مدخل: فى هذه السانحة أود أن أشكر السيد الرئيس خج/ عمر حسن أحمد البشير، ووزاء القطاع الإقتصادى ومن لفَّ لفَّهم، على رغبتهم الأكيدة فى دقِّ الإسفين الأخير فى نعشِ الإنقاذ العجوز (فقد مللنا كما مللتم)، وعلى إهدائهم شعب السودان ثورة جِياعٍ من ذهب، بأنْ رمت الفقراء تحت أقدام ذئاب الأخوانوية المرجوسة ليختاروا قِتلتهم؛ ليموتوا إمَّا بالجوع أو برصاص أجهزتهم الأمنية البذيئة؛ أو كما العنقاء ينهضون من رماد الإستكانة ويقتلون عدوهم. فلم يَعُد عبد الرحيم حمدى وحده يُريد إسقاط النظام (كما كتبنا فى مقال سابق)، بل أنَّ بدر الدين محمود نفسه يُريد إسقاط النظام، ومحافظ بنك السودان يريد إسقاط النظام، وجهاز الأمن يريد إسقاط النظام، والنظام يُريدُ إسقاط النظام، والشعب السودانى يُريد إسقاط النظام. قيل أنَّ امرأة على عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه (العُهدة على الرواة) كانت تدعو سَحَراً فتقول: "يا رب عمر تغيِّر عمر". فسمعها الفاروق رضى الله عنه فجاءها متنكراً فسألها: "لماذا تريدين تغيير عمر؟ ألم يكن عادلاً" قالت: "بلى، ولكن فى التغيير (تداول السلطة) رحمةٌ". والآن نحن نريد تغيير عمر البشير الظالم ونظامه الظالم يا الله، فلمن تكلنا يا قيوم السماوات والأرض؟ حيثيات جاء فى تزلفات متعهدى الإخلاق من الإقتصاديين المدافعين عن سياسات النظام كيفما اتفقت، أنَّ هذه الأجرآءات ستؤدى إلى "تشجيع المغتربين لتحويل مدخراتهم عبر الجهاز المصرفى". وفى أحسن الأحوال شفعوا على استحياء هذه العبارة بقولهم: " ولكن سيكون لها أثر سلبى على الفقراء"، دون أن يُوضحوا على وجه الدقة كيفية ذلك الأثر السلبى على الفقراء. تفنيد الأكذوبة أولاً، إذا كان توحيد سعر صرف الجنيه السودانى الرسمى والموازى يُشكل أمراً جاذباً لتحويلات السودانيين بالخارج كما تزعم الحكومة ومتعهدو أخلاقها، فلماذا لم يجتذب مدخرات الأخوانويين بالداخل الموجودة خارج النظام المصرفى! أما كان الأولى أن يجذب توحيد سعر الصرف البلايين من عملاتكم الصعبة المُكتنزة بمطامير بيوتكم ويُودعها البنوك؟ وهو ما لم يحدث ولن يحدث؛ وذلك ببساطة لأنَّكم تعتقدون بأنْ ليس لبقية أهل السودان حق فى القطاعات التى اجترحتموها من بترولٍ وذهبٍ وصناعات تجميعية وحتى الزكاة. ولذلك تُخفون أموالكم بكلِّ جبن لكى لا تستفيد منها الدورة الإقتصادية لحكومة السودان وشعب السودان، ولكى لا يُحاسبكم عليها يوم يحين الحساب. وبالمقابل تريدون أن تسيروا البلد بالضرائب على المساكين، وبالإستدانة من النظام المصرفى والعالم الخارجى، وبطباعة العملة السودانية دون غطاءٍ من الإحتياطى النقدى من العملات الصعبة والذهب. والآن بعد أنْ أصبحت العملة السودانية لا تسوى شيئاً، وبعد أنْ زجركم العرب من كثرةِ السؤال (وتحسبون أنَّهم لا يعلمون حقيقة مطاميركم من العملات الصعبة) وهم بعد فى حربٍ ضروس ضد إيران وأعوانها فى اليمن وسوريا، جاء نداؤكم الأخير