يدخل الحزب الشيوعي السوداني إلى مؤتمره الساد س وسط أجواء استثنائية بالغة التعقيد، على المستويين الحزبي والعام، فمنذ المؤتمر الخامس 2009م وحتى اليوم، طرأت على الساحة تغييرات كبيرة، أبرزها كان رحيل زعيم الحزب محمد إبراهيم نقد في العام 2012م والانفصال المدوي لجنوب السودان، والأزمة الاقتصادية والسياسية التي أعقبت الانفصال، عطفاً على التغييرات الكبيرة التي حدثت على المستوى الإقليمي والعالمي. أما على المستوى الحزبي ففي الوقت الذي تتهيأ عضوية الحزب التاريخي لما بعد المؤتمر، يقدم الحزب على قرارات فصل قيادات بارزة في الحزب قبيل انعقاد المؤتمر بأيام، أثارت جدلاً متطاولاً حول وحدة الحزب وتمسكه بالماركسية، رغم أن الحزب يؤكد أن الأفكار المطروحة ليست ذات وزن على المستوى التنظيمي، إلا أن كل ذلك ربما يصبح أكثر وضوحاً بعد المؤتمر المزمع انعقاده الأحد المقبل، الحزب الذي أقدم على فصل قيادات بارزة قبيل انعقاد المؤتمر يتحدث بعض أعضاء لجنته المركزية بحالة من الثبات والزهو؛ وكأن الحزب لن يتأثر بكل الذين خرجوا عن ثوبه، بدءاً من الخاتم عدلان والحاج وراق، وليس انتهاء بالشفيع خضر. صدقي كبلو، عضو اللجنة المركزية والمكتب السياسي، يجيب عن بعض الأسئلة من خلال هذا الحوار: بداية، دعنا نقف على أبرز أجندة المؤتمر السادس؟ سنطرح مشروع التقرير السياسي الذي يحمل عنوان (الديمقراطية مفتاح الحل للأزمة الوطنية العامة)، بجانب التركيز على الموقف الفكري للحزب من الماركسية، إضافة إلى تعديلات في دستور الحزب، وبعض القضايا. ستعدّلون الدستور؟ هي تعديلات بسيطة فيما يتعلق بالممارسة الديمقراطية. على ذكر الموقف الفكري من الماركسية، هناك من يقول إن الحزب تراجع عن الماركسية، وأن الممسكين بزمام الحزب ليسوا ماركسيين؟ هؤلاء ردنا عليهم سوف يكون عملياً، حينما تطّلعون على مشروع التقرير السياسي المقدم للمؤتمر السادس ستجدون الإجابة، ردنا ممارسةً وليس قولاً. بالنسبة لنا الماركسية ليست نقلاً من الكتب، وقد تجاوزنا ذلك منذ عام 1953م نحن سنطبق المنهج الماركسي في واقعنا. هل اختارت كل مناطق السودان مناديبها وتمت العملية بسلاسة؟ نعم، بل واختارت مرشحيها لعضوية المركزية، طبعاً، هذه تحدث لأول مرة، أن يفتح باب الترشيح للمركزية على كافة العضوية قبل انعقاد الحزب. لماذا هذه المرة؟ هذا جزء من توسيع الممارسة الديمقراطية داخل الحزب، وحتى تكون المركزية ممثلة لكل مناطق الحزب في السودان. إلى ذلك رفعت كل المناطق نقاشها للتقارير المقدمة للمؤتمر. هل جرت هذه العمليات بسلاسة؟ بسلاسة كاملة، نعم، هناك بعض الإشكاليات التنظيمية في بعض المناطق لكنها حُلت. في أي مناطق؟ يعني، هناك بعض المناطق فيها اختلاف في عدد العضوية الفاعلة، لأن التعبير أن المؤتمر يمثل عضوية الحزب الفاعلة وهذه تعريفاً، هي المواظبة على الاجتماعات والاشتراكات. تحدثت عن اهتمام الحزب بتوسيع الممارسة الديمقراطية فيما يتصل بالتمثيل داخل مركزية الحزب، لكن ذات الحزب يفصل الآن عدداً من عضويته فصلاً مخالفاً لدستور الحزب؟ أين هذه الديمقراطية؟ مخالف لدستور الحزب، هذه وجهة نظرك. لا، هذا ما فنده بعض المفصولين استناداً على بعض مواد دستوركم؟ المفصولون يمكن أن يقولوا أي كلام، لكن المهم، أن المركزية التزمت الدستور، والآن هؤلاء المفصولون، بعض منهم أمامهم فرصة الاستئناف وهذا حقهم. طبعاً، المركزية أبدت أسفها للقرارات، لكن ليس أمامها خيار آخر. الشفيع يتحدث عن فصل تم قبل أن يمثل أمام لجنة التحقيق، هل هذا دستوري؟ إشكالية الشفيع، أن هناك عدة قضايا، القضية التي فُصل بها الشفيع - إلى الآن - لم يكتمل فيها التحقيق؛ لأنه خارج البلاد، لكن هناك ثلاث قضايا حُسمت ورأت المركزية قرار الفصل، لكن المؤتمر أمامه أن يقرر. المؤتمر يقرر ماذا، قرار الفصل؟ طبعاً المؤتمر لازم يوافق على قرار المركزية . هل يعني أن قرار المركزية القاضي بالفصل ليس نهائياً؟ هو قرار وبُلغ به لتكون أمامه الفرصة لتقديم حيثياته. ولو المؤتمر رفض قرار المركزية؟ طبعاً سوف يستعيد عضويته. من غير استئناف؟ نعم، وممكن يستعيدها بعد الاستئناف، طبعاً، الاسئتئناف يعطيه فرصة تقديم حيثياته، أما المؤتمر فسوف ينظر فقط في حيثيات المركزية. لكن أريد أن أقول أيضاً، إن الحزب لم يفصل عضواً لخلاف فكري أو خلاف في الرأي ودستور الحزب الواضح فيه أن الآراء يتم تبادلها وفقاً لنظام محدد. بمعنى؟ مثلاً، لدينا مجلة خاصة بالحزب، مفتوحة تنشر فيها مساهمات الزملاء، وأقول لك، خلال ال 7 سنوات الماضية، كانت هناك آراء متعددة داخل الحزب، ونُشرت في مجلة الحزب، وانتقادات للحزب وللمركزية، للأسف الشديد، الشفيع لم يكن أحدهم، لم يطرح آراءه هذه في مجلة الحزب. لذلك، يبقى السؤال المهم، لماذا ينشر الشفيع آراءه خارج الحزب. بينما يستطيع طرح أفكاره في المركزية والمكتب السياسي فهو قائد. وناقشت الشفيع قبل ذلك، نفى تماماً أن يكون هناك خلاف بينه والحزب، بل ذكر لي أن ما يُشاع حول تيار داخل الحزب بقيادته، مجرد إشاعات متى كان ذلك؟ تقريباً، قبل 3 سنوات. لكن الشفيع، قال في بيانه الأخير، إنه طرح مقترحاته داخل الحزب ووعده الحزب بدراستها، ثم ماطل الحزب؟ لا أريد الخوض أكثر من ذلك في قضية الشفيع. ماذا بشأن ما يدور حول مخطط لتصفية الحزب؟ الحزب الشيوعي عصي على التصفية. هل ما يدور داخل الحزب على خلفية قضية الشفيع، يُمكن أن نسميه صراعاً فكرياً، هل وصل هذه المرحلة؟ طبعاً، يوجد صراع فكري وهذا أمر طبيعي، لكنه لم يصل مرحلة أن يكون قضية أساسية تحتاج لحسم، بالعكس، نحن نحتفي بالصراع الفكري ونعتبره أمراً ضرورياً للتجديد، لكن هناك إجراءات تُعمل في هذا الشأن، وهناك من يعتبر أن المؤتمر الخامس كان قد حسم مسألة الصراع الفكري الذي استمر لنحو 19 عاماً، فمسألة فتحه من جديد يقلل من فعالية الحزب، لكن إذا ألحت بعض القضايا يُمكن أن يفتح الباب. هل الشفيع يمثل تياراً داخل الحزب؟ هو يُمكن أن يكون امتداداً لتيار، هو تيار الخاتم عدلان، رغم أن الشفيع صارع لتصفية تيار الخاتم، لا أعلم ماذا حدث حتى يعود لتيار الخاتم، لكن الحزب تجاوز مسألة أن يكون هناك تيار خطر عليه حتى يصفيه. هذا زهو؟ أبداً، هذا واقع، مثل هذه الأفكار لا وزن لها على المستوى التنظيمي. حسناً، ألم يكن نُقُد يحمل ذات الأفكار؟ صحيح، نقد كانت له أفكار، لكنه يطرح النقاش حولها ويحض الناس على مناقشتها؛ لأنه يعتبرها غير منزلة، بما فيها اسم الحزب. ثم أن نقد قدم مساهمات مدهشة في قضايا الديمقراطية والرق والأرض وغيرها..لكن نحن مطروح علينا الآن قضية فكرية أساسية، هي كيف ننقذ السودان من الحكم الشمولي ونستعيد الديمقراطية، وكيف نوحد السودان على أساس طوعي بحل المسألة القومية التي لم تحل منذ الاستقلال. حسناً، كيف تُنزلون هذه الأفكار إلى أرض الواقع والحزب غائب عن الشارع؟ صحيح هناك مشاكل كثيرة، مشاكل حريات أمام كل الحركة السياسية وليس فقط الحزب الشيوعي، لكن هناك نشاط يدور في الأحياء والجامعات. طبعاً الحزب تعرض لضربة كبيرة بعد مجيء الجبهة الإسلامية 1989م وأجبرت كوادرنا على الهجرة، وهذه تحتاج زمناً حتى يستعيد الحزب نشاطه كما كان. زمن أكثر من ربع قرن؟ هناك تغييرات كبيرة حدثت خلال ربع القرن هذا، الحزب حشد عدداً من الكوادر خلال هذه السنوات ووصل بعضهم مراحل قيادية في الحزب. كيف تنظر إلى علاقات الحزب مع الأحزاب الأخرى؟ علاقاتنا مفتوحة مع الأحزاب، ولدينا تفاهمات كبيرة مع حزب المؤتمر السوداني وتواصلنا لم ينقطع، رغم أننا مختلفون الآن سياسياً بشأن نداء السودان..علاقتنا مع حزب الأمة وطيدة، طبعاً هناك خلافات وهذا طبيعي، نتفق في أشياء ونختلف حول أخرى، وهكذا، خطنا فاتح مع الأحزاب. بما في ذلك المعارضة الإسلامية؟ بما فيها المعارضة الإسلامية، نحن كنا حلفاء مع الشعبي في قوى الإجماع قبل دخول الشعبي إلى الحوار، لكن لدينا بعض التحفظات تجاه القوى الإسلامية الجديدة، نحن نراقب ما يفعلون، لأننا نريد قطيعة نقدية واضحة بينهم والنظام. حركة الإصلاح الآن بقيادة غازي، أليس موقفها واضح؟ أعتقد أنهم لا زالوا يراوغون، أنا لا أميل للهجوم، لكن الساحة مفتوحة لكل من يريد إثبات موقفه، فإذا تقابلنا نحن ومجموعة غازي في الشارع يُمكن أن نتعاون. هل تجربتكم مع الشعبي سبب في هذا الحذر؟ لا، أنا أقيّم أن تجربتنا مع الشعبي كانت مفيدة جداً، لنا ولهم، هذه التجربة ساهمت في توعية الجماهير، كما أن الشعبي لا يزال يتحدث بوضوح في مسألة الديمقراطية والحريات حتى بعد دخوله الحوار، على الأقل هذا خطابهم الرسمي. الشيوعي لا يزال متمسكاً بشعار إسقاط النظام، ويرفض الاتفاقيات المطروحة؟ لا زلنا متمسكين بشعارنا، وهذا يحتاج حشد عمل مدني واسع، اعتصامات وغيرها، كما أننا لا نرفض اي اتفاقيات، رفضنا خارطة الطريق، لأنها لم تلبِّ الشروط المطلوبة، أما الملحق الذي قدمته قوى نداء السودان لا يحوي شروطاً؛ بل هي تنازلات. وسوف تكتشف قيادات نداء السودان- بعد التوقيع - خطأ موقفهم ويعودوا مرة أخرى إلى خط المعارضة. التيار