بدء أعمال ورشة مساحة الإعلام في ظل الحكومة المدنية    سفارة السودان بالقاهرة: تأخر جوازات المحظورين "إجرائي" والحقوق محفوظة    ما بين (سبَاكة) فلوران و(خَرمجَة) ربجيكامب    ضربات سلاح الجو السعودي لتجمعات المليشيات الإماراتية بحضرموت أيقظت عدداً من رموز السياسة والمجتمع في العالم    قرارات لجنة الانضباط برئاسة مهدي البحر في أحداث مباراة الناصر الخرطوم والصفاء الابيض    غوتيريش يدعم مبادرة حكومة السودان للسلام ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار    صقور الجديان" تختتم تحضيراتها استعدادًا لمواجهة غينيا الاستوائية الحاسمة    مشروبات تخفف الإمساك وتسهل حركة الأمعاء    منى أبو زيد يكتب: جرائم الظل في السودان والسلاح الحاسم في المعركة    نيجيريا تعلّق على الغارات الجوية    «صقر» يقود رجلين إلى المحكمة    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية مغمورة تهدي مدير أعمالها هاتف "آيفون 16 برو ماكس" وساخرون: (لو اتشاكلت معاهو بتقلعه منو)    شرطة محلية بحري تنجح في فك طلاسم إختطاف طالب جامعي وتوقف (4) متهمين متورطين في البلاغ خلال 72ساعة    بالفيديو.. بعد هروب ومطاردة ليلاً.. شاهد لحظة قبض الشرطة السودانية على أكبر مروج لمخدر "الآيس" بأم درمان بعد كمين ناجح    ناشط سوداني يحكي تفاصيل الحوار الذي دار بينه وبين شيخ الأمين بعد أن وصلت الخلافات بينهما إلى "بلاغات جنائية": (والله لم اجد ما اقوله له بعد كلامه سوى العفو والعافية)    منتخب مصر أول المتأهلين إلى ثمن النهائي بعد الفوز على جنوب أفريقيا    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفاجئ الجميع ويصل القاهرة ويحيي فيها حفل زواج بعد ساعات من وصوله    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية غير مسبوقة على مواقع التواصل.. رئيس الوزراء كامل إدريس يخطئ في اسم الرئيس "البرهان" خلال كلمة ألقاها في مؤتمر هام    لاعب منتخب السودان يتخوّف من فشل منظومة ويتمسّك بالخيار الوحيد    كيف واجه القطاع المصرفي في السودان تحديات الحرب خلال 2025    إبراهيم شقلاوي يكتب: وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    كامل إدريس في نيويورك ... عندما يتفوق الشكل ع المحتوى    مباحث قسم الصناعات تنهي نشاط شبكة النصب والاحتيال عبر إستخدام تطبيق بنكك المزيف    عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    البرهان وأردوغان يجريان مباحثات مشتركة    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صناعة الموت و صناعة النفط ،،، العزاء للشماشة و المهمشين
نشر في الراكوبة يوم 03 - 07 - 2011

