينه وبين اللواء عمر محمد الطيب، النائب الأول لرئيس الجمهورية، عندما قال له: يا موسى بحكم إنك مسؤول عن اللاجئين، فقد صدر توجيه من الرئيس بالسماح للولايات المتحدة الأمريكية بأخذ يهود الفلاشا وإعادة توطينهم فى الولايات المتحدة وطلب منه الاتصال بمستر ميلتون بالسفارة الأمريكية عن طريق الفاتح عروة.
وكان ميلتون، المندوب الرسمى لوكالة المخابرات الأمريكية، الذى يتعامل مع الجهاز، وكان الاتصال من أجل لقاء مستر جيرى ويفر مسؤول اللاجئين بالسفارة الأمريكية، وفى اللقاء الذى جمع الأربعة ميلتون وجيرى ويفر والفاتح عروة وموسى تم الاتفاق على خطة النقل والتأمين والترحيل من مطار الخرطوم، وكان الطلب المهم من الجانب الأمريكى تأمين وصولهم إلى مطار الخرطوم قادمين من المعسكرات.
وفى اليوم التالى لهذا اللقاء الرباعى، تقابل الفاتح عروة والعقيد موسى مع اللواء عمر وأبلغاه بنية الجانب الأمريكى فى نقل يهود الفلاشا بواسطة طائرات جارتر من أوروبا، وحذروه من أن العملية ستكون مكشوفة لو تمت عن طريق مطار الخرطوم، لكن اللواء عمر قال لهم: لو الأمريكان طلبوا منكم أى شىء اعملوه، وبعدها سافر موسى إلى چنيف ليؤكد صدق ما قاله الفاتح عروة أمام لجنة التحقيق.
وكشف العقيد أمن موسى إسماعيل أن تكلفة الباص الواحد من الباصات التى استخدمت فى عمليات النقل من المعسكرات إلى مطار الخرطوم. كانت ٨٠٠٠ جنيه سودانى شهرياً، وعندما طلب ٣٢ ألف جنيه من اللواء عمر قال له: «ما عندناش قروش وأى منصرفات (يقصد مصروفات) مسؤولية الأمريكان». واصطحب موسى الفاتح عروة وتقابلا مع چيرى ويفر وطلبا منه ال٣٢ ألف جنيه فلم يعترض، وقال لهما: «كويس مستعدين ندفع أى منصرفات»، وتكفلت السفارة بالجازولين اللازم كوقود للعملية.
ولاحظ العقيد موسى وجود سيارة من السفارة الأمريكية تحمل لوحة هيئة دبلوماسية تسير أمام الباصات التى تحمل يهود الفلاشا، وكان بداخلها چيرى ويفر واثنان من مساعديه ونيكولاى القبرصى، العامل بالسفارة.
وبلغ عدد الرحلات فى البداية حوالى ٢٠ ثم وصلت إلى ٢٨، وكانت الأخيرة فى أول يناير ١٩٨٥، وعلم العقيد موسى فى اليوم الأخير أن يهود الفلاشا توجهوا إلى إسرائيل.
ويقول موسى «إنه عرف ذلك من إذاعة راديو لندن فى اليوم الأخير للرحلات»، عندما استيقظ متأخراً بسبب عطل المنبه، حيث كان معتاداً على الاستيقاظ مبكراً والذهاب إلى المطار فى منتصف الليل، لكن هذه المرة تأخر فى النوم حتى الثانية صباحاً وسمع الإذاعات الأجنبية تتحدث عن عمليات نقل الفلاشا، فذهب مسرعاً إلى المطار وأخبر رجال السفارة الأمريكية وعلى رأسهم چيرى ويفر بما سمعه فى الراديو، ولم يعلق ويفر، وهنا أبدى موسى اعتراضه وطلب وقف الرحلات فوراً.
وفى الصباح ذهب موسى واصطحب الفاتح عروة وتقابلا مع اللواء عمر وأخبراه بما سمع موسى فى الراديو، وأنه أوقف العمليات، فرد عليه اللواء عمر قائلاً: خير ما فعلت، وطلب من الفاتح تقريراً عن البيان الذى بثته الخارجية الإثيوبية واتهمت فيه السودان بتهريب الفلاشا إلى إسرائيل، وكرر العقيد موسى ما قاله الفاتح عروة بخصوص الاجتماع الذى تم فى الجهاز، وتأكيد اللواء على أن هذه العملية تمت بأوامر عليا وتوجيهات من الرئيس.
