يتحتم على الذين يستمعون للفنان والموسيقي الهادي حامد (الجبل) أن يستعدوا لغزوات حنجرته الخارقة، فهو يحرض إبداعه لاستعمار لحظات الاستماع إليه، وأتخيل إنني أسدي نصائح غالية عندما أطالب ذوي القلوب الضعيفة، كما يقول أصحاب مقاطع الفيديو المفجعة بالاستماع لألحانهم بذائقة تقلل من انعكاس تطريبه العالي على قلوبهم، ونصيحة أخرى لسائقي المركبات أن لا يشوش عليهم صوت (ود الجبل) سِكتِهم خاصة إذا كانت طويلة ومتعرجة. مما يبدو في طريقة الفنان الهادي الجبل الغنائية، فإنه يعتصر دواخله مثل أصحاب الآلام الحادة رغم ثبات حركته الدرامية أثناء الأداء، ويوالي في بعث الصوت الداخلي ليطارد به الآلات الموسيقية بنوتتها في سباق أشبه بمضمار ألعاب القوى، وفي الأخير يمنح لوحته الختامية هدوءً غريباً يماثل مقطع أغنية الشاعر الكبير هاشم صديق "حاجة زي ما تكون محلق في العواصف فجأة تهبط للسكون". تجديد في الأغنيات تختلف كل الأغنيات التي غناها الهادي عن أجيال الغناء السوداني، لذا فقد أطلق عليه النقاد والفنانون أنه صاحب مدرسة خاصة موسيقية لحنية وأدائية، وبالتأكيد أنتجت تلك المدرسة كثيراً من الفنانين ممن طرقوا في موالها. وفي السياق يقول الكاتب الصحفي موسى حامد إن الفنان الهادي الجبل، وضع بصمته منذ أول دخولٍ له للإذاعة أواسط سبعينيات القرن الماضي، لكن أحد الفنانين الذين أضرّتهم الغُربة، إذ قضى سنوات مغترباً في الجماهيرية الليبية، أيام قذّافيها، وكتابها الأخضر، ودينارها المغري، يصف حامد أغنيات ود الجبل بأنها شكّلت تجديداً في قماشة الغناء والتلحين في السودان. ساعده في ذلك، جرأته، وبعض شعراء أصدقاء التفوا حول تجربته. وفوق ذلك، وقبله، الأدائية المميزة، والصوت المبحوح الذي يجمع بين القوة، والغلظة. اقتداء وتأثر يشير موسى أيضا إلى أن تجربته المميزة، والمختلفة لما كان مقدّماً من أشكال الغناء في السبعينيات، والعقود التي تلتها، أغرتْ فنانين شباب كُثر، في الاقتداء والتأثر به، أبرز هؤلاء: الراحل محمود عبد العزيز، الذي يذكر - بكثير امتنان - قيمة وأثر الهادي الجبل في تجربته الغنائية. ويذكر الهادي – بكثير محبة - مراهنته على محمود عبد العزيز منذ دخوله لأول مرة، عبر برنامج (ركن الأطفال) الإذاعي. انزواء عن الحضور لكن رأياً آخر ظل يصف ود الجبل بأنه فنان خجول رغم ملكاته الخارقة في مجال الغناء والموسيقى، ويرى أنه غالب الانزواء على الحضور في ساحات وتشكيلات الإبداع التي تمزج الفن مع السياسة والمجتمع. ويرون أن تلاميذه أمثال الفنان الراحل محمود استطاعوا أن يصنعوا من رسالتهم الفنية ضوضاء صادمت السلطة، ونالت إعجاب الملايين من الجماهير حتى أن محمود اكتسب خاصية أن يكون فنان المهمشين والأغنياء والكبار والصغار. أسماء من ذهب كعادة الثنائيات في الغناء بين الفنان والشاعر، فإن الهادي الجبل غنى للشاعر الكبير قاسم إبراهيم عبد الحليم، لكنه أبدع في أغنية السراب مع الشاعر عبد الله قوتة، وكذلك تغنى لشعراء آخرين أغنيات "زهرة، بفرح بيها، ما اتعودت، سرحتي، أقول أنساك، المدنية، أخرى معاك، السنديانة، الأرباب أخوي، وصوني عليك، الليلة مابي لي، بتفوت"، فيما غنى أيضاً للشاعر قاسم أبوزيد أغنيته الشهيرة (ضحكة شمس شرقت)، عرف الهادي بأنه فنان يحب الغياب رغم أهميته الكبيرة في الساحة الإبداعية وظهوره في كثير من القنوات ظل متقطعاً، وإن كان الكثيرون يحرضونه على الظهور الدائم اليوم التالي