لا أعرف على وجه التحديد، لماذا لم أستطع أن أسيطر على مشاعري على غير العادة كما أجهل أسباب فشلي في حبس أدمعي، وأنا أستمع إلى مدير المراجعة الداخلية السابق بولاية شمال كردفان، الماحي الجيلي حبيب الله، ربما لأن أسرتي شربت من ذات كأس ظلم الفصل عن العمل بدعوى الصالح العام، الذي تعرض له من كان يتحدث معي، وهو يردد "ربنا ما برضى الظلم ولكن تعرضنا لظلم مؤلم وقاسٍ"، رددها وهو يغالب حسرته، ويتوقف برهة عن ترديدها ثم يعود وكأنه يمسح بيده دمعات جرت على خده ويعد الشعور بالظلم قاسماً مشتركاً بين سبعة من مديري الإدارات بوزارة المالية بشمال كردفان تم الاستغناء عن خدماتهم رغم أن سنوات أدناها سبعاً تفصل بينهم والتقاعد عن العمل، يؤكدون جهلهم أسباب فصلهم، قلت لهم ربما ارتكبتم تجاوزات مالية، فقالوا بثقة: "إذا فعلنا هذا فنحن على استعداد للمحاكمة في ميدان عام وأمام كل المواطنين". إجراء مفاجئ وإجازة تعود قصة فصل سبعة من مديري الإدارات، وهم يصنفون ضمن كبار الموظفين بوزارة المالية إلى عهد الوزير السابق حافظ محمود الذي أبلغهم في العام 2014 بأن ثمة تغييرات ستطال الإدارات بالوزارة، وهنا نورد تفاصيل القصة الكاملة على لسان مدير المراجعة الداخلية السابق بالولاية، الماحي الجيلي حبيب الله، الذي قلت له إن كنت لا تريد ذكر اسمك مقروناً بتصريحاتك فلا بأس، فعاجلني قائلاً " أبو صلعة لا يخشى القوب"، وهو مثل شعبي لا يختلف عن ذلك المثلي العربي الذي يؤكد أن الشاة لا تتألم من السلخ بعد ذبحها، طلبت منه أن يسرد وقائع فصلهم عن العمل، وهو من يحمل ماجستيراً في المحاسبة، وظل يعمل في الخدمة العامة لاثنتين وثلاثين عاماً. يقول الماحي: في الثلاثين من أبريل عام 2014 تم استدعاؤنا على عجل من مكاتبنا من قبل وزير المالية حافظ محمود، الذي قال لنا إن ثمة ترتيبات وتغييرات ستشهدها الإدارة، ولم يستغرق حديثه ال60 ثانية، وأشار الى أننا وبعد عودتنا سنتعرف على التفاصيل الكاملة، ويضيف حبيب الله: بعد أن وصلنا مكاتبنا تم تسليمنا خطابات إيقاف عن العمل، هكذا فجأة ودون مقدمات، والغريب في الأمر أن الذين تم تكليفهم بمهمة تسليمنا الخطابات هم من تم تعيينهم في مواقعنا، ويعتبرون أقل خبرة ومهنية ودرجات منا، تسلمنا نحن السبعة خطاباتنا وذهبنا إلى منازلنا والحيرة قد تملكتنا لجهة عدم توضيح أسباب هذا الإجراء، مكثنا في منازلنا 28 شهراً متواصلة دون عمل أو تكليف، وكنا نذهب فقط لنتقاضى أجورنا الشهرية. إلغاء وظائف وفصل وماذا حدث بعد مرور 28 شهراً، يواصل الماحي الجيلي حبيب الله سرد القصة، ويشير إلى أنه وبتاريخ الثامن والعشرين من شهر أغسطس من هذا العام تم إبلاغهم السبعة عبر خطابات رسمية تفيدهم بإلغاء وظائفهم وفصلهم عن العمل، ويلفت إلى أنهم تعجبوا من هذه الخطوة التي وصفها بالغريبة والمخالفة للقوانين، ويلفت إلى ارتكاب الوزارة وحكومة الولاية عدداً من المخالفات القانونية، ويضيف: أول المخالفات تمثلت في عدم تقديمنا خلال تسعين يوماً من الإجازة التي تم منحها لنا لمجلس محاسبة حسب قانون الخدمة المدنية، ويقول إن المخالفة الثانية تتمثل في أن المادة 14 الفقرة 51 من قانون الخدمة بالولاية تشير إلى إلغاء وظيفة الموظف يجب أن ترتكز على أسباب موضوعية، بل شددت عليها، ويقول إن فصلهم لم تورد أسبابه، وقال إن