وقبل أسبوع من زيارة الرئيس جعفر نميرى لأمريكا، ذهب موسى لمقابلة اللواء عثمان السيد فأخبره بأن هناك تعليمات من اللواء عمر بضرورة تجهيز نفسه للسفر معاه إلى أمريكا لمناقشة بعض الموضوعات المتعلقة باللاجئين، وكان هذا الكلام فى أوائل مارس ١٩٨٥.
ويكشف ال«مستند ٧» عن أن موسى ذكر فى التحقيقات أنه طلب إعفاءه من هذه السفرية لكن اللواء عثمان السيد رفض وقال: دى تعليمات، وسافر موسى إلى أمريكا هو واللواء عمر والمقدم صلاح دفع الله، السكرتير الأول للواء عمر، وچون ميلتون وواحد ثان قالوا عنه إنه ممثل السفير الأمريكى، وظلوا حوالى يوم ونصف فى واشنطن، وأثناء الزيارة قابل اللواء عمر مدير المخابرات الأمريكية، وحضر معه اجتماعاً تنويرياً عن المخابرات الأمريكية، وفى اليوم الثانى تقابل اللواء عمر مع بوش الذى كان قد جهّز له مأدبة إفطار.
ويقول موسى: فى اليوم التالى عدنا إلى الخرطوم يوم الثلاثاء الظهر، وطيلة الرحلة فى أمريكا لم أتحدث مع اللواء عمر، ويوم الخميس صباحاً نادانى اللواء عمر وقال لى: الطيارات العسكرية الأمريكية الC١٣٠ حتيجى يوم الجمعة، فى القضارف محملة بالمواد التموينية وتشيل الجزء المتبقى من الفلاشا للولايات المتحدة الأمريكية.
وأخبره اللواء عمر بأن الموضوع سيكون فى إطار التصريحات التى أدلى بها الرئيس السودانى جعفر نميرى بأنه بيسمح لأى دولة غير إسرائيل عايزة تشيل الفلاشا تيجى تشيلهم، وعرفت منه أن الأمريكان جهزوا أنفسهم كويس علشان الموضوع ده يتم.
ويكشف موسى فى التحقيقات وجود تجهيزات فنية أمريكية ضخمة فى مطار القضارف من أجل عمليات نقل الفلاشا، حيث كانت أعداد كبيرة من الفنيين التابعين للجيش الأمريكى يحملون أجهزة الاتصال.
وكانت عمليات نقل الفلاشا هذه المرة سريعة، حيث كان يتم تقسيمهم إلى مجموعات بمنطقة معسكر تواوا، قبل الوصول إلى المطار الذى تم تأمينه بشدة، وكان العدد الباقى منهم ٤٥٠ شخصاً، ووصلت أول طائرة C١٣٠ أمريكية فى السادسة صباحاً، ثم توالى وصول الطائرات بمعدل طائرة كل نصف ساعة، وكانت تحمل عند هبوطها بعض المواد الغذائية وتقوم بإنزالها للتمويه ثم تحمل الفلاشا، وبلغ عدد الطائرات خمساً، وبعد ذلك حضرت الطائرة السادسة وحملت الفنيين التابعين للجيش الأمريكى، وانتهت هذه العملية فى التاسعة صباحاً.
وطلب موسى من نيكولا ودانيال التصرف فى المواد التموينية ولا يعرف كيف تم التصرف فيها، وبعد مغادرة الطائرة السادسة أرض المطار حضرت الطائرة التابعة للجهاز وركبها موسى مع باقى أفراد السفارة وعادوا للخرطوم.
ولم يكن موسى يعلم أن ميلتون هو مسؤول المخابرات المركزية الأمريكية بالسفارة، وقال فى التحقيقات إن اللواء عمر قال له إن العملية ستتم بطريقة سرية، وبالتالى هو لم يسأل عن أسباب سريتها، ورغم ذلك كان زملاؤه فى الجهاز يتهامسون عليه بأنه اشترك فى عملية نقل يهود فلاشا إلى إسرائيل وهو يعلم لأنه، وحسب أقوالهم، عندما سافر إلى أمريكا كان رايح يقبض الثمن، مثله مثل الرئيس نميرى وكل الذين أشرفوا على العملية التى تمت دون وجود وثائق سفر أو إجراءات فى الجوازات والجمارك.
