شرم الشيخ المقر المفضل لحسني مبارك رئيسا، لم تعد المدينة نفسها التي بات يعيش في مستشفاها حبيسا، هكذا يقول من يعرفون هذا المنتجع السياحي ذا الموقع الفريد في جنوبسيناء، والمطل على البحر الاحمر قبالة مضيق تيران. تبدو شرم الشيخ اكثر هدوءا، لكن مسحة من الحزن اصبحت تخيم عليها، بسبب الانخفاض الملحوظ في اعداد السياح ما ادى الى اغلاق نحو عشرين فندقا في منطقة الهضبة التي كان غالبا ما يصعب الحصول على غرفة خالية فيها اثناء الاجازات. وتبدو شرم مصرية وعربية اكثر من اي وقت مضى، حيث شجع انخفاض اسعارها السياحة الداخلية والعربية، لكن تراجع اعداد السياح الاجانب اصبح يهدد مستأجري التسعة عشر الف محل تجاري في المدينة بالعجز عن الاستمرار في دفع الايجارات الباهظة، ما جعلهم ينظمون اعتصاما ضد محافظ المدينة للتدخل لانقاذهم وعائلاتهم من الملاك الرافضين لمراعاة الظروف. ويؤكد كثير من اهالي شرم ان وجود مبارك في مدينتهم يمثل نوعا من العقاب الجماعي لهم، ويشكون من استمرارهم في دفع فاتورة الثورة، بعد نحو ستة شهور من اندلاعها، دونما دعم من الحكومة. واذا كان تحالف السلطة والمال انتهى في القاهرة باندلاع الثورة، فان الوضع مختلف في شرم، حيث مازال اتباع حسين سالم وجمال عمر الصديقين المقربين لمبارك يحكمون المدينة عبر علاقتهما القوية بمحافظ جنوبسيناء، الذي عينه مبارك، ومازال يتصرف وكأن شيئا لم يتغير، هكذا يقول الغاضبون من الاوضاع المتردية في المدينة. ويقول احد التجار' بيتنا اتخرب، ونسوانا باعوا الذهب عشان ناكل عيالنا، وبعض التجار اصبحوا ينصبون على الزبائن او يضغطوا عليهم عشان يشتروا البضاعة بالعافية، عايزين يجيبوا فلوس ويدفعوا الايجارات الغالية، اذناب حسين سالم مازالوا يتحكمون في كل شيء رغم التحفظ على امواله، وصور المستشفى بتاعة مبارك بقت اشهر من الشواطئ في شرم على الانترنت'. ويتصدر نقل مبارك الى مستشفى السجن في القاهرة، بدلا من المستشفى الدولي الفخم في شرم الشيخ مطالب الثوار، الا ان لجنة طبية رسمية قررت الشهر الماضي ضرورة بقائه في شرم 'مراعاة لحالته الصحية' وسط تناقض في التقارير الطبية بشأن حقيقة ما يعانيه من امراض. 'كيف نعرف انه موجود داخل المستشفى؟ لم نر صورة واحدة له او لزوجته التي يقولون انها تقيم معه. ربما يعيش في احد قصوره بالمدينة، او غادر المدينة عن طريق البحر الى اصدقائه السعوديين او عن طريق البر الى اصدقائه الاسرائيليين'، هذا ما قاله عماد سائق التاكسي الشاب الغاضب من الجدل حول وجود مبارك في شرم، وما تعانيه المدينة من ركود سياحي منذ الثورة في آن. الا ان اخرين لا يساورهم شك في وجود مبارك، ويستشهدون بالحراسة الامنية والعسكرية المشددة حول المستشفى، ويتناقلون الروايات التي تدعم موقفهم، ومنها ان احد المواطنين توجه بطفله المريض الى المستشفى، وطلب رؤية طبيب اسنان بشكل عاجل، الا ان الادارة اخبرته بأن القسم مغلق، وعرف من بعض العاملين هناك ان قرينة مبارك، كانت تتلقى علاجا في القسم، ما ادى لتفريغه من المرضى واغلاقه امام المواطنين. ويعتبرون ان بقاء مبارك في هذا المستشفى 'ذي السبعة نجوم رغم انف الشعب والثوار دليل على انه مازال يتمتع بامتيازات رئاسية، ما يعني ان الثورة لم تكتمل بعد'. ويبدو ان الهاجس الامني الذي طالما سيطر على مبارك رئيسا قد تضخم بعد قرار حبسه في مستشفى شرم الشيخ، اذ يؤكد اقارب لبعض العاملين في المستشفى ان الدور الثالث الذي يقيم فيه، اصبح منطقة محرمة حتى على الاطباء، والاداريين والممرضين، وينقلون عنهم ان سوزان دائمة الشكوى والقلق مما تعتبره 'ضعف الاجراءات الامنية' بالمستشفى، وانها تشير دائما الى المواطنين بلفظ 'الرعاع'. وحسب احد الاطباء بالمستشفى، فان مبارك ابلغ طبيبه النفسي انه يعاني كوابيس عديدة في نومه، بينها ان الثوار اقتحموا الجناح الذي يقيم فيه، وقبضوا عليه. يذكر ان مبارك يقيم في الجناح رقم 309 بالمستشفى منذ نحو ثلاثة شهور، وتتكلف الاقامة فيه اربعة الاف دولار بالليلية الواحدة، وتتكفل وزارة العدل بدفع الفاتورة. وتتصدر سيارتان لقوات الامن المركزي مدخل المستشفى الواقع على الطريق الرئيسي للمدينة، وتشارك قوات من الجيش في تأمين المبنى الهرمي من الجانبين. ومن المقرر ان تبدأ محاكمة مبارك في الثالث من اب/ اغسطس المقبل، الا انه ليس من الواضح اين او كيف ستجري، بينما يشكك البعض في حدوثها اصلا. وحتى اشعار اخر، تترقب شرم عودة ايامها الذهبية عندما كانت رابع اكثر المنتجعات جذبا للسياح.