وراء كل عظيم امرأة، بالفعل كانت الحاجة مريم مصطفى سلامة تقف وراء الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وتؤازره في نضاله الوطني، امرأة عظيمة يعرفها شعب السودان جيداً، وكانت المرة الأولى التي تدلي فيها بحديث لأجهزة الإعلام عبر لقاء خاص لملحق أصدرته جريدة (الأيام) في الثاني من يناير 1986، حيث تحدثت عن ذكريات زواجها من الزعيم الراحل والعديد من تفاصيل حياته الأسرية والسياسية. الحديث الأرشيفي التوثيقي النادر عثرنا عليه أثناء بحثنا في أضابير أرشيف صحف دار الوثائق القومية بصحيفة (الأيام) في الثاني من يناير العام 1986، ونعيد نشره تزامنا مع ذكرى الاستقلال الذي توجه الزعيم الراحل الأزهري برفعه علم الاستقلال وتوسد الثرى مطمئنا بأن سلم السودانيين سودانهم حراً مستقلاً (مثل صحن الصيني لا فيهو شق ولا طق)، وقد لحقت به رفيقة دربه لدار الخلود عليهما رحمة الله الواسعة. خطبة تقليدية ثم زواج تقول الحاجة مريم: خطبتي إلى الأستاذ تمت بالطريقة التقليدية عام 1936، حيث رأى صورة لي واستمرت فترة الخطوبة لمدة ثلاث سنوات نتيجة لظروف عمله ونشاطه، وكان يتم تأجيل الزواج كل مرة لهذا السبب إلى أن تم عام 1942، وهو من مواليد 1901، وجمعت بيننا بعض الأشياء الأساسية التي ساهمت في نجاح زواجنا وأنا خريجة كلية المعلمات وهو معلم. وتضيف: كان الأزهري يميل إلى تقديم المأكولات الشعبية والوطنية لضيوفه، وأذكر أننا نحتفظ بكميات من الفول المدمس والبلح لنقدمه للضيوف والمجتمعين معه في المنزل. حادثة مشهودة وتمضي الحاجة مريم في ذكرياتها قائلة: روى لي الأستاذ أنه وفي عام 1919 وكان عمره وقتها 18 عاماً كان قد سافر مع جده إلى لندن ليقوم بالترجمة لوفد سوداني ضم جده، وفي مائدة الطعام سمع المضيف الإنجليزي يقول للطباخ: "جهز الطعام بالطريقة كذا لأن السودانيين كالكلاب يأكلون العظم واللحم معا". هذه الحادثة تركت أثرا عظيما في نفس الأستاذ وهو شاب صغير وقتها، وقد ذكر لي أنه قد قال في تلك اللحظة أنه "لابد من تحرير السودان من هؤلاء الناس)، ومعروف أن للحاجة مريم من الزعيم الراحل (آمال وسامية وسناء وجلاء) من البنات، إلى جانب الزعيم الاتحادي البارز (محمد ). وعن ميلاد آمال تقول الحاجة مريم إنه كان له وقع خاص على الزعيم. وأشارت إلى أنه قال لصحيفة مصرية في هذه المناسبة "إنني أستمد حبي لابنتي آمال من حبي لوطني فإن السياسي يجب ألا يكون مجردا من العواطف نحو أسرته". وعن مغزى اختياره لاسم ابنته آمال قال الأزهري للصحيفة المصرية: "خرجت من المعتقل في أوائل ديسمبر لاستقبل في أواخره ست الكل، لقد أسميتها ست البنات آمال الأزهرى، أما الاسم الأول فهو تيمنا باسم والدتي، وهو من الأسماء الشائعة عندنا بالسودان، والثاني اخترته عسى أن تحقق ابنتي آمالي، فتنجب إسماعيل الأزهري الذي يعيش فوق