منذ اللقطات الأولى لفيلم "المجهولUnknown "، نعرف أن الأحداث تدور في نوفمبر2011، أي في زمن شبه مستقبلي، وعندما نعلم أن بطلنا هو العالم الأمريكي د.مارتن وزوجته في طريقهم لحضور مؤتمر في برلين حول التطوير الإحيائي للنباتات، ندرك لماذا قرر صنّاع الفيلم أن يكون زمنه شبه مستقبلي. المؤتمر سوف يناقش ظهور فصيلة جديدة من الذرة التي تم ابتكارها عبر الهندسة الوراثية، لتصلح للزراعة وتحل مشكلة الغذاء العالمية، وهو حلم طرحته الرواية المأخوذ عنها الفيلم قبل سنوات من الأزمة المالية العالمية. مشكلة السيناريو هي اعتماده المكثف على المصادفة، إذ ينسى الدكتور مارتن حقيبته التي تحمل جواز سفره وأوراقه في المطار، وعندما يكتشف ذلك، ويحاول العودة سريعا إلى هناك يتعرض بالمصادفة لحادث سيارة، لأن أحد المقطورات اصطدمت بالتاكسي الذي كان يركبه. لكن سائقة التاكسي "البوسنية" الحسناء تنقذه، ويبقى في غيبوبة لأربعة أيام، ويحدث له نوع من فقدان الذاكرة الجزئي، الذي يجعله يتذكر الأشياء والأسماء والأرقام بصعوبة، لكنه لا ينسى من هو، ولا من زوجته، ولا طبيعة المهمة العلمية التي جاء من أجلها إلى برلين. من أنا؟ يعتمد الفيلم على تيمة فقدان الذاكرة المعروفة التي تجعل الشخصية الرئيسية تشك وتشككنا معها في كونها هي الشخصية التي تدعيها، ولكن ليام نيسون من خلال أداء متميز يقنعنا تماما أنه د.مارتن من خلال نظرات عيون حائرة، غير مصدقة أنها تعيش هذا الكابوس، خاصة عندما يعود إلى الفندق بعد الاستيقاظ من الغيبوبة. يفاجأ نيسون أن هناك شخصا آخرا يدعي د.مارتن ويعيش مع زوجته ويمارس عمله خلال المؤتمر الإحيائي، بل ويعرف تاريخ حياته كأنه هو أو كأنه هو ليس هو. تدخلنا هذه الحيرة في حالة من التشوق، لأننا نتصور أننا أمام فيلم آخر عن فقدان الذاكرة، حيث يتعرض البطل لمؤامرة من قبل أشخاص مجهولين للاستيلاء على حياته، وإيهامه أنه غير موجود، وهي تيمة "أمريكية " شهيرة. سر الحبكة يتمادى الفيلم حتى المشاهد الأخيرة في ايهامنا بصحة منطقنا وكوننا مشاهدين أفذاذا يمكن أن نكشف سر الحبكة منذ المشاهد الأولى، خاصة مع ظهور شخصيات مثل عميل البوليس السري الألماني الذي يتمكن من الحصول على صور لدكتور مارتن وزوجته في المطار، وعندها نتصور جميعا أن هذا هو الحل، لأنه بمجرد عرض هذه الصور سوف تنكشف حقيقية مارتن المزيف، وتنفضح المؤامرة. يقدم لنا الفيلم المشاهد التي يتذكر فيها د.مارتن حياته السابقة، خصوصا اللحظات الشهوانية أثناء شهر العسل، وهذا الاستخدام البصري يورطنا في التعاطف مع الشخصية، لاسيما أن الفيلم لا يستخدم أسلوب الفلاش باك سوى مع الشخصية الرئيسية. فهناك ذاكرة واحدة معطوبة هي ذاكرته، أما بقية الشخصيات فنتعرف على جزء من تاريخها عبر وسائل أخرى مثل الأمير العربي الذي يمول أبحاث العالم الألماني الشهير حول الذرة الجديدة، حيث نعرف أنه تعرض من قبل لعدة محاولات اغتيال من قبل منظمات "إرهابية" من خلال عرض فيلم قصير على اليوتيوب. حسناء البوسنة من المهم هنا أن نشير إلى طبيعة الجنسيات التي تتحرك داخل الأحداث، فلدينا إلى جانب الأمير العربي والعالم الألماني صاحب الابتكار الإحيائي تلك الفتاة البوسنية الحسناء التي تعمل كسائقة تاكسي، والتي تنقذ د.مارتن من الغرق، ولا يجد من يلجأ له غيرها، برغم أنها تقيم في البلاد بشكل غير شرعي. أقصى ما تسعى إليه الحسناء هو الحصول على مبلغ معين للسفر (لا ندري إلى أين، وهو عيب في تطور الشخصية)، وهي تعاني من عقدة التعامل مع منظمات الجريمة منذ أن كانت في البوسنة. السيناريو إذن يقدم لنا مجموعة من الجنسيات غير الأمريكية التي تسعى كلها من أجل صالح البشرية، بينما يضع تطور الحبكة في اتجاه غير متوقع خطان تحت الجنسية الأمريكية. مفاجأة درامية تأخذنا الحبكة إلى منحنى طازج تماما، حيث نكتشف أن د.مارتن نفسه عميل لإحدى منظمات الجريمة الدولية، والتي يتم تأجيرها من أجل تنفيذ اغتيالات ومؤامرات تؤثر على الوضع السياسي والاقتصادي الدولي، وأن كل ما كان يتذكره هو خيالاته الشخصية، لكنه يتذكرها على نحو مخالف، فالحادثة أثرت على مخه وجعلت شخصية د.مارتن هي التي تسيطر عليه، وتطرد شخصية العميل. السيناريو لا يتعمق في سبب هذا التحول النفسي والعقلي، وبالتالي يجعلنا أمام محاولة بطولية غير مبررة دراميا لإنقاذ الأمير العربي والعالم الألماني من المنظمة التي تضم زوجته أو زميلته في المؤامرة كما نكتشف، وتضم أيضا الشخص الذي يدّعي أنه د.مارتن الآخر. الاهتمام بالجانب الحركي مع عدم تعميق أسباب التحول النفسي جعل الأحداث تمر بسطحية، وسفّه كثيرا من قيمة ما فعلته الشخصية الرئيسية التي صرنا ندرك أنها هي "المجهول" الذي لا اسم له ولا هوية، لكنه يظل أمريكيا، خاصة مع تلك الإشارة السريعة في النهاية لجواز السفر" المزور" الجديد الذي يحمله، والذي يمنح مثله للفتاة البوسنية التي تسافر معه، وهي نهاية عاطفية ساذجة بالطبع، لكن تظل الإشارة السياسية المهمة هي إعلان العالم الألماني عن فصيلة الذرة الجديدة التي قدمت مجانا للعالم بتمويل عربي. وفي اللقطة التالية، نسمع عن انخفاض مؤشرات البورصة في شركات احتكار الغذاء العالمي، وعن رفع الجمارك عن المنتجات الزراعية، فالمال والعلم يمكن أن يقدما للعالم فوائد كثيرة، إذ ما تم توظيفهما بشكل جيد، لكن يظل هناك هذا الشبح الأسود الذي لا يريد للعالم أن يتقدم دون أن يدفع الثمن.