للسودانيين بالخارج. ولكن قولوا لنا يا عديمى الحياء، كيف تستطيعون جذب مدخرات السودانيين بالخارج وقد سرقتموهم أوَّل مرة وسرقتم هذا الشعب يوم مولتم بترولكم المزعوم ب 50% من مدخراتهم، وال 50% الأخرى من قطاعى التعليم والصحة! هل تعتقدون أنَّ الشعب السودانى (المهاجر والمقيم) بلا ذاكرة، وهو من خَبِر أباطيلكم وألاعيبكم يا أباطرة السوء والكذب والنفاق. لتعلم يا شعبى الكريم أنَّ أموالك طرف الأخوانويين تفوق مجموع الناتج المحلى الإجمالى لخمسِ دول مجتمعة من الدول المجاورة للسودان، وكلُّها تُدار خارج الدورة الإقتصادية لحكومة السودان ولصالح الإقتصاد الأخوانوى الموازى. وحينما نضيف إلى هذه الواقعة حقيقة أُخرى؛ وهى أنَّ إنتاج البترول السودانى قبل عشرةِ أشهر من الآن قد وصل معدل إنتاجه الفعلى ذات المعدل قبل إنفصال الجنوب الحبيب فى عام 2011؛ فإنَّ ذلك يعكس استمرار الحكومة واستمراءَها لسرقتك يا شعبى الأبىَّ على عينك يا معارض، وضالَّتُهم من الحِكَم فى ذلك "جَوِّعْ شعبَك يتبعك". وبالتالى فإنَّ أزمة الأقتصاد السودانى كما قال آباؤنا من الأقتصاديين أهل القول الفصل (أمثال إبراهيم منعم منصور، على عبد القادر على، وآخرون) سياسية بالدرجة الأولى، أى ليست من نقصٍ فى الأموال والثمرات، ولكنَّها بسبب سوء توزيع الدخول يا عبد الرحيم حمدى، بسبب شُح اللِّصوص يا عبد الرحيم حمدى، بسبب إحتكار الأموال والثمارات يا عبد الرحيم حمدى بواسطة أخوانك، أخوان الشيطان يا عبد الرحيم حمدى (أنت مازلت فى مقام ال Per Capita Income، والرجال أهل الشأن يتحدثون عن الإقتصاد البايو- سياسى لتوزيع الدخل). ثانياً، إنَّ توحيد سعر الصرف قد تمَّ منذ بداية ميزانية 2016 (إن لَّم يكن قبلها)، وذلك حينما سمحت الحكومة للموردين بجلب دولاراتهم من السوق الموازى (وهى أكبر مشترٍ من السوق الموازى لعدم وجود إحتياطى نقدى) وشراء بضائعهم وبيعها بالطريقة التى تعجبهم، وألغت على إثرِ ذلك خطابات الضمان الحكومية للموردين (راجع: http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-232783.htm). غير أنَّ ذلك لم يجذب مدخرات السودانيين بالخارج، بدليل أنَّ تحويلاتهم لم تزد خلال الفترة منذ بداية الميزانية إلى الآن على ال 440 مليون دولار التى ذكرنا أنَّها تُمثِّل "القوت الضرورى" لذوى المغتربين الذى لا فكاك منه. وبالتالى فإنَّ حديث محافظ بنك السودان المركزى بأنَّ تحويلات السودانيين بالخارج قد زادات على 3%، حديثٌ مرسلٌ وليس له ما يسنده. ثالثًاً، هذه الإجرآءات ليست لجذب تحويلات السودانيين بالخارج (والحكومة قد أصابها اليأس فى جذب تحويلات السودانيين بالخارج بعد أن كشفوا ألاعيبهم)، ولكنَّها هى البديل لفشل/لامتناع الحكومة فى بناء إحتياطى نقدى من العملات الصعبة والذهب لدى بنك السودان المركزى وصندوق النقد الدولى ضامن لوفاء إلتزامات حكومة السودان لدى العالم الخارجى (لا سيما الديون)؛ وذلك بسبب سرقات الإنقاذ الجارية، ولضعف مرونة الطلب على الصادرات غير التعدينية. فالشاهد، أنَّ توحيد سعر الصرف، فى العموم، لن تصاحبه إختلالات فى ميزان المدفوعات، وإنْ وُجدت سيُصححها قانون العرض والطلب تلقائياً دون الحاجة لتدخل بنك السودان المركزى. وبالتالى تنتفى معه الحاجة لبناء إحتياطى نقدى من العملات الصعبة، وبذلك تكون الحكومة فى كامل الحرية لاتباع السياسة التى تروق لها. أما أُكذوبة جذب مدخرات السودانيين بالخارج فهى محاولة من الحكومة لتخدير المواطن وتعطيل ثورته بعد أنْ أخلت طرفها نهائياً من أىِّ إلتزام تجاهه جراء تخفيض العملة السودانية بنسبة 175% بحسب أسعار الدولار فى يوم الجمعة الفائتة. رابعاً، لم تقم الحكومة تحت أىِّ ظرفٍ من الظروف بإجرآءات استثنائية لوقف حروبها العبثية فى دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق وغيرها من المناطق الأخرى فى السودان، أو لتصحيح الوضع السياسى بالبلد، أو لمحاربة الفساد وغسل الأموال والإتجار فى البشر والجنس والمخدرات، أو لمحاربة السوق الموازى والأستثمار فى البنيات التحتية للزراعة والصناعة ومعلاجة التشوهات الهيكلية للإقتصاد السودانى وتحسين بيئة الإستثمار بجعلها جاذبة لرؤوس الأموال المحلية والمهاجرة والأجنبية. والشئ الوحيد الذى عملته الحكومة هو تسخير المجهودات العلمية للقائمين على أمر الجهاز المركزى للإحصاء لإخصاء المعلومات وتزييفها. فلا يُعقل أن يكون الوضع الإقتصادى بالبلد أسوأ مما كان عليه على أيام وزير المالية عبد الرحيم حمدى حيث بلغ معدل التضخم 166%، والآن الجهاز المركزى لإخصاء المعلومات يعكس معدلاً للتضخم لا يتجاوز ال 18%. ولعل خصوصية الفارق تكمن فى أنَّ الجهاز المركزى للإحصاء فى فترة حمدى كان يقوم عليه أستاذنا الجليل بروفسير صديق ناصر؛ وانظروا من يقوم اليوم على الجهاز المركزى لإخصاء المعلومات! (اللهم لا شماتة). وبالتالى فإنَّ راهن الإقتصاد السودانى الآن الذى يفوق فيه معدل التضخم الحقيقى ال 169% لا يُشجع على دخول أىِّ دولار استثمارى للبلد؛ سواء كان ذلك من السودانيين بالخارج أو من المستثمرين الأجانب. وأىُّ نداء للمغتربين لتحويل مدخراتهم فى ظل هكذا واقع، لا يعدو كونه أكذوبة أو مصيدة لسرقتهم كما سرقوهم من قبل. وعليه أخى المغترب (والمستثمر الأجنبى)؛ حذارى أن تحوِّل دولاراً استثمارياً واحداً لضَباع رأسمالية الكازينوهات الأخوانوية الإسلاطفيلية (إما سرقوه أو حولوه إلى دَين تتدفعه الأجيال القادمة). ولن يلومكم أحد سادتى المغتربين أن ترسلوا ال 440 مليون دولار التى حدثناكم عنها فى السابق عبر أحلك الأسواق الموازية سواداً، وذلك لنمير أهلنا ونزداد كيل بعير. وإياكم أن ترسلوها عبر الجهاز المصرفى (الذى هجره من هو أحقَّ منكم به) فيأخذها أحد الأخوانويين للسوق الموازى، فيذهب بكيل ذلك البعير لذويه لا لذويكم. التكييف الإقتصادى لتوحيد سعر الصرف الرسمى والموازى والآثار المترتبة عليه فى تقديرى المتواضع