حكي لي أحد أصدقائي الأعزاء من ظرفاء شمال كردفان المقيمين بإحدي دول الخليج أنه قد إتصل به أحد أصدقائه المقربين من ظرفاء و تجار الزمن الجميل الذين جارت عليهم طفيلية الإنقاذ و عصبتها و أصبح علي حين غرة، عزيز قوم ذل، و كغيره من آلاف المهمشين في سوق الله و أكبر معدما حتي من دفاتره القديمة، لا يملك غير السمعة الحسنة و الكلمة الطيبة، يسأله عن حال التجار في نجد و الحجاز و عموم جزيرة العرب و عن إحتياجات السوق الخليجي من خيرات بلادنا حتي يسعي بما تبقي له من سمعة طيبة و تيسر له من علاقات قديمة ببعض الأخيار من تجار المحاصيل في شمال كردفان من تغطية بعضها و يفتح بذلك مجالا تجارياً جديدا عله يعيد به بعض أيام المجد و العز، فإحتار صديقي كيف يجاوب الرجل، و هو (بحكم صدقه و تصالحه مع الناس و مع نفسه و يعرف قدرها جيداً مجرد أفندي( ليس له في أمور السوق و التجارة من شئ، و أن فاقد الشئ لا يعطيه، و في نفس الوقت يمنعه تهذيبه و أدبه الجم و إحساسه العميق بالأمل و العشم الذي يملأ جوف صديقه و يحدو به لتكبد تكاليف الإتصال به بأن يرد بوضوحه و صدقه المعتاد فيحبط الرجل و يقفل الأبواب أمامه، و بعد توقف و تلعثم و حيرة و معاناة للحظات، تذكر فجأة، بحكم حبه كغيره من السودانيين لشيَّة الجمر، و التي جعلته، بحكم إدمانه لها، مطَّلعاً علي مختلف صنوف الفحم و أكثرها جودة في أسواق الخليج فأجابه بصوت عالي ملئ بالثقة، كالشخص الذي وجد ضالته بعد عناء، بأنه لاحظ أن الفحم الإيراني في الأسواق الخليجية يحتل الصدارة و أنه يطفي علي لحم الضان الأسترالي المنتشر في سوق الخليج نكهة الشيَّة السودانية الزكية برغم أنه لا يضاهي في جودته و نكهته فحم سنار المميز و أنه بالتأكيد سيحقق أرباحا لا طائل لها إذا قام بتصدير الفحم السوداني لدول الخليج، و إعتقد جازما بأنه قدم مساعدة و خدمة كبيرة لصديقه العزيز خاصة و أن لواري الفحم تملأ شوارع الإنقاذ و لا يزال سِيد الفحم (حتي بعد تطوره من الحمار للكارو في توزيع الفحم) من وفرته ببيعه لسِتتات البيوت بالدين كما تفعل سِت اللبن بحمارها و مشهدها الفلكلوري الذي لا يغيب عن الذاكرة ،،، لكنه لم يكن يتوقع أن صديقه العزيز و برغم هذه المعاناة و حتي في أحلك حالاته ضنكاً قادراً علي السخرية و تحويل هذا الموقف المشحون بخليط من المشاعر المحزنة لجو عام من الطرافة و الضحك عندما أجابه بتلقائية و سرعة بديهة يحسد عليها بأنو (ياخي الجماعة ديل خلو فيها غابة؟؟؟ و لّا شجرة حايمة ؟؟؟ ياخي دا حتي القرود في الدندر بِقت قاعدة قِدام القطاطي و خالفة رجليها ما لاقية ليها شجرة تطلع فيها).
تذكرت هذه القصة قبل أيام و أنا أطالع خبر محزن و مؤلم بالعثور علي طفل مفقود في الرابعة من عمره و رأسه مفصولاً تماما و مفقوداً و كذلك بعض أطرافه في أحدي الغابات المجاورة لمنطقة مصنع سكر عسلاية بالنيل الأبيض بعد أن أبلغت أسرته عن إختفائه منذ أكثر من شهر. و يبدو أن القرود كغيرها من الدواب (تشعر بالخطر قبل وقوعه) قد آثرت النفاد بجلدها و العيش كغيرها من المهمشين و النازحين علي بعض أطراف القري و الأرياف و الابتعاد عن الغابات التي أصبحت مرتعا لقطع الأشجار و قطع الأطراف و كليهما، أي تجارة الأعضاء البشرية و تجارة قطع أشجار الغابات، يمثلان تجارة غير مشروعة و جرائم لا تقل في بشاعتها أو تختلف كثيرا في جوهرها و محتواها غير الإنساني عن جرائم الحرب و الإبادة التي تتم بشكل يومي في وضح النهار و أمام الملأ و بحماية أعلي أجهزة السلطة و رعايتها في دارفور و جنوب كردفان و بعض تخوم أعالي النيل و بحر الغزال.
