انشغل الرأي العام السوداني في الفترة الفائتة بقضايا كثيرة، كانت مثار حديث وحوار مطول بين طبقات المجتمع المختلفة، ولعل من أشهر القضايا التي ظلت تثار كل عام عبر مواقع التواصل الاجتماعي قضايا وحكايات الزواج التي تصرف عليها أموال طائلة، فتناقلت وتحدثت وعلقت مواقع التواصل الاجتماعي، وانتشرت الأخبار وتحدث الناس.ولكن قافلة الهدايا والأموال المرسلة بلارقيب في هذه الزيجات ماضية دون توقف وكل يوم يحمل أخباراً جديدة عن زواج السياسي فلان والسيادي التنفيذي علان. وأبرز هذه الزيجات التي أشعلت فتيل الأقاويل والاندهاش هي زيجات السياسيين السودانيين، ، فإذا بالصور التي تضج بها المواقع تفتح التساؤلات وتزيد الرؤية ضبابية. زواج الرئيس التشادي ادريس دبي من أماني موسى هلال المستشار المسؤول بديوان الحكم الاتحادي كان واحداً من أشهر هذه الزيجات التي عمل بها موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك عملاً دؤوباً) فنقل كل تفاصيل مراسم الزواج ولم يقف بل تابع الحكاية حتى ما بعد ذلك، حتى أن المغردين أطلقوا عليه زواج العام، وحمل أحد أشهر فنادق العاصمة اسمه، فأصبح اسمه الفندق الذي أقيم فيه زواج إدريس دبي. كذلك تحدث الشارع السوداني ولفترة طويلة عن زواج والٍ سابق لولاية طرفية من فتاة اثيوبية ومن أسرة عريقة اثناء فترته والياً، وخاض الناس كثيراً في قصة هذا الزواج البذخي خاصة في موسم حصاد السمسم.. زواج آخر فتح النار على صاحبه هو زواج رئيس قطاع سيادي كبير كان معارضاً للنظام وتزوج فور توليه السلطة، فتناولت المواقع حكاية زواجه، وتابعها الناس وتحدثوا عنها كثيراً ولشهور كاملة. البرلماني دفع الله حسب الرسول الذي جاهر بضرورة التعدد حتى يتم انجاب جيل مجاهد وذلك بمنطق أن التعدد مصنع المجاهدين بحد تعبيره، هو الآخر ظهر على الصورة بعد الإعلان عن قيمة عالية لذهب وحلي ذهبية تم السطو عليها من قبل بعض اللصوص من منزل إحدى زوجاته. اضافة إلى نائب برلماني في إحدى الولايات الغربية أثار جدلاً واسعاً في زواجه الرابع خاصة وأنه دخل البرلمان معدماً وبلا زوجة . ومن هنا وهناك تدور الأحداث ويحتدم الجدل حول زواج شخصية برلمانية نافذة مشهور بالتعدد والطلاق لدوافع غير معلومة وزير دولة بوزارة الثقافة كان من ضمن الذين تابع الناس حكايات زواجهم الأسطوري. بالاضافة إلى شخصية دبلوماسية وصل السقف الأعلى لتعدد الزوجات، وسياسي إسلامي سابق ومنفٍ، له موقف معارض من النظام الحاكم عرف بتعدده ، كذلك السياسي الرياضي المثير للجدل، ورجل أعمال زواجه الأخير أثار جدلاً واسعاً مازالت آثاره باقية. لكن هذا العام ابتدأته المواقع بالزواج الذي يعد بجانب كونه الأشهر والأكثر متابعة، وهو مشروع اقتران عبدالله حسن البشير من فتاة أمدرمانية، وامتلأت الهواتف النقالة لعدد كبير جداً من السودانيين في الداخل والخارج بصور من أدق تفاصيل ما قدمه العريس المتوقع لعروسه المرتقبة، وتحدث الناس كثيراً عن الصور التي ظهر فيها المهر. الزواج الذي توقف قبل يوم واحد من إتمام مراسمه لا يعلم الناس حتى الآن التفاصيل كاملة عن الأسباب التي دعت لذلك. ولم يتوقف الأمر عند مواقع التواصل الاجتماعي، لكن وسائل إعلام عربية حملت الخبر وتناقلته بينها في توقيت متقارب أولها صحيفة (القدس العربي) التي أفردت مساحة