أنَّ توحيد سعر الصرف الرسمى والموازى للجنيه السودانى المُعلن الآن قد سبقه تخفيض قسرى (Devaluation) أملته مؤسسات التمويل الدولية قبل موازنة 2016 بقليل، ونفذته الحكومة بشكل سرى بنسبة بلغت 118.9% فى أبريل المنصرم حين سمحت للموردين بالحصول على عملاتهم من السوق الموازى لجلب بضائعهم كما أسلفنا. وذلك بسبب حالة الإنكشاف الإقتصادى الذى يعيشها السودان جراء تآكل الإحتياطى النقدى المسروق "جهاراً – نهاراً"، ولضعف الإستثمار الاجنبى، ولامتناع السودانيين بالخارج عن التحويل الإستثمارى لتفشى ظاهرة الفساد والإفساد، ولفشل القطاعات المنتجة وتراجعها عن إمكانية إسعاف قيمة الجنيه السودانى بسبب إضعاف القدرات التشغيلية والقوى المنتجة والسياسات الإقتصادية الخرقاء. وعليه لم يَخْفَ على الإنقاذ أنَّ قيمة الجنيه السودانى سيتوالى انخفاضها بشكل حاد تجاه العملات الأخرى حين تُترك هكذا لقانون العرض والطلب (Appreciation/Depreciation) فيما بعد ذلك التخفيض القسرى (Devaluation). ولعل الأمر ما كان ليعنيها بالأساس ولا يشملها (بل هو فى صالحها لجهة أنَّ التضخم يُعيد توزيع الدخل لصالح الأغنياء (The haves) على حساب الفقراء (The have - nots)) وهى متحصنة فى دائرة إقتصادها الأخوانوى الماسونى المترف المتخم، لكونه واقعاً كلَّه على ما سواها؛ ذلك السِّوى الذى لا ترقبُ فيه الإنقاذ إلاَّ ولا ذِمَّة. وبالتالى كان لابدَّ على الحكومة أنْ تحرس هذا القرار المجحف فى حق اللا - إخوانويين بلا استثناء بوضع القوات النظامية فى حالة التأهب القصوى، وبقوة السلاح والقبضة الأمنية وإعلان الأحكام العرفية لمنعنا من إسقاطها، ولكن هيهات وقد بلغتِ الحُلقوم. هذا التعويم (المُقيَّد إسمياً الحر فعلياً) جعل الجنيه السودانى ينخفض بنسبة 28.1% عن نسبة إنخفاضه فى أبريل المنصرم البالغة 118.9%. ثمَّ ما لبثتْ قوى العرض والطلب أنْ حددت إنخفاضاً آخراً بلغ يوم الجمعة الفائتة أيضاً 28% عن حالته صبيحة التعويم البالغة 147%. وبالتالى نخشى أن تتدهور قيمة الجنيه السودانى كل أُسبوع بنسبة 28%، الأمر الذى يجعل العملة السودانية فى وضعية "الزَّمْبَبَة"؛ على خُطى زيمبابوى لا قدر الله (يا الأمير يا الفقير يا البعير). الآثار المترتبة على تعويم الجنيه السودانى أولاً، من الجائز ألاَّ تكون هناك اختلالات فى ميزان المدفوعات، وبالتالى تنتفى الحاجة إلى بناء إحتياطى نقدى من العملات الصعبة، وستكون الدولة فى كامل الحرية لاتباع السياسة التى تروق لها كما جاء بعاليه. غير أنَّ الأمر ليس بهذه البساطة النظرية حتى فى ظل سعر صرف عائم ومعوَّم بالكمال والتمام؛ ناهيك عن سعر الصرف المقيد الذى أعلنه بنك السودان (وهو فى نظرى، على أىِّ حال، تقييد/دعم مكذوب تدحضه حالة الإنكشاف الإقتصادى المذكورة بعاليه، بل هو دعم ذرائعى سيتحول فى الغالب إلى أتاوة يدفعها المغتربون لسداد أقساط الدين الخارجى فى الميزانية القادمة). فالشاهد أنَّ هناك بعض