أرض الوادي المتحد والمتحرر من قيود الاستعمار وذيوله الثلاثة (الفقر - الجهل - المرض). مغزى الاسم أما عن مغزى اسم جلاء، فتمضي الحاجة مريم قائلة: لقد كان ميلاد جلاء في نفس اليوم الذي تم فيه الاحتفال بالجلاء، واختاره لها الأستاذ، لأنه بعد عودته من الاحتفال سمع نبأ ولادتها. وقال إنه في الاحتفال تمت كتابة جلاء بدخان الطائرات. وقرر أن يسمي ابنته جلاء تيمنا بهذا الحدث التاريخي المهم. تفاصيل حياة الزعيم وعن حياة الزعيم اليومية، ذكرت الحاجة إنه كان يصحو مبكرا ليؤدي الصبح ويرتل جزءا كاملا من القرآن، ففي كل شهر كان يختم القرآن، ثم يتناول الشاي وإفطاره المكون من كوب لبن وبيضة واحدة في السابعة والنصف صباحا، وكان يستقبل الجمهور بالمنزل، ولقد شهدته وهو يفتح باب المنزل حتى في منتصف الليل وبمفرده لأي فرد، ويستمع إلى مشكلته ويساعده في حلها. وعن كيفية تعامل الأزهري مع أولاده تقول الحاجة مريم: بالطبع إن ظروف عمله السياسي كانت تأخذ من وقته الكثير إلا أنه كان يتحين أي زمن ليجلس إلى أولاده، وكان حريصا على تناول وجبة الغداء مع الأسرة والأولاد، وتلك كانت فرصة دائمة ليتجاذب معهم الحديث. وأذكر أنه كان يهتم جدا بدروسهم، ويذاكر معهم متى ما سمح وقته، وكان ينظم لهم وقتهم ويعطيهم فرصة للعب والراحة، وكان يراقبهم ويوجههم، وكان يقول إن الطفل يحتاج لقدر من الحرية لتكون علاقته بوالديه كافية. الرحيل والخلود في 25 مايو حل نظام عسكري محل النظام الديمقراطي الذي كان يشغل الزعيم الأزهري فيه موقع رئيس مجلس السيادة. وعن ذكريات تلك الفترة تقول الحاجة مريم: بعد انقلاب مايو اعتقل الزعيم الأزهري لمدة ثلاثة أيام بالمنزل، وكان الضباط يقومون له بأداء التحية العسكرية، فكنت أصاب بالدهشة، وتعرض المنزل للتفتيش. وفي المرة الثانية وقفت في وجه رئيس اللجنة ومنعت التفتيش لأنه كان خدعة للشعب، وعندما رحل الزعيم إسماعيل الأزهري إلى رحاب ربه كانت نفوس السودانيين تمور بالغضب، لأن إشاعة سرت كالنار في الهشيم، فحواها أن الزعيم قد تم اغتياله، وهو على سرير المرض بالمستشفى، ولكن الحاجة مريم تنفي ذلك قائلة عن إشاعة القتل: أستطيع أن أقول إنني كذبت إحساسي لأنني أعلم أن أي سوداني، ومهما وصلت به الحقارة لن يجرؤ عل قتل الزعيم، والذي حدث أنه أحضر من السجن، وكان على أحسن حال ورجع للمعتقل، وأصيب بذبحة صدرية فأخذ للمستشفى، وقضى بها سبعة أيام بعدها فارق الحياة. تفاصيل دقيقة وعن الميراث المادي الذي خلفه الزعيم الراحل لأسرته وأبنائه تقول الحاجة مريم سلامة: "جاء انقلاب مايو، ووجد منزلنا مرهوناً بمبلغ 13,500 جنيه. وقامت السلطة الانقلابية بفك الرهن وتلك عدالة السماء أن العدو يعترف بنزاهة عدوه. رحل الأستاذ وترك لنا فقط 120 جنيهاً سودانياً موجودة بأحد البنوك بالخرطوم لم أسحبها حتى الآن اليوم التالي