و قد يدرك العارفين بجغرافية النيل الأبيض أن الغابة المقصودة قد تكون في الغالب الأعم هي الغابة المواجهة لمزارع قصب السكر المطلة علي شارع الخرطوم، الدويم، كوستي من ناحية اليمين إذا كنت متجها جنوبا (أي قادما من جهة الخرطوم) و هي غابة جميلة طالما توقفت علي ظلال أشجارها الوارفة سيرات الأفراح و الأعراس المتجهة شمالاً أو جنوبا. كما أن هنالك نقطة تفتيش رئيسية في تلك المنطقة في جانب الطريق بجوار الغابة مباشرة معبدة و مبنية من الطوب الأحمر و مطلية باللون الأصفر و تطفي عليها أبوابها و نوافذها ذات اللون الأخضر تجانسا و توافقا مدهشا مع طبيعة المنطقة الخضراء الساحرة و تشعرك دائما عندما تقف فيها للتفتيش بالطمأنينة و الأمان خاصةً و أن عناصر الشرطة الذين يتناوبون عليها آمنين في سِربِهم معافين في أبدانهم و مالكين لقوت يومهم (كما يقول الحديث النبوي الشريف) و كأنهم مختارين بعناية. و حدوث مثل هذه الجريمة سواءً تمت عملية تقطيع الأطراف داخل الغابة، أو تمت في مكان آخر و ألقي بما تبقي من جثة الطفل فيها فريسة للكلاب الضالة فيما بعد، أمرا علي الأرجح مستبعدا فهي منطقة كما يتضح محروسة بعناصر مختارة من أفراد الشرطة. و كون المنطقة مكشوفة و الغابة نفسها محدودة المساحة و غير ممتدة و أشجارها غير كثيفة و وقوع نقطة التفتيش بجوارها يجعل من الصعب القيام بمثل هذه الجريمة داخلها، أو أن تأتي عربة بالنهار أو الليل لترمي بما تبقي من جثة الطفل في الغابة دون أن يلحظها أحداً من عناصر الشرطة أو المفتشين و بالتالي فإن مشاركة أفراد الشرطة أو علمهم بما جري أمراً ليس مستبعداً خاصة و أن معظم الجرائم التي تمت خلال سنوات الإنقاذ كانت و لا زالت مرتبطة بشكل أو بآخر بأجهزة الدولة البوليسية و الأمنية و تتم بمعرفتها و تحت حمايتها سواءً في السجون و بيوت الأشباح أو في الجامعات و المعاهد العليا و المدارس الثانوية أو في دارفور و أحراش الجنوب و يتم حاليا في جنوب كردفان أو في برندات العاصمة الخرطوم و خيرانها و مجاريها و في الخرابات المحيطة بأسواقها الشعبية و مناطقها الصناعية.
إنه عهد الشذوذ و إنها ثقافة القتل و الموت لا نفرق في ذلك بين الذين يمارسون القتل و التطهير بالتحريض عليه من خلال الفتاوي و الخطب العصماء المستأنسة في مساجد السلطان الفارهة و بعض محافل الدجل و الشعوذة و التطرف الديني، و بين تسعير نيران الحرب و إباحة القتل و التطهير العرقي و الإبادة الجماعية و التمثيل بجثث القتلي من أبناء المهمشين و ممارسة كل ذلك علي أرض الواقع بقناعة و وعي و تدبير مسبق تحت ستار الدين و وهم المشروع الحضاري و طبيعته الهستيرية غير الأخلاقية المعادية للناس و لحقهم في الحياة الحرة الكريمة متمثلاً فيما فعله مجرم الحرب و طريد العدالة الدولية أحمد هارون في دارفور و يفعله حاليا في جنوب كردفان و بعض أحراش الحدود الجنوبية بوعي و قناعة و دم بارد، و تفعل كذلك أيادي ليست بخافية علي أحد هذه الأيام بالقتل المنظم للمهمشين و المشردين من أبناء شعبنا في العاصمة الخرطوم، فهي نفس الأيادي التي أصَّلت من قبل (زوراً بإسم الدين) لجرائم الجلد و الصلب و القطع من خلاف (و تطورت حديثا لجرائم فصل الرأس و غيره من الأعضاء عن الجسد و التبشيع و التمثيل بالجثث) و إغتالت و أعاقت و شوهت بموجبها آلاف الكادحين و المعدمين من أبناء و بنات شعبنا، و تعدت علي خصوصيات الناس و أسرارهم و إنتهكت حرمات بيوتهم و هتكت أعراضهم في وضح النهار.
إنها ليست كجرائم القتل التي عرفها شعبنا و التي تحدث نتيجة لأسباب تقليدية معروفة للناس كالثأر، أو حالة الغضب التي يخرج فيها المرء عن وقاره و طوره المعتاد، أو بدافع الانتقام، أو بقصد السرقة أو السطو المسلح أو قطع الطريق ... إلخ. فما يحدث في زمن الإنقاذ (و أصبح ظاهرة عامة) من أنماط القتل غير التقليدية للناس و التي يخرج فيها مرتكبها بالكامل عن فطرته البشرية و يتحول لوحش يمارس القتل من أجل البقاء ليس فقط لدفع غائلة الجوع كما تفعل الوحوش بل من أجل التمسك بالسلطة و الجاه و من أجل حماية فلسفة القتل و ترسيخها في حد ذاتها كوسيلة للهروب من العدالة و المساءلة و البقاء علي قمة السلطة و نعيمها.
إنها جرائم غريبة يقشعر لها البدن و يعجز اللسان عن وصفها لم تكن معهودة في بلادنا و لم نسمع بها إلا في الأحاجي و الأساطير القديمة أو في حكايات قبائل الداياك في إقليم كاليمنتان الغربي بجزيرة بورنيو (التي إشتهر أفرادها بقطع رؤوس ضحاياهم من بني البشر والاحتفاظ بها بعد قتلهم كنوع من الطقوس و إستخراج قلوبهم وأكلها و شرب دمائهم في بعض محافلهم و طقوسهم السحرية) أو في روايات آكلي لحوم البشر و بيعها في ملدوفيا و بعض أحراش إفريقيا أو في قصص جرائم سفاح سيبيريا الشهير آلكسندر سبيستفلزيف البشعة التي قتل و آكل فيها عشرات الضحايا و أولها عشيقته.