الإختناقات فى السياسة القومية تسببها حركة سعر الصرف نفسه (إنخفاضاً وارتفاعاً). فمثلاً أنَّ إنخفاض سعر الصرف (Depreciation) سيزيد من أسعار الواردات؛ ولو كان الطلب على الواردات طلباً غير مرن (ولو نسبياً)، فإنَّ ذلك يؤدى حتماً إلى إرتفاع معدل التضخم (رغم كبته بواسطة الجهاز المركزى للإخصاء)؛ وهو ما حدث بالضبط من أبريل إلى الآن بعد السماح للموردين بالحصول على دولاراتهم من سوق الله أكبر، وبيع مستورداتهم فى سوق الله أكبر. ثانياً، لعله من المُفترض أن يؤدى انخفاض قيمة الجنيه السودانى إلى زيادة الطلب على الصادرات السودانية، تماماً كما تعمل الصين الآن. الأمر الذى جعلها تُغرق العالم ببضائعها؛ حتى لكأنَّك واجدها فى أم كدادة والصُباغ وقهوة أم الحسن (رحمها الله) بصحراء بيوضة. ولكن للأسف الشديد أنَّ الطلب على صادراتنا هو نفسه طلب غير مرن، وذلك لطبيعة صادراتنا الزراعية المرتبطة بدورات حقلية وعُرى فصلية، ولضعف البنيات التحتية والقوى المنتجة ولضعف الطاقات التشغيلية، وللفساد الذى ينخر كلَّ شئٍ فى هذا البلد المكلوم. هذا الأمر يجعل السودان يفقد العديد من أسواقه، وبالتالى يفقد الكثير من العملات الصعبة التى كان من الممكن أن تساهم فى تنوع إقتصاده، وتدرأ عنه العديد من التشوهات والإختلالات الهيكلية التى يعانى منها الآن. ثالثاً، وفى ظل الظروف المذكورة بالفقرتين أعلاه اللتين تشيان بتآكل الإحتياطى النقدى أو إنتفاء الحاجة إليه مع التعويم، ينشأ سؤال مشروع وهو: من أين ستدفع حكومة السودان أقساط الدين الخارجى (والإلتزامات الأخرى تجاه العالم الخارجى)؟ وكم يخشى المرء على الشعب السودانى من أن يجرؤ هذا النظام السفيه على فرض ضريبة على الشعب السودانى (المهاجر أو المقيم) لسداد أقساط ديوننا على العالم الخارجى، كما فرض 16 دولار على برميل النفط السودانى المصدر لمقابلة ديوننا البترولية على الصين وبتروناس كما يزعم وزير النفط السودانى محمد زايد عوض. رابعاً، تعويم سعر الصرف يجعل الإقتصاد السودانى تحت رحمة السوق الموازى القذر ومضاربيه المحليين والعالميين (أصحاب ال Hot Money كما ينعتهم نعوم شومسكى)، خاصةً مع عجز/امتناع الحكومة عن بناء إحتياطى نقدى تؤثر به على حجم الكتلة النقدية فى البلد التى أكثر من 80% منها خارج النظام المصرفى كما يقول المدير العام للبنك السودانى الفرنسى. الأمر الذى يُدخل البلد فى حلقات لولبية من الكساد - التضخمى (Stagflation)، وتحوُّل الرأسماليين الجُدُد إلى تايكونات للمضاربة بالعملات، ووتيرة من عدم الإستقرار المنفرة لكل عمل منتج، فيهرب رأس المال الوطنى الذى يرفض أن يُشارك فى دمار إقتصاد البلد، ويحجم المستثمر الأجنبى والمهاجر الجادَّيْن. خامساً، تحوُّل الإقتصاد المحلى إلى إقتصاد ممسوخ وغير قابل للتكييف وفق السياقات الإقتصادية المألوفة، وبالتالى تتعدد مصادر التأثير السلبى الغير متوقعة عليه، وتتضارب السياسات وتتناحر الأهداف. فأحياناً قرارات وزير المالية يُفسدها جهاز الأمن، وقرارات البنك المركزى يتحداها إتحاد أصحاب العمل الرسالى. أما إذا اعتلى السيد الرئيس منصةً وألقى خطبةَ رقص قبلها وبعدها، فلا تسألنَّ عن معنى كلمة إقتصاد؛ لأنَّ الإقتصاد وقتها سيكون قد أُصيب بالإشمئناط. قال السيد الرئيس خج/ عمر حسن أحمد البشير فى إحدى خطبه: "أنَّ موازنة 2016 التي أُودعت البرلمان لإجازتها هي أفضل ميزانية في تاريخ السودان، متضمنة زراعة 4 ملايين فدان، و400 طريق أسفلت جديد، وتأهيل السكة الحديد وجلب قطارات وطائرات من الصين وتأهيل الخطوط الجوية السودانية" (لِمَن تكِلُنا يا الله؛ اللهمَّ لا اعتراض على حكمك، غير أنَّ عافيتك أوسع لنا). سادساً، تعويم سعر الصرف ذو الأثر التضخمى كما فى حالة السودان الآن يضر، أول ما يضر، بأرباب المعاشات وعمال اليومية، وسائر أصحاب الدخول الثابتة، ويُعيد توزيع الدخل لصالح الأغنياء. وأى زيادة فى الأجور (كما هو معلن الآن) غير مصحوبة بإنتاج فعلى يزيد من القيمة الفعلية للجنيه السودانى سيكون أثرها تضخمياً على الإقتصاد السودانى وكارثياً على الشعب السودانى. سابعاً، فى السودان إقتصادان وقِبلتنان: إقتصاد الأخوان يا عبد الرحيم حمدى الذى به 8683 شركة مُعفاة من الضرائب والرسوم الجمركية ورسوم الإنتاج والزكاة، والذى فيه دخل الفرد أكبر مما قلت. واقتصاد سائر أهل السودان (دافعى الضرائب بحق وحقيق، حتى الأورنيشية وستات الشاى وأصحاب الدرداقات) الذين لا يملكون قوت يومهم؛ الذى ذهب البشير فى زياراته الأخيرة للسعودية ليتسول بإسمهم فقيلَ له: "اختشى! نحن فى حالة حرب يا هداك الله، واصرف على شعبك من ما تكتنزه لإخوان الشيطان". فجاء حانقاً على أصحاب اليد العليا من الأخوة العرب والسودانيين بالخارج ليُعاقب الشعب السودانى بتنصله نهائياً عن إلتزاماته تجاهه ومغيراً البوصلة تجاه إيران الصفوية للمرة الثانية (http://www.alrakoba.net/news-action-...d-188779.htm)، فصار محمد أحمد "ليهو الله (نعم المولى ونعم النصير) وعيشة السوق (أبغض الأماكن لله عزَّ وجلَّ)". ثامناً، مشكلة السودان ليست لها إى علاقة بأى نوع من أنواع الحصار من العالم الخارجى كما تزعم حكومة الخرطوم. وإنما الحصار والمشكلة من النظام ذات نفسه؛ كونه محتكراً لعائدات البترول والذهب الزكاة ولا يُريد أن ينفق منها على الشعب السودانى، ولذلك فهو يُرهقه بالضرائب والأتوات والزكوات والديون على العالم الخارجى (سيفرضون أتاوة على الشعب السودانى يدفعون منها أقساط الديون الخارجية مع سياسة التعويم المرجوسة هذه) ويعفى منها نفسه، ولا يريد أن يُشاركهم السلطة ليمنعوا عنه هذا الشطُر كما يقول الصافى جعفر الذى شاخ فى رضاعة السحت والغلول وأكل أموال النَّاس بالباطل. الحلول ثورة شعبية لإسقاط النظام، ومن يرى بديلاً غير هذا فليحدثنا عنه. رُفعت الأقلام وجفت الصحف. حسين أحمد حسين، كاتب وباحث إقتصادى مقيم بالمملكة المتحدة. [email protected]