كان الضباط الذين أشرفوا على العملية أو شاركوا فيها من الجانب السودانى يحصل الواحد منهم على ٤٠٠ جنيه حافزاً شهرياً، ومنهم فؤاد بندر والملازم أسامة، وفى حالة الاستعداد سيأخذ الجندى اثنين جنيه ونصف فى اليوم، بينما كان أجر كل سائق ٢٠٠ جنيه فى الشهر والحرس كذلك.
وجاءت عملية الترحيل الثانية بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس السودانى جعفر نميرى لأمريكا ولقائه مع بوش ومن قبله مدير المخابرات الأمريكية وهى نفس المقابلات التى أجراها اللواء عمر الطيب أيضاً ولكن كان بمفرده.
استمعت لجنة التحقيقات لأقوال اللواء عمر محمد الطيب رئيس جهاز أمن الدولة المنحل، النائب الأول لرئيس الجمهورية، وقال أثناء استجوابه سنة ١٩٨٣: جاءتنا معلومات عن وجود اثنين من الأمريكيين فى جوبا يقومان بترحيل إثيوبيين بطريقة سرية إلى نيروبى، وأرسلنا فريقا أمنيا تمكن من القبض عليهما وأحضرناهما إلى الخرطوم وحققنا معهما، ولكن لم نصل إلى شىء محدد، وقالا لنا إنهما جاءا كسائحين.
وفى هذه الأثناء ضغطت السفارة الأمريكية بشدة، وعبر اللواء عمر عن هذا الضغط قائلاً: «كانت تأتينا اتصالات مزعجة من السفارة، والكونجرس بدأ يعمل مشاكل، وطلب اللواء عمر من السفير الأمريكى توضيح الصورة وقال له: لا يصح إن الناس بتوعكم ييجوا عندنا ويرحلوا بعض الإثيوبيين إلى نيروبى، فتأسف له السفير وبعدها تم إطلاق سراحهم.
واعترف اللواء عمر محمد الطيب فى التحقيقات بأن الرئيس اتصل به سراً وقال له : يا عمر أنا عاوزكم تسهلوا مهمة ترحيل اللاجئين خارج القطر فى إطار برنامج إعادة التوطين، وفى اليوم التالى للاتصال قال اللواء عمر للرئيس: ياريس انت إمبارح أعطيتنا قراراً سياسياً، فقال له نميرى: الإدارة الأمريكية اتصلت بى وقالوا لى: عندهم برنامج ل٢٥ ألف شخص مطلوب توطينهم واتفقنا.
وبعدها ذهب اللواء عمر إلى مقر الجهاز فلم يتقابل مع اللواء عثمان مدير إدارة الأمن الخارجى، لأنه كان موجودا فى الأكاديمية فاتصل به، وبعد يومين عرف من اللواء عثمان أن الشخص الذى تم تعيينه لهذه العملية هو العقيد الفاتح عروة، وأكد اللواء عمر أنه كنائب أول لرئيس الجمهورية وكرئيس لجهاز أمن الدولة كانت لديه مهام ومشاغل أخرى، وأن الفاتح هو الذى أكمل العملية ووضع الخطة، وكان يأتيه كل خمسة أو ستة أيام ويطمئنه على خط السير وإنجاز العمل، وكان يقول له: ماشيين كويس.
وتلقى الرئيس جعفر نميرى رسالة شكر من الإدارة الأمريكية للرئيس ريجان نقلها نائبه بوش على التعاون فى عملية نقل الفلاشا، وطلبت منه خلال الرسالة استكمال البرنامج علشان العدد يوصل ٢٥ ألف يهودى المتفق عليهم منذ البداية.
ويكشف اللواء عمر الطيب فى التحقيقات أنه نصح الرئيس نميرى بضرورة إخطار الأخ عبدالرحمن سوار الذهب بصفته نائب القائد، أو الشخص المسؤول مباشرة بعد الرئيس، وبالفعل أمسك نميرى السماعة أمام اللواء عمر وطلب سوار الذهب وفتح الميكروفون وقال له: يا عبدالرحمن إحنا عندنا البرنامج اللى ابتدينا فيه بتاع ترحيل اللاجئين، فى طيارات C١٣٠ حتيجى إذا سمح الجو ومعاها مواد إغاثة وتأخذ الناس دول إلى أوروبا.
عبدالناصر الزهيرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.