صحيح لم يحدثنا التاريخ أو تفيدنا الأخبار قديما أو حديثاً عن حالة من حالات أكل لحوم البشر في بلادنا (و لكن أيضا لم يتم البحث و التحقيق في هذا المجال لإثبات نفيه). و لكن من يجرؤ علي قتل طفل في الرابعة من عمره بهذه البشاعة التي تطرقنا لها سابقا. و من يقوم بكامل وعيه و بتخطيط و تدبير مسبق و منظم بقتل شخص ما و تقطيع جثته و تجزئتها في عدة عبوات بلاستيكية و تفريقها بين أعداد متفرقة من مقالب القمامة في العاصمة الخرطوم ليجعل من إكتشاف الجريمة أمراً مستحيلاً كما حدث في قتل أحد التجار قبل عدة سنوات في مشهد لا يختلف في فكرته الشيطانية عن قصة الشيطان الذي تمثل بشراً في دار الندوة ليلهِم نخاسة سوق عكاظ و كفار قريش و هم يتدبرون خطة مناسبة لقتل الرسول الكريم محمد عليه أفضل الصلاة و السلام بأن يجمعوا من كل قبيلة شابا جلدا قويا و يعطي كل فتىً منهم سيفا صارماً فيضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل فلا تقدر قبيلة بنو عبد مناف على حربهم و ترضي منهم بالدية. و من يختطف صحفيا و كاتبا معروفا من أمام بيته لتكتشف جثته في أحد الأماكن القصية المهجورة بعد عدة أيام مفصولة الرأس و مقطوعة عضوها الذكري و ممثلا بما تبقي منها كما حدث للصحفي محمد طه محمد أحمد قبل فترة ليست بعيدة. و من يقتحم بيوت الناس في أوقات مبكرة من الفجر و يذبح أهلها كما تذبح الشاة مثلما حدث أيضا لأسرة أحد التجار المعروفين في العام قبل الماضي، و من يمارس القتل المنظم و الإبادة الجماعية و التطهير العرقي و التمثيل بالجثث كما تبين الصور البشعة التي تناقلتها الأسافير الرسمية و غير الرسمية لجثث الأطفال و الشباب و الشيوخ ممثلا بها و ملقاة علي الطرقات في مشاهد لا تختلف في شكلها و صورتها العامة عن صور مجازر التطهير العرقي في رواندا. من يفعل كل هذا الشذوذ و يتغمصه الشر و يخرج تماماً عن فطرته البشرية في قتل الأبرياء لن يمتعض أو يتواني و لو للحظة عن أكل لحومهم و شرب دمائهم. و سيأتي علينا يوما قريباً نستيقظ فيه جميعا علي حقيقة مفادها أن هناك بشراً من بلادنا يأكلون لحم ذويهم من أبناء شعبنا و يشربون دمائهم. و لن يعجز أصحاب العمامات البيضاء من دعاة المشروع الحضاري عن إيجاد تكييف شرعي مناسب لكل هذه الجرائم و إصدار فتاوي تؤكدها و تطفي عليها طابع القدسية، و لن يعجز أيضا ذوي الياقات البيضاء من الذين باعوا عقولهم و داسوا بأرجلهم علي شرف العلم و المهنة في إيجاد مبررات قانونية و جذور إجتماعية و تاريخية لمثل هذه الجرائم. فالسودانيين لا يزالون من آكلي الكرشة و المرارة و الفشفاش و غيرها من اللحوم النيّة و لن يكون لهم كما يقولون (قشة مرة) في إستساغة لحوم البشر بقليل من شطة الليمون الحارة بالدكوة و العتي أو الموليتة. و لهم في التاريخ تجارب ففي غابات الجزيرة أبا القريبة من غابة عسلاية التي وجدت فيها بقايا جثة طفل الرابعة من العمر تم قبل أكثر من قرن من الزمان و بإستخدام السكاكين الحادة إبادة كل أفراد الكتيبة التي أرسلها الحاكم التركي للقضاء علي الثورة المهدية في مهدها. و في غابة شيكان تم ذبح جميع أفراد حملة هكس عن بكرة أبيهم بالسيوف و السكاكين الحادة. و عندما سمع القائد يونس ولد الدكيم بأن السير ونجت باشا قادما علي رأس حملته المدججة للقضاء عليه نادي إلي كاتبه و أرسل له رسالته الشهيرة و نصّها (إلي ونجت باشا كبير المشاركة، يوم ما نلاقوكو ندقوكو دق و نربوكو رب و نشربوكو شراب و نبلعوكو زت). كما أن في فتح الخرطوم أيضاً لآية، حيث ذبح الجنرال غوردون باشا و فصل رأسه عن جسده تماماً و حمل في قطعة من القماش و وضع أمام المهدي من قبل أنصار الثورة المهدية. و غيرها الكثير من الأحداث التاريخية و العادات و التقاليد المتجزرة في موروثنا الثقافي و الإجتماعي و التي يمكن لحاشية السلطان تفسيرها و تفصيلها علي قياسات السلطة و مشروعها الحضاري.