كبيرة للخبر، وقالت أن الزيجة تم الغائها في ظروف غامضة . مرتبط بالصفوة الدكتور خضر الخواض استشاري علم الاجتماع سألته (التغيير) فأجاب: ( إن الأمر مرتبط بالصفوة بصورة عامة وهي فئة بسيطة تتباهى بالأموال في الزواج، وأدخلت انعكاسات سالبة في المجتمع السوداني وبصورة شاذة، سواء كان في مضمون الشيلة الذي يتم تقديره بالملايين بالاضافة إلى تأجير الصالات وامتداد الحفل لعدة أيام). وأضاف الخواض: (هي حالة مؤسفة بلا شك اجتاحت المجتمع بصورة كبيرة وليس في الخرطوم فقط وفي مناطق مختلفة وحتى أن المغتربين أصبحوا داخل هذا الاطار الشئ الذي جعل البنات يفضلن المغترب، مما أدى إلى زيادة نسبة العنوسة وسببها المغالاة الفاحشة وفي دراسات ميدانية اشتكى كثير من الشباب من تفاوت الدخل الذي يؤثر في اتمام الزواج بصورة سلسة وجميع الأسباب الاجتماعية وراءها أسباب سياسية؛ والسياسي أصبح يمتاز بالتعدد والشئ المؤلم عندما تأتي هذه التصرفات من سياسي تكون مؤثرة، والذي ينفقه السياسي يتزوج به عشرة شباب معدمين وهذا الأمر يؤثر في النسيج الاجتماعي واستقرار الشباب). وحرصاً على اظهار الجانب الشرعي في قضية اسراف السياسيين، قال الشيخ إبراهيم السماني إمام مسجد،: أن الاسراف في حفل زواج والمغالاة في المهور يعد إثماً، ويؤثم معه من يطالبه بالإنفاق الزائد سواء من السياسي أو الإنسان العادي . أما ظاهرة السباق في الإسراف والبذخ في حفلات الزواج فهي عادة غير سوية، وقد كنا في الماضي نتصرف في حفلات الزواج بالشيء المناسب ولا نرهق كاهل الشباب المقبلين على الزواج، حتى جئنا اليوم لنرفع من تكاليف حفلات الزواج ونجعلها باهظة، وننصح إخوتنا السياسيين وغيرهم "اتقوا الله في أموال العباد وما أعطاكم له الله الذي يقول في كتابه: (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) والخير الخير في التيسير في الزواج، كما أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم: "أبركهن أيسرهن نفقة". وقد وصف الشيخ السماني أنها من البدع التي استحدثت مؤخراً وأصبحت عائقاً حقيقياً للشباب في طريق زواجهم وتحصينهم فصرف عدد من الشباب غير القادرين على هذه المصاريف النظر عن الزواج؛ مشيراً إلى أن مثل هؤلاء الشباب لديهم طاقة لا بد أن يشبعوها ويفرغوها فيلجأ بعضهم إلى طريق الحرام الذي أصبح أسهل من الحلال. وسببه الرئيسي المغالاة التي يتم عرضها للجميع وحمل السماني الدولة مسؤولية انحراف السياسيين بمغالاتهم في المهور ومصاريف الزواج؛ وناشدهم بضرورة التيسير بدلاً عن حفلات الزواج الباذخة واشتراطات تعد من الكماليات. وما بين الواقع والحقيقة والعادات السودانية يظل السياسي السوداني مرغوباً من كل الفتيات وأسرهن باعتباره سيتمكن من (غلبها بالمال) وهي تسعى ل(غلبه بالعيال) لتستقيم المسألة اجتماعياً، وتتسق مع فهم البعض، هذا البعض الذي لا يرى في كل ما سبق ذكره ما يثير، ولا يهمه إن تحدثت الوسائط أو لم تتحدث، فقط يكفيه أن يشاهد أو يشارك أو يعيش هذه الحالة، التي أصبحت أشبه بالهستريا. ويظل الواقع السوداني حافلاً بمثل هذه الزيجات التي أشعلت وستشعل الشارع السوداني، ومواقع التواصل الاجتماعي، وذلك تحت بند أن موضوع في الدين وهو حق لكل رجل، وتماشياً مع المثل السوداني القائل (العندو حنة يحنن ضنب حصانو التغيير