المخالفة الثالثة إن القانون القومي الإطاري أيضاً شدد على أن الفصل التعسفي وإلغاء الوظيفة لا يتم إلا في حالات محددة، وأكد ذات القانون على تعويض المفصول، مبيناً أن متوسط سنوات خدمتهم المتبقية تتراوح بين السبعة والأحد عشر عاماً، وقال إن فصلهم تسبب في إلغاء الوظائف بالمالية ويحول بين من هم أقل منهم درجة من الترقية، ويشير إلى أنه ورغم ذلك لم يتم تعديل في هيكل الوزارة. فساد وتجاوزات قلت لمدير المراجعة السابق بشمال كردفان، الماحي الجيلي حبيب الله، ربما تم فصلكم لأسباب سياسية أو لوقوفكم في طريق النفير أو لارتكابكم مخالفات مالية، فنفى نفيًا قاطعاً الاتهامات الثلاثة، وقال إنه على الصعيد الشخصي فقد اشتهر بتطبيق القانون بحذافيره وعدم المجاملة فيه، بل إنه من الذين وضعوا اللبنات الأولى للنفير، وأكد أن حكومة الولاية لم توضح لهم حتى الأن أسباب إلغاء وظائفهم والاستغناء عن خدماتهم، مبيناً توكيلهم محامياً للترافع عنهم بعد انتهاء فترة الستين يوماً على قرار فصلهم، ويقول متحسراً: لقد عملنا بإخلاص وتفانٍ طوال عقود واشتهرنا بالنزاهة وتطبيق القوانين، وقد أضعنا على أنفسنا عشرات الفرص خاصة خارج السودان، ولكن للأسف تلقينا طعنة نجلاء بالاستغناء عن خدماتنا بهذه الطريقة التي لا تليق بمن قضى أنضر سني عمره في الوظيفة العامة. الوزيرة في "وش" المدفع قلت له إن الشارع بعروس الرمال يتحدث عن أن قرار فصلكم تم اتخاذه قرباناً لمرور وزيرة المالية الحالية نحو منصبها، فيشير إلى أن الوزيرة الحالية لوزارة المالية حينما تولت منصب مدير عام ذات الوزارة كانت في الدرجة الخامسة، وكان السبعة المفصولون مديري إدارات في الدرجة الثانية، ويلفت إلى أن بعض الناس يرددون أن الوزيرة ربما تكون أشارت إلى أنها لن تستطيع العمل مع الذين تم الاستغناء عنهم، ويوضح أن الوالي قال من قبل إن 50% من منسوبي الخدمة المدنية يجب أن يتم الاستغناء عن خدماتهم. فساد ومحاسبة تلك كانت وقائع فصل سبعة من مديري الإدارات بوزارة المالية في أغسطس الماضي، وهي الحادثة التي يرى ضحاياها أنها تمت بصورة مجحفة، وهو ما دعاني لإعادة ذات السؤال على مسامع مدير الإدارة العامة للحسابات السابق، سليمان عبدالوهاب، وقلت له: ربما ارتكبتم مخالفات مالية عجلت برحيلكم الجماعي، فباغتني بسؤال له ما بعده"إذا ارتكبنا تجاوزات مالية، هل يعقل فصل دون محاسبة؟"، ومضى الرجل الذي يحمل بكالريوس محاسبة ومراجعة من جامعة المنصورة بمصر وعمل لثمانية وعشرين عاماً في الخدمة المدنية وقال إنهم طرقوا كافة الأبواب للتعرف على أسباب إحالتهم للتقاعد، ويضيف: بحكم الزمالة جلست إلى وزير التربية والتعليم ونائب الوالي، إسماعيل مكي، وقلت له أرجو أن تحاكمونا في ميدان عام إذا ثبتت علينا تهمة جنائية، وإذا أخفقنا في عملنا أو ان كفاءاتنا محل شك فيمكنكم الاستغناء عن خدماتنا، فكان رده أن الاستغناء عن خدماتنا لم يأت بسبب ارتكابنا جريمة فساد أو لإخفاقنا في عملنا، فقلت له لكنكم طبقتم سياسة الفصل للصالح العام رغم أن رئاسة الجمهورية أوقفته. أسباب غير موضوعية يمضي سليمان عبد الوهاب في حديثه، ويؤكد عدم وجود أسباب موضوعية للاستغناء عن سبعة من كبار الموظفين بوزارة المالية الذين قال إنهم تدرجوا في الوظائف حتى وصلوا إلى مناصب مديري إدارات عبر جهدهم وإخلاصهم وحزمهم في تطبيق القوانين، ويعتقد أن تفسير الكثيرين لإنهاء خدمتهم جاء من أجل وزيرة المالية الحالية، قاطعاً بعدم وقوعهم في أخطاء جنائية أو مخالفات إدارية طوال فترة عملهم، مفاخراً بتصنيفهم ضمن التكنوقراط، معتبراً أن هذا شرف لهم لأنه يعني مهنيتهم بعيداً عن الانتماءات السياسية والقفز بالزانة من منصب إلى آخر، ويبدو سليمان عبد الوهاب مقتنعاً بالقول الذي يشير إلى أنهم ليسوا رجال المرحلة الحالية، ويفسر قوله هذا بالإشارة إلى أن حكومة الولاية تريد التعامل مع موظفي الصفين الرابع والخامس بدعوى أن إيقاعهم في العمل سريع وأن أغلبهم لا يقفون في طريق تنفيذ الخطط حتى لو كانت مخالفة للإجراءات المالية والمحاسبية، ويؤكد بأنهم يتشرفون بتمسكهم بضرورة معرفة كل تبرعات النفير النقدية والعينية وإظهارها في الموازنة، علاوة على مطالبتهم بوجود وحدة محاسبية خاصة بالنفير تعرف الأموال الواردة والصادرة من خزانته، معتقداً بأن الهدف من إبعادهم إدارة مال النفير بعيداً عن الدورة المحاسبية والإجراءات المتعارف عليها، ويعود ليشير إلى أن كل الوزراء والمسؤولين الذين التقوا بهم لمعرفة أسباب فصلهم أكدوا عدم معرفتهم بمن فيهم الوزيران السابقان المالية، وأردف: "كل من نسأله "بزوغ مننا "ويخشي أن يتحدث"، مؤكداً تعرضهم لظلم كبير وفادح، مطالباً بتقديمهم إلى محاكمة إذا ثبت عليهم تجاوز أو اعتداء على مال عام أو تقصير في العمل، معتبراً أن الاستغناء عنهم بهذه الكيفية يقدح في نزاهتهم وأمانتهم. ذات المصير لأن القضية مثيرة للاهتمام، حاولنا الاستماع إلى مدير إدارة التجارة الذي تم الاستغناء أيضاً عن خدماته مع المديرين السبعة إلا أنه تعذر الوصول إليه، وعرفنا من زملائه أنه قرر الابتعاد تماماً عن المشهد، بل إنه قطع بعدم المطالبة بحقوقه إلى أن يتم إحضارها إليه، وأشاروا إلى أنه أكد رفع مظلمته إلى رب السموات والأرض، وأيضاً تم الاستغناء عن المدير المالي بمحلية شيكان خديجة أمين أبو البشر التي يؤكد من تحدثوا إلينا بأنها امرأة مشهود لها بالنزاهة والكفاءة والخبرة الكبيرة، وبجانبها الموظفة هدى بحر نصر التي تم تكليفها بإدارة المتابعة قبل فصلها عن العمل، ويصفونها بصاحبة الشخصية القوية والمصادمة والشفافة. شؤون الخدمة توضح سألنا مدير شؤون الخدمة المدنية بولاية شمال كردفان، أحمد آدم، عن قانونية فصل سبعة من مديري الإدارات بوزارة المالية، فأشار إلى أن إدارته استلمت قراراً من أمانة حكومة الولاية يقضي بإنهاء خدمة المذكورين بإلغاء الوظيفة، وينفي معرفته بالأسباب ويضيف: لو قلت إنني أعرف الأسباب اكون كاذباً، معتبرًا أن الذين تم الاستغناء عن خدماتهم بوزارة المالية يعتبرون من خيرة الكفاءات، لافتًا إلى أن انتهاء الخدمة يرتكز على خمسة عشر سبباً منها المحاسبة التي يقول إن المفصولين لم يخضعوا لها، ولم توجه ضدهم تهم، إلا أن مدير شؤون الخدمة يعود ليؤكد أن مجلس الوزراء يملك حق الفصل. بعد ذلك حاولنا استنطاق رئيس اتحاد العمال بالولاية ومدير عام وزارة المالية رغم تعريفنا بصفتنا الصحفية إلا أنهما تجاهلا مكالماتنا، وتبقى الحقيقة أن معطيات الواقع تؤكد أن المديرين السبعة بوزارة المالية تم فصلهم ظلماً، وإذا كان الأمر بخلاف ما توصلنا إليه فإن مجلس وزراء حكومة شمال كردفان مطالب بتقديم دفوعاته. الصيحة