و بنفس المستوي لن يجد منظري و عرابي سياسة التحرير الإقتصادي و الخصخصة صعوبة في تعظيم أهمية الموت في صناعة النفط، فظهور النفط، كما يقال، يتم من خلال عملية تراكم معقدة عبر سنوات و حقب طويلة من التحولات العضوية للموتي من البشر و الحيوانات و أن أكثر المناطق و البلدان التي شهدت تاريخا حافلا من الحروب و الموت هي أكثرها إنتاجا للنفط في عصرنا الحالي. فحرب داحس و الغبراء و حرب البسوس و غيرها من حروب الجاهلية و حروب ما بعد ظهور الإسلام هي التي جعلت جزيرة العرب واحدة من أكبر مناطق إنتاج النفط في العالم. كما أن المجازر و الإبادة التي قادها هولاكو في بلاد فارس و العراق كانت سببا في تربع إيران و العراق علي قمة منظمة الدول المنتجة للنفط (الأوبيك). و بما أن بترول السودان هو نتاج للذين ماتوا قبل و بعد عهد الثورة المهدية و عبر سنوات طويلة من الحروب الأهلية بالذات في منطقة حزام السافنا الغنية بالنفط و التي تمثل أحد أهم بؤر الصراع الإجتماعي و السياسي في بلادنا فلابد إذن لصناعة الموت أن تستمر و لا بد لها أن تتوسع و يتم تطويرها و تستخدم تقنيات حديثة فيها لضمان ديمومة و إستمرارية النفط. و ما إعلان عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم الشهر قبل الماضي بإعتماد ميزانية مقدرة لإنشاء عدد خمسين مقبرة حديثة في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم إلا جزءا لا يتجزأ من سياسة تطوير صناعة الموت و ضمان إنتاج النفط مستقبلا، ليس فقط في الشمال و بعيدا عن الحدود الجنوبية و الغربية لمثلث حمدي، بل في الخرطوم نفسها و في مناطق هي الأقرب لضاحية كافوري الغنية بالحلي و المجوهرات.
أما جرائم قتل الشماشة فهي أفضل إستراتيجية لإنتاج كميات عاجلة من النفط تساعد الحكومة للخروج من مأزق الأزمة الإقتصادية الطاحنة التي تعيشها البلاد و مرشحة للتفاقم بعد التاسع من يوليو القادم فجثث الشماشة لا تحتاج لعملية تراكم عضوي عبر سنوات طويلة حتي تتحول لنفط فهي أصلا تحمل في داخلها مخزونا مقدرا من المنتجات البترولية و مشتقاته بحكم إدمان الشماشة لشم البنزين و السلسيون و تعاطي السبيرتو مما يجعل تحولها لنفط عملية سهلة و سريعة و ذات جدوي إقتصادية عالية علي المدي القصير.
و في الختام نسأل الله أن يتقبل الشماشة و المشردين و المهمشين من أبناء شعبنا، (ضحايا المشروع الحضاري) في الخرطوم و دارفور و جنوب كردفان و بحر الغزال و أعالي النيل الذين تمت إبادتهم بدافع التطهير العرقي و البقاء علي قمة السلطة، و أن يتغمدهم برحمته الواسعة، و نسأله الصبر و حسن العزاء لكل الشماشة و المهمشين في بلادنا و علي وجه الخصوص لأصدقائي الأعزاء من شماشة الزمن الجميل ود اللقمة، دق الحلب، البشيش، باعوضة ،،، و العزاء موصول لكل الشرفاء من أبناء شعبنا.
و يبقي السؤآل الذي يؤرق ضمير كل سوداني حر و شريف ،،،
إلي متي يحتمل السودانيون هذا الدمل (دعاة المشروع الحضاري و منظريه و جلاديه و أذيالهم) بين أجسادهم
